يقطع محمد نصر مئات الكيلومترات، للوصول إلى مدينة قصيعر بمحافظة حضرموت جنوبي شرقي اليمن، من أجل الحصول على فرصة عمل.
يعمل محمد نصر (60 عاماً)، وهو ينتمي لعزلة مدارة بمحافظة إب وسط البلاد، في بيع الحلوى، فوق عربة يدفعها بيديه من غرفته إلى أمام المدرسة كل صباح.
يعاني محمد كثيراً بسبب ما يلاقيه من عنصرية في الجنوب تجاهه، فينظرون إليه بانتقاصٍ لأنه من مدينة أخرى، وأحياناً يتعرّض للسبِّ والشتم من قبل بعض اليمنيين الجنوبيين.
"دحباشي" وعراك بالأيدي
العديد من المشاكل والنزاعات وصلت حد العراك بالأيدي بين عمَّال شماليين وأبناء الجنوب، بسبب إطلاق وصف "دحباشي" على أبناء المحافظات الشمالية، وإثارة غضبهم، يقول محمد.
يتعرّض محمد للسبِّ والشتم من مواطنين جنوبيين يرون في الوحدة اليمنية احتلالاً، وفي الكثير من الأحيان يتعرّض للاعتداء أو السطو على عربته التي يبيع عليها قطع الحلوى.
ويتابع محمد: "أكبت غيظي وحزني لأنني أعيل أسرةً كبيرة، ولا أريد أن أفقد عملي أو أدخل في شجار معهم لأنني خارج منطقتي".
وينفي محمد أن يكون كل الجنوبيين عنصريين، "ليس كل أبناء المناطق الجنوبية عنصريين، معظم الجنوبيين لا نجد منهم تلك السخرية، ويعاملونك كأنك واحد منهم وحتى وإن كانوا رافضين للوحدة".
ويُعدّ محمد نصر واحداً من آلاف الشماليين الذين يعانون من العنصرية والاضطهاد في الجنوب، على الرغم من أنهم يعيشون في وطنهم، ومنذ حرب 1994، عقب إعلان الجنوب الانفصال وسيطرة الرئيس السابق علي عبد الله صالح على الجنوب بقوة السلاح، بدت نظرة عدد ليس بالقليل من الجنوبيين لأبناء الشمال بأنهم محتلين طامعين في ثروة الجنوب.
وبالإضافة إلى ذلك تشكلت العديد من الجماعات المطالبة بالانفصال عن الشمال، تحت مسمى "الحراك الشعبي الجنوبي"، في العديد من المحافظات الجنوبية، وكانت تقوم بعدة حملات ضد "البسَّاطين" الشماليين وأصحاب المحلات التجارية في محاولة لطردهم من مناطق الجنوب، غير أن ذلك الحراك فشل عبر تلك المسيرات والفعاليات الشعبية التي كان يقيمها الحراك بشكل دوري في الجنوب.
يتوجه الآلاف من أبناء المحافظات الشمالية نحو الجنوب، في ظل الدولة الواحدة، بحثاً عن فرص عمل لتوفير الطعام والشراب لأسرهم، فباتت شوارع الجنوب وأسواقها تضج بالباعة والبساطين وأصحاب المحلات التجارية والعقارات من المحافظات الشمالية.
أحقاد قديمة وانتهاكات
لقد كانت الأسابيع الماضية هي الأشد قسوة على المواطنين الشماليين القاطنين في المحافظات الجنوبية، بسبب اتجاه عملية الترحيل، التي بدأها "المجلس الانتقالي" في 2017، للاعتداء على المواطنين أكثر من ذي قبل.
المئات من المواطنين الشماليين تم جمعهم، ونقلهم على متن "دينات" وناقلات إلى خارج مدينة عدن، وتم أيضاً إحراق دكاكينهم المتنقلة، وإغلاق محلاتهم التجارية ناهيك عن اقتحام منازلهم، وقتل العديد منهم، والاعتداء عليهم بالضرب من قبل المليشيات المسلحة التابعة للانتقالي.
كان الشاب العشريني حاشد أمين يعمل في أحد المطاعم بمدينة عدن، وأجبر على تركها بعد أن كاد أن يفقد حياته.
يقول حاشد: "حوصرنا أربعة أيام داخل المطعم بسبب الاشتباكات، فبعد أن نفّذ الحوثيون ضربتهم الصاروخية على معسكر الجلاء التابع للانتقالي في عدن، بدأت القوات الموالية للإمارات بملاحقة العمال في الشوارع وحشرهم داخل دينات مخصصة لنقل البضائع ونقلهم إلى خارج عدن".
ويضيف حاشد (22 عاماً) لرصيف22: عندما شعرنا بقدوم العسكر وإغلاقهم للمحلات، وجمع الشماليين الذين يعملون في البسطات والمحلات التجارية، أغلقنا المطعم وجلسنا بداخله، وبعد أن هدأت المواجهات والأحداث عدت إلى السكن وجمعت ملابسي وغادرت المدينة"، يضيف حاشد أمين، "لقد كنت خائفاً جداً، لم أتسلم حتى مستحقاتي المالية من صاحب المطعم، فكل ما كنت أفكر به هو العودة إلى المنزل".
"لقد كنت خائفاً جداً، لم أتسلم حتى مستحقاتي المالية من صاحب المطعم، فكلّ ما كنت أفكر به هو العودة إلى المنزل".
ويتوجه الآلاف من أبناء المحافظات الشمالية نحو الجنوب، في ظل الدولة الواحدة، بحثاً عن فرص عمل لتوفير الطعام والشراب لأسرهم، فباتت شوارع الجنوب وأسواقها تضج بالباعة والبساطين وأصحاب المحلات التجارية والعقارات من المحافظات الشمالية.
إذا عرف بعض أصحاب المحلات التجارية في الجنوب إنك شمالي يرفعون سعر السلعة التي تريد شراءها، وإذا قلت لهم لماذا، يجيبون لأنك "دحباشي محتل"، يقول عبد الفتاح حميد المقيم في مدينة عدن لرصيف22.
ويرفض بعض أصحاب الباصات نقلك على متن مركباتهم ويرفعون الأجرة عليك، وإذا ركبت معهم يبدؤون بالتهكم والسخرية من الشماليين، يضيف عبد الفتاح (45عاماً)، الذي يعمل في بيع الجوالات.
"إذا عرف بعض أصحاب المحلات التجارية في الجنوب إنك شمالي يرفعون سعر السلعة التي تريد شراءها، وإذا قلت لهم لماذا، يجيبون لأنك دحباشي محتل، ولكن ليس كل الجنوبيين كذلك"
وتلقّت النخب المناوئة للوحدة هزيمةً كبيرة في حرب 1994، بالإضافة إلى الحرب التي شهدتها عدن في 2015، ما أثار حقداً كبيراً ضد الشمال من قبل الجهات المطالبة بالانفصال، تقول المحامية اليمنية هدى الصراري.
وأضافت الناشطة الحقوقية الجنوبية الحاصلة على جائزة "نوبل لحقوق الانسان" (اورورا)، إن جماعات لا تمتلك الوعي السياسي الكافي انجرفت للإساءة للمواطن الشمالي البسيط والباعة الموجودين داخل محافظة عدن، واستغلت مواقع التواصل الاجتماعي للتعبئة المناطقية والإساءة لتواجد أي مواطن شمالي في الجنوب، تضيف الصراري.
وشددت هدى في حديثها لـرصيف22 أن الأصوات التي دعت لطرد المواطنين الشمالين هم ليسوا من سكان عدن الذين عُرفوا بالتعايش وقبول الآخر، وتضيف هدى، أن دعاة المناطقية هم بدرجة أولى أساءوا للقضية الجنوبية، فليس للمواطن البسيط في الشمال علاقة بما حدث للجنوب، فهو أيضاً يفتقر الى الحقوق والحريات، ويعاني من تدني مستوى المواطنة والحياة الكريمة التي يحلم بها أو يمتلكها أي مواطن في بلد آخر، وهو بنفس المستوى من التعسف الذي يحصل للمواطن الجنوبي.
ومازال الشمال والجنوب تحت إطار الجمهورية اليمنية، وللمواطن في ربوع البلاد حقوقه التي شرعتها المنظومة القانونية الوطنية، وكذلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أقرتها ووقعتها اليمن.
ولفتت هدى إلى أنه ليس من حق أي فصيل أًو جماعة انتهاك حقوق أي مواطن أو ترحيله قسراً من أي منطقة أو محافظة.
"ثقافة الكراهية سياسة"
يُرجع الناشط الاجتماعي اليمني أحمد السامعي ترحيل الشماليين من الجنوب إلى العنصرية التي أفرزتها الأحزاب السياسية في البلاد، وقال السامعي في حديثه لـ"رصيف22"، إن العنصرية أصبحت الثقافة السائدة في أوساط المجتمع اليمني من جنوبه إلى شماله ومن الشرق إلى الغرب ولم تعد بين الجنوب والشمال فقط.
وأكد أن العنصرية جاءت نتاج لثقافة الكراهية التي ولدت من رحم الأحزاب التي أوجدتها الديمقراطية والتعددية السياسية منذ العام 1990، والتي افتقرت إلى "الإدراك" و "النضج" في العمل السياسي.
على الرغم من أن الصراع الحالي في اليمن بين الحكومة الشرعية والحوثيين من جهة، وبين الشرعية والمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات من جهة ثانية، إلا أن جهات جنوبية مطالبة بالانفصال تعمل على حرف مسار المعركة لتكون بين الشمال والجنوب، ويعتبر الانتقالي المدعوم من الإمارات أن تواجد العمال الشماليين في الجنوب والنازحين تهديد لقيام الدولة الجنوبية التي يسعى لاستعادتها بحسب زعمه.
ونزح مئات الآلاف من سكان محافظة الحديدة وتعز ولحج والمحافظات الشمالية الأخرى نحو الجنوب وتركّز معظمهم في مدينة عدن، لكنهم مهددون بسلب وطنيتهم وإجبارهم على العودة إلى مناطقهم التي تشهد حرباً بين القوات الحكومية وجماعة الحوثيين.
"600 أسرة تركوا منازلهم، وفرّوا خارج عدن، خوفاً من الموت"
وتعرّض النازحون لعدة اعتداءات وهجمات في مدينة عدن من قبل جمعات وعصابات عنصرية، بالإضافة إلى عدة هجمات تعرض لها المواطنون الشماليون في الجنوب خلال السنوات الماضية، ومنعهم من دخول المحافظات الجنوبية.
وخلال ثلاثة أيام من المواجهات في عدن مطلع أغسطس 2019، قتل 16 شخصاً بينهم أطفال، وجرح أكثر من 450 شخصاً، والذين تعرّضوا للضرب، والسحل، والإهانات بينهم نساء وأطفال، كما تم ترحيل أكثر من 2400 شخصاً بشكل قسري، وتشريد أكثر من 1000 أسرة شمالية في عدن، بحسب بيان صحفي صادر عن شباب عدن للحريات وحقوق الإنسان، ويشير البيان إلى أن أكثر من 600 أسرة تركت منازلها وكل ما تملك وفرّت إلى خارج مدينة عدن، خوفاً من الموت وضماناً لسلامة أسرهم وأطفالهم.
وتعيش الآلاف من العائلات في حالة خوف وهلع من أي استهداف عنصري لأبنائها، بعد انتشار حوادث الاعتداء على الشماليين بشكل كبير، وبث تسجيلات لاعتداءات عنصرية ضدهم والمطالبة بطردهم من الجنوب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع