شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
صاحبة

صاحبة "عين الهر" و"صيف مع العدو" تخبرنا عن كتبها وشخصياتها المفضلة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 27 أغسطس 201902:58 م

تندرج المادة ضمن "كتبي وكتّابي وكاتباتي" زاوية نلتقي فيها كل أسبوع مع روائي/ة أو مترجم/ة للإجابة عن أسئلةٍ ثابتة نتعرّف من خلالها أكثر على رواياته/ها المفضّلة والكتّاب والكاتبات الذين/اللواتي أثّروا/أثرن فيه/ها، وعن علاقته/ها هو/هي مع نتاجه/ها الأدبي.


في هذا الأسبوع نلتقي مع الروائية السورية شهلا العجيلي، صاحبة "عين الهر" و"صيف مع العدو". 

1. إذا قُيّض لك أن تقضي أمسية برفقة روائي من الزمن الحالي أو من الزمن الماضي، من تختارين؟ ولماذا؟

أحب تلك الأمسيات التي أقضيها برفقة الروائيين الأصدقاء، ففيها الكثير من الصدق والضحك والبساطة والغنى المعرفي والحكائي، وأجملها تلك التي أكون فيها بصحبة صديقي العزيز إبراهيم عبد المجيد، سواء في القاهرة أو عمّان أو حلب أو الرقّة، أو أي مكان يمكن له أن يجمعنا. إبراهيم يتكلم بالطريقة ذاتها التي يكتب بها، ويأخذك وأنت في مكانك إلى مدنٍ غائبة، وحالاتٍ إنسانية فريدة. بهاء طاهر لديه هذه الروح الصديقة والمُحبّة والحكّاءة، ويمتلك خفّة ظلّ مترافقة مع ذكاء حاد، وأحب استعادة أمسياتنا التي قضيناها معاً في صحراء الربع الخالي.

من أصدقائي التاريخيين الذين يُغنون أمسياتي: أحمد المديني وشعيب حليفي، ولدي صديقات قديمات من الروائيات أفتقد صحبتهن وحكاياتهن ونقاشاتنا ومزاحنا: رزان مغربي، وربيعة ريحان، ومي خالد، حيث نفتح ملفات النساء ومواجعهن التاريخية، ونستذكر الشخصيات التي عرفناها معاً من خارج الوسط الأدبي، وصار لنا معها ذكريات مشتركة، ومؤخراً استمتعت بأمسيات لطيفة وغنية مع إنعام كجه جي.

بالمناسبة صحبة بعض أساتذة النقد لا تقل متعة وحكائية ومعرفة، بل لعلها تزيد، لا سيما تلك الجلسات التي تجمع بين الأستاذين الدكتور جابر عصفور والدكتور صلاح فضل أمدّ الله بعمرهما، وكذلك هي اللقاءات التي كانت مع الأستاذ الكبير توفيق بكّار رحمه الله، وأمسياتي الطيبة مع أستاذي الدكتور فؤاد المرعي أنتظر عودتها سريعاً. 

2. إذا افترضنا أنه يحق لك توجيه سؤال وحيد لروائي تحبينه، من هو الكاتب؟ وما هو السؤال؟

قد أسأل غادة السمان عن مصدر تلك الموضوعية بل القسوة التي عاملت بها غسان كنفاني كما تبين في رسائله التي ظل يشكو فيها الصد والهجران! كيف استطاعت أن تزيد عذابات ذلك الطفل المقاتل اليتيم، المفجوع بوطنه وبجسده، والذي تصفه بـ "النحيل الهشّ كالمركب المنخور، وعليه أن يعاجله بإبر الأنسولين كي لا يتهاوى فجأة تحت ضربات مرض السكري: هدية الطفولة لصبي حُرم من وطنه دون ذنب"، فضلاً عن نقرسه وأصابعه المصفرّة من النيكوتين وخيانات الذين يدّعون النضال والوطنية... كيف واجهت غادة ذلك العصف البليغ من الحب والعطف والكرم الذي حباها به؟ وهل أحبته حقاً؟ وهل ندمت بعد الفقد والاستشهاد؟ ليتها تكتب لنا.

3. ما هي الروايات التي تعتبرين أنك لولا قراءتها لما كانت صنعتك الروائية ما هي عليه اليوم؟

لا شكّ بأنها روايات كثيرة جداً، وبعضها قد لا يكون مهماً أو مشهوراً، وقد لا أتذكر كثيراً منها، لأنني أعتقد أن كل رواية قرأتها منذ طفولتي كوّنت في شيئاً، أو تركت أثراً، قد يكون انفعالاً عاطفياً أو كلمة أو عبارة أو طريقة كتابة، وما زلت أقرأ وأنسى لتطوير أسلوبي.

أحببت نصوص يوكو أوغاوا "حوض السباحة" و"غرفة مثالية لرجل مريض"، و"حرير" لأليخاندرو باريكو، و"المطر الأصفر" لخوليو ياماثاريس، و"في انتظار البرابرة" لـكوتزي... أعتقد أن القراءات الأولى مهمة جداً: روايات عبد السلام العجيلي "باسمة بين الدموع" مثلاً، وروايات فاضل السباعي ومنها "رياح كانون"، ثم الثلاثية لنجيب محفوظ و"خان الخليلي"، وبعدها الروس: دستويفسكي في "المقامر" و"الجريمة والعقاب"، وتولستوي في "آنّا كارنينا"، ثمّ بلزاك: "الملهاة الإنسانية" و"المرأة في الثلاثين"، وبعدها "رياح الشمال" لنهاد سيريس، و"لا أحد ينام في الإسكندرية" لإبراهيم عبد المجيد... استفدت من المصريين اللغة الرشيقة وسهولة اقتحام العوالم، وتحويل كل حادثةٍ إلى حكاية، ومن السوريين قوة الصنعة الحكائية أو السبك، مع مناورة الرقيب، ومن الروس الدراما، ومن الأوروبيين الخصوصية، ومن الأميركان الحرية في انتقاء الموضوعات والتعبير عنها...

4. إذا سُمح لك أن تختاري شخصية روائية واحدة لتقضي برفقتها يوماً كاملاً في مدينتك، من تكون هذه الشخصية؟ ولماذا اخترتها؟ وإلى أين ستصطحبينها؟

الدكتور يعقوب من روايتي  "سماء قريبة من بيتنا"، أشعر أنه رفيق جيد، وأنني قسوت عليه في تصويره السيكولوجي، وأنني يمكن أن أستثمره وأخرج به إلى رواية أخرى، أنا أيضاً بحاجة لأقوّي علاقتي به، ولأمنحه المزيد من الرعاية، وأزيل جدار الجليد بيننا، وأطلقه مجدداً ليعيش معي في مكان آخر ومع شخصيات جديدة، سأصطحبه إلى مدرستي القديمة، وإلى نادي الفروسية، وإلى بيوت أقاربي في الرقّة، وإلى الفرات والجسرين عليه، وإلى السور العتيق، وقلعة جعبر والرصافة، وإلى البيت طبعاً، ثم أذهب به إلى حلب، إلى سوق المدينة والقلعة وحي الجديدة والعزيزية ومحطة بغداد... طبعاً كل هذه الأماكن تقيم في ذاكرتي، إذ لم تعد كما كانت قبل الحرب.


شهلا العجيلي: "أقوى البدايات الحكائيّة التي أستعيدها كلّما شرعت بكتابة رواية هي مطلع سفر التكوين، حيث تتبيّن علاقة اللغة السرديّة بالظرف وبالجملة الفعليّة، وعلاقة الأخيرة بالحكاية وبناء العالم"

 الروائية السورية شهلا العجيلي توجّه سؤالاً لغادة السمّان: ما مصدر تلك القسوة التي عاملت بها غسان كنفاني؟ وكيف استطعت أن تزيدي عذاباته؟

5. من الروائيين العرب، من هو الروائي الذي يعجبك وتظنين أنه لم يُقرأ بالشكل الكافي من قبل القرّاء العرب؟ وبأي رواية له تنصحينهم؟

الروائي السوري نهاد سيريس كتب مجموعة من النصوص الرائعة مثل "رياح الشمال" بجزأيها، وله رواية بعنوان "حالة شغف"، وهي رواية خاصة جداً لمرحلة تاريخية لمدينة حلب مع خيط لـ"تابو" اجتماعي يتعلق بالمثليّة الأنثوية، وله رواية رؤيوية حقًّ كتبها في 2004 بعنوان "الصمت والصخب". أعتقد أن الروائي التونسي محمد الباردي وهو المعروف أكاديمياً أكثر منه إبداعياً يستحق أن تسلّط الأضواء على تجربته الروائية، إذ يقدم مجتمع جنوب تونس، بخصوصيته ومشكلاته الإيديولوجية والاقتصادية، وحكايات الحب والتهميش والهجرة إلى أوروبا بلغة فصيحة بسيطة من أجمل ما يكون، وبسردية عالية. له "الكرنفال" و"ديوان المواجع" و"على نار هادئة"...

6. قسم كبير من الروائيين يقولون إنهم في طفولتهم أو يفاعتهم حين اكتشفوا رغبتهم في الكتابة، حاولوا تقليد رواية ما. هل حصل الأمر نفسه معك؟ وما هي الرواية التي حاولت تقليدها؟

لا أتذكر أبداً أنني حاولت تقليد روائي معين أو رواية ما، لعلني حاولت كتابة بعض القصص البوليسية في طفولتي تأثراً بألغاز المغامرين الخمسة لمحمود سالم. ثم تجاوزت فكرة التقليد حين شرعت بالكتابة، ووعيت مبكراً لأهمية فرادة الأسلوب، وقد يكون ذلك نتيجة تخصصي الأكاديمي في دراسة اللغة والأدب.

7. حين تنهين روايتك فإنك بشكل ما تضعين حداً لعلاقتك مع شخصيات الرواية، لتستطيعي التفكير بشخصيات رواية أخرى. هل حصل معك أن طيف شخصية لاحقك بعد انتهاء الرواية، ولم تستطيعي التخلّص منه بسهولة. من هي هذه الشخصية ومن أي رواية؟

نعم، ظلّت "أيوبة" الشخصية الرئيسة في روايتي الأولى "عين الهر" 2006، تمشي معي طويلاً، وكلما وضعت رأسي على الوسادة لأنام، كنت أفكر فيما تفعله تلك اللحظة! وما زلت أشعر بالذنب والأسف تجاه "لبانة" من روايتي "سجاد عجمي" 2012، وأجدها دائماً تعاتبني على ما فعلت بها في مصير ولدها "قيس" الذي غرق في الفرات، وكلما رأيت امرأة ثكلى أرى لبانة. لكن وجود مثل هذه الشخصيات لا يمنع من تسلّل الشخصيات الجديدة حين العكوف على عمل روائي جديد.

8. من رواياتك، ما هي الرواية التي تعتقدين أنها الأكثر طموحاً على صعيد البناء؟ لماذا؟

أعتقد أن كلاًّ منها مبني بما يناسب إشكالية النص، ويحقق بلاغة الفن الروائي التي أصبو إليها حقاً. "عين الهر" مثلاً تقوم على سرد بضمير المتكلم، يشتبك مع مجموعة من الرسائل الإلكترونية، لتكتشف الراوية في النهاية أنها كانت ترسل رسائلها إلى عنوان خاطئ، وقد جاراها صاحبه أو صاحبته في اللعبة، ولتنكشف عبر ذلك مجموعة علاقات في مجتمع النص قائمة على الفساد وغياب العدالة والتسلط... وذلك كله يدور في أحياء مدينة حلب ويقدم مورفولوجيتها.

في "سجاد عجمي" اشتغلت على بناء مينمالي ذي زمن واحد، يعود إلى القرن الثالث الهجري، لكن بلغة قديمة لم تنقصها الحيوية، ونماذج إنسانية وعلاقات غير نمطية أي ليست مثل العلاقات التي صدرتها الأعمال التلفزيونية أو الحكايات الشعبية عن التاريخ. يمكنني أن أقول إنني في كل من "سماء قريبة من بيتنا" 2015 و"صيف مع العدو" 2018 اشتغلت على بناء ضخم يناسب الروايات ذات الملمح الملحمي، بسرد متدفق، وفصول متعددة بأسماء، تتحول فيها الشخصيات وتنمو، ونتحرك مع طفولتها وشبابها  وموتها، بل نعود إلى تاريخ أجدادها ومتعلقاتها، ونتابع تحولات من حولها كما نتابع تحولات المكان معها، إذ ننتقل إلى تاريخ مدن عظيمة  شرق أوسطية وأوربية وآسيوية، وأخرى صغيرة ومهمشة، لكن لا تقل أهمية روائية أو سردية عن تلك المراكز الكبرى، ونتعرف إلى حياة مجموعة من الأفراد في ظل هذه التحولات الكبرى.

هذا النوع من الكتابة الروائية يستهلك طاقة كبيرة ويحتاج بحثاً معرفياً دقيقاً لكثرة التفاصيل والاشتباك مع التاريخ، وسيصب كله في بناء سردي واحد، بضمائر متعددة: المتكلم، والكثير من الغائبين، هنا أجد هوميروس مع شكسبير وبلزاك وفلوبير وتولستوي وماركيز...

9. لجملة البداية في الرواية أثر ساحر. ما هي البداية التي تبادرت إلى ذهنك مباشرة الآن، ومن أي رواية ولمن؟

ستبقى بداية "الغريب" لكامو استثنائية وغريبة وحقيقية: "اليوم ماتت أمي، أو ربما ماتت أمس، لست أدري"! وأنا دائماً أخطئ في اليوم الذي ماتت فيه أمي هل هو 22 نيسان أم 23 نيسان، مع أنني كنت معها، يصححون لي، لكن أعود فأنسى، ربما عدم اليقين هذا نوع من إنكار الواقعة، وليس كما يقول منتقدو بطل كامو إنه نوع من عدم المبالاة.

بداية "المسخ" لكافكا فانتازية ومخيفة أيضاً وترتبط بالفصام وعدم اليقين أيضاً: "استيقظ جريجور سامسا ذات صباح بعد أحلام مزعجة، فوجد نفسه قد تحول في فراشه إلى حشرة هائلة الحجم". لكن أقوى البدايات الحكائية التي أستعيدها كلما شرعت بكتابة رواية هي مطلع سفر التكوين، حيث تتبّن علاقة اللغة السردية بالظرف وبالجملة الفعلية، وعلاقة الأخيرة بالحكاية وبناء العالم: "في البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه، وقال الله: ليكن نور، فكان نور".

10. ما هي آخر رواية قرأتها وأعجبتك وتحبين أن تقترحيها لقراء رصيف22؟

آخر رواية فرغت من قراءتها هي "الطابور" للمصرية بسمة عبد العزيز، يعود تاريخ نشرها إلى 2011، هي من أدب الديستوبيا، ولنقل رواية سوداوية بالتعبير الأبسط، وأعتقد أن هذا النوع من الروايات هو الذي يعبر عن المرحلة في حياتنا العربية، وقد يمتلك جمهوراً خاصاً، لكنه نوع من التمثيل الجمالي الذي يحاول أن يبزّ الواقع بسوداويته وأفول الأمل فيه.

قبلها قرأت رواية مترجمة حديثاً ليوكو أوغاوا هي "حذاء لكِ" ترجمة معن عاقل، كعادتها تركز على تفصيل حيادي وتحوله إلى حالة حادة أو مقزّزة او مؤلمة ضمن صمت امرأة يابانية وهدوئها وعزلتها! بين يدي الآن كتاب استثنائي في الحقيقة بعنوان "في القبح" لأمبرتو إيكو، كتاب مهم جداً فيه الكثير من المتعة والمعرفة والتحليل، وهو باللغة الإنكليزية، وأقترح ترجمته، إذ لم أجد له ترجمة عربية.  لعلك ستجد الانتقاءات منفّرة، لكن لا تقلق فهذا الاتجاه في القراءة يصنع توازناً مع المحيط، ثم إنها قراءات موجهة لبحث أكاديمي أعمل عليه.

شهلا العجيلي روائية سورية – أردنية من مواليد عام 1976، حاصلة على الدكتوراه في الأدب العربي الحديث والدراسات الثقافية. تعمل أستاذة للأدب العربي الحديث في الجامعة الأميركية في الأردن. لها مجموعة قصصية بعنوان "المشربية"، وكتابان في النقد "مرآة الغريبة"، "الخصوصية الثقافية في الرواية العربية". وأربع روايات: "عين الهر" التي فازت بجائزة الدولة الأردنية في الآداب عام 2009، و"سجاد عجمي"، و"سماء قريبة من بيتنا"، و"صيف مع العدو"، وقد وصلت الأخيرتان إلى القوائم القصيرة لجائزة البوكر العربية لعامي 2016، 2018.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image