يتحدثون العربية بطلاقة، يدرس أغلبهم بجامعة الأزهر في القاهرة، يتمركزون بشكل كبير في حي مدينة نصر، أحد أكبر أحياء العاصمة المصرية. حين هرب الإيغور من بلدهم الأم الصين في السنوات الأخيرة بسبب قمع السلطات لهم، لم يتوقعوا أن مصر، البلد التي اختاروا التوجه لها لأنها "دولة مسلمة" بحسب تعبيرهم، يمكن أن تعتقلهم ذات يوم بناء على طلب من السلطات الصينية وتحقق معهم بل تسمح لضباط صينيين باستجوابهم.
لا يوجد إحصاء رسمي يبين عدد الإيغور في مصر. يقول طالب من الإيغور يدرس العلوم الشرعية بجامعة الأزهر لرصيف22 إن مصر تحتضن المئات منهم ويعيش أغلبهم في منطقة مدينة نصر وبالتحديد في الحي السابع، مفسراً سبب ذلك بأن أغلب الإيغور الذين يعيشون في القاهرة هم طلاب في جامعة الأزهر التي مقرها مدينة نصر، لذلك فضلوا أن يعيشوا بالقرب منها.
وجامعة الأزهر هي أكبر الجامعات المصرية من حيث عدد الطلاب الوافدين، ومقصد الطلاب المسلمين من جميع أنحاء العالم لدراسة العلوم الشرعية.
يكمل الطالب الذي طلب عدم ذكر اسمه أن معظم الإيغور يعملون في مطاعم مملوكة لهم بحي مدينة نصر، ومن لا يعمل في تلك المطاعم يعمل في مجال البيع في محالّ أخرى تنتشر في المنطقة، معظمها لبيع الهواتف المحمولة وتصحيحها، مؤكداً أن العديد من أصحاب المحالّ المصريين يفضلون توظيف الإيغور بسبب أمانتهم الشديدة وتعاملهم الجيد مع الزبائن، لكن الطالب عينه يؤكد أن العديد من المصريين لا يعرفون كلمة إيغور ولا ماذا تعني، شارحاً أنه يقدم نفسه للمصريين بأنه مسلم من تركستان.
ويرفض الطالب الإيغوري الحديث عن الأزمات التي يعانونها في مصر، قائلاً: "نحن لا نتحدث في السياسة، الإيغور اختاروا أن يعيشوا في مصر لأنها دولة مسلمة".
والإيغور هم مسلمون يشكلون نحو 45 في المئة من سكان إقليم شينغيانغ الصيني، وتعود أصولهم إلى الشعوب التركية (التركستان)، وكثيراً ما يعتبرون أنفسهم أقرب عرقياً وثقافياً إلى أمم آسيا الوسطى، وكانت الأمم المتحدة قد أعربت أكثر من مرة عن قلقها بعد ورود تقارير عن اعتقالات جماعية للإيغور في الصين، ودعت لإطلاق سراح المحتجزين في معسكرات "مكافحة الإرهاب”.
"لا يتعامل معنا المصريون باعتبارنا سياح، ولكن كمسلمين" هكذا يقول طالب إيغوري آخر لرصيف22 ويكمل أنه حضر إلى القاهرة في العام 2017، وبعد شهرين التحقت به والدته وشقيقته، مضيفاً أن المصريين يتعاملون معه بود شديد، ولا يضايقونه شارحاً أن لحيته تجعل الجميع يتعاملون معه باعتباره طالباً مسلماً مثل أغلب المصريين.
ورفض الطالب الذي يعمل في مكتبة دينية في منطقة مدينة نصر الحديث عن تعامل الأمن المصري معه، قائلاً: "أنا هنا للدراسة وليس للحديث في مسائل سياسية”.
وتنفي بيكين أي اتهامات بممارسة انتهاكات ضد الإيغور لكنها تعترف باحتجاز من تقول إنهم بعض المتشددين دينياً "لإعادة تأهيلهم". كما تتهم الصين من تصفهم بالمتشددين الإسلاميين والانفصاليين بإثارة الاضطرابات في المنطقة.
ويوم 18 آب/أغسطس الجاري، نقلت فرانس برس عن طالب من الإيغور في مصر تأكيده أنه خلال توقيفه لدى الشرطة المصرية في العام 2017، خضع للاستجواب، وهو معصوب العينين ومقيد اليدين، على أيدي مسؤولين صينيين.
وحكى الطالب أن السلطات المصرية أوقفته في وضح النهار مع مجموعة من أصدقائه، وتم اقتياده إلى قسم شرطة في القاهرة حيث سأله المسؤولون الصينيون عما يفعله في مصر، مؤكداً أن المسؤولين كانوا يتحدثون إليه باللغة الصينية، وخاطبوه باسمه الصيني لا الإيغوري.
وبعد بضعة أيام من استجوابه في قسم الشرطة بمدينة نصر، تم إرساله إلى سجن طره، وقد أطلق سراحه بعد احتجازه ستين يوماً ثم هرب إلى تركيا.
"غير مرحب بهم في مصر"؟
وفي شهر أيلول/سبتمبر 2016، وقعت وزارة الداخلية المصرية وثيقة تعاون فني مع وزارة الأمن الصينية، ومنذ الإعلان عن توقيع هذه الوثيقة لا تتوقف أزمات الإيغور في مصر.
ويظهر تقرير أصدرته المفوضية المصرية للحقوق والحريات ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، وهما منظمتان مصريتان غير حكوميتين، أن أزمة الإيغور في مصر بدأت في مطلع شهر تموز/يوليو 2017، حين ألقت قوات الأمن المصرية في حملة موسعة القبض على العشرات منهم، وأغلبهم من الدارسين في الأزهر.
وكشف التقرير الذي حمل عنوان "غير مرحب بهم" عن أن الحملة بدأت في الثالث من تموز/يوليو 2017، وحينذاك قبض على عدد يراوح بين 90 و120 شخصاً، تحديداً في منطقة الحي السابع، أحد أكثر الأماكن التي يعيش فيها الإيغور في مدينة نصر، وقبض على هؤلاء من مطاعم ومحال مملوكة لإيغور ومن منازلهم أيضاً، (70 شخصاً على الأقل)، إضافة إلى عدد آخر أوقفته الشرطة في مطارات برج العرب والغردقة والقاهرة وميناء نويبع البحري أو في الطرق المؤدية لتلك الموانئ.
وقتذاك ترددت أنباء عن أن قوات الأمن رحلت 12 إيغورياً إلى الصين، لكن قوات الأمن المصرية نفت هذا الأمر لوسائل إعلام محلية مقربة من النظام. وفي 6 تموز/يوليو 2017، وضعت السلطات المصرية 12 من الإيغور على الأقل على متن طائرة متجهة إلى الصين، بحسب ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مسؤولي طيران مصريين، وأخبر المسؤولون الصحيفة الأمريكية بأن الشرطة أمرتهم بترحيل الإيغور من دون تقديم أي تفسير.
حينذاك برر مصدر أمني الحملة الأمنية ضد الإيغور في تصريح لصحيفة المصري اليوم المقربة من النظام بأنها "تأتي في إطار إجراءات أمنية طبيعية تجريها أجهزة الأمن في البلاد لفحص إقامة الأجانب، وأن التحريات الأولية وفحص أوراق المضبوطين دلا على أن عدداً منهم خالف اشتراطات الإقامة في البلاد".
هربوا إلى مصر خوفاً من "انتهاكات" الحكومة الصينية” لكنهم في بلاد النيل واجهوا أخطار الاعتقال والملاحقة والترحيل، برغم شرعية إقامتهم. كيف يعيش الإيغور في مصر؟ أين يتمركزون؟ وهل يردون على حملات الاعتقال؟ رصيف22 التقى طلاباً إيغور لإخبارنا بتجاربهم في مصر
وفي بدء الأزمة، نفى الأزهر أخبار القبض على طلاب إيغور من الدارسين فيه، مؤكداً في بيان "أنه جاري متابعة ما يتداول عبر عدد من المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي في هذا الشأن مع الجهات المختصة، لافتاً إلى أن ما تبثه بعض المواقع والقنوات في هذا الصدد من أخبار وأعداد غير دقيقة على الإطلاق"، لكن في مساء اليوم نفسه، أكد مستشار شيخ الأزهر، محمد مهنى، في تصريح لأحد البرامج التلفزيونية أنه "تم القبض على 43 شخصاً من الإيغور منهم 3 فقط من الدارسين في الأزهر".
وفي السنوات الأخيرة، اقتحمت قوات الأمن المصرية "مطعم أسلم" بالحي السابع، وهو مطعم مالكه وأغلب العاملين فيه من الإيغور، وألقت القبض على عشرات الأشخاص من الموجودين فيه، وتواصل رصيف22 مع المطعم لكن موظفي المكان رفضوا الحديث عما يواجهونه في مصر في الفترة الأخيرة خوفاً من مضايقات الأمن المصري لهم.
ويتردد عدد كبير من المصريين على مطعم "أسلم"، بسبب رخص أسعاره وجودة الأطعمة التي يقدمها، وكلها من الأطعمة الصينية.
وبحسب أربع شهادات مختلفة حصلت عليها المفوضية المصرية للحقوق والحريات ومؤسسة حرية الفكر والتعبير من أفراد من الإيغور لا يزالون داخل مصر أو استطاعوا الخروج إلى تركيا، فإن محققين صينيين استجوبوا عدداً من الإيغور المحتجزين في أماكن احتجازهم لدى الحكومة المصرية، ومنهم محتجزون في سجن طره المصري، في حين أشارت شهادة واحدة إلى تعرض بعض المحتجزين للتعذيب أثناء هذه التحقيقات.
ونقل موقع خاص بالإيغور عن طالب إيغوري يعيش في مصر قوله: "عددنا يقارب المئات، ندرس في مصر، جئنا لتعلم الإسلام في جامعة الأزهر، وبعضنا اصطحب عائلته معه هرباً من التنكيل بنا في الصين"، مضيفاً: "نعلم أننا إذا عدنا إلى هناك سيتم اعتقالنا وتعذيبنا بدعوى تحريضنا على نشر أفكار تصفها الصين بأنها انفصالية"، مستطرداً: “تركستان إقليم مسلم والصين احتلته منذ عشرات السنوات، لكن هذا لا يعطيها الحق في التضييق على السكان، لذا نحن نسعى للاستقلال الذاتي، وهذا حقنا".
ويقول الطالب "يبحث بعضنا عن وسيلة لخروج آمن من مصر خوفاً على مصيرنا"، مؤكداً أن البعض حالفه الحظ واستطاع الهرب إلى تركيا وماليزيا، ويختم الطالب: "لا أرغب في العودة إلى الصين فأوراقي سليمة، وأنا لم أزل طالباً ولم أحصل على شهادتي الجامعية، لا أعلم لماذا يتعامل معنا المسؤولون المصريون بهذه الطريقة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...