خلال اليومين الأخيرين، أقدمت وزارة الداخلية الكويتية على ضبط مقيم لبناني والسعي خلف ناشطة نسوية حقوقية كويتية بتهمة "الإساءة إلى الذات الإلهية"، على خلفية مقطعٍ مصورٍ لكل منهما يعبر فيه عن رأي خاص لمتابعيه، وهذا ما يحيلنا إلى التساؤل "لماذا يعد أي رأي شخصي مساساً بالذات الإلهية؟".
في 16 آب/أغسطس الجاري، قالت الإدارة العامة للعلاقات والإعلام الأمني بوزارة الداخلية الكويتية، في بيان، إنه جرى تحديد هوية صاحب مقطع فيديو متداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد "يقوم فيه أحد الأشخاص بالتعدي على الذات الإلهية"، ومن ثم ضبطه واتخاذ الإجراءات القانونية "الرادعة" بحقه.
وشددت الوزارة على أنها سوف تتخذ "الإجراءات القانونية ضد كل من يقوم بالتعدي على الذات الإلهية أو الدين الإسلامي".
يتعلق البيان بمقيم لبناني بث مقطعاً مصوراً عبر حسابه على انستغرام ينتقد فيه إقدام البعض على ارتكاب المعاصي وانتظار يوم عرفة من أجل الصيام "للتكفير".
كون كل مواطن خفير ، توثيق بالفيديو مقيم لبناني بالكويت عبر لايف الانستقرام يتطاول على الذات الالهية في ليلة عرفة ، ومنا الى ادارة الجرائم الالكترونية مع التحية ? pic.twitter.com/Sh4kNpRzFA
— كشف الفساد بالدولة (@Corrup_fight) August 16, 2019
وظهر المقيم اللبناني، حسبما روج كثيرون، في الفيديو، الذي يبدو أنه كان يبثه مباشرةً عبر حسابه على انستغرام من أحد المقاهي، وهو يقول: "ليش أصوم عرفة ما بدي إياه يغفر لي لا سنة ماضية ولا سنة جاية"، ليرد عليه أحد الكويتيين الموجودين في المكان "هيك رب العالمين قال، ما تعارض ربك، ما تصوم خلاص كيفك"، ليجيبه اللبناني "ما خصك أنت".
وبعد تبادل السباب والاتهامات، يعود اللبناني إلى متابعيه قائلاً: "أنا يا جماعة إنسان بعرف حالي، بعمل أغلاط أوكي ما حدا معصوم من الخطأ. لكن ما بحمل الله جميلة إني بكرة يلا بدي أصوم عشان يغفر لي، أعمل كل شيء بالعالم حرام عشان أصوم يوم عرفة ويغفر لي هذه مسخرة هذا قرف، صوموا على النية ما تصوموا عشان الله يغفر لي".
لم يوجه صاحب الفيديو أي انتقاد للإثابة عن صوم عرفة، مركزاً انتقاده على من يستغلونه للتبرؤ من ذنوبهم وأفعالهم الشائنة. وقد تسبب المقطع بغضب واسع من رواد السوشيال ميديا في البلاد، داعين إلى محاسبته على ما قال.
"لا تشرفني جنة اللبس لا الأخلاق"
وفي 15 آب/أغسطس، أشارت الداخلية الكويتية، عبر موقعها الرسمي، إلى أن قطاع الأمن الجنائي، ممثلاً في إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية "اتخذ الإجراءات القانونية حول ما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص مقطع فيديو يتضمن تعدي سيدة على الذات الإلهية"، لافتةً إلى أنه "جرى البحث والتحري عن السيدة وتم التعرف عليها واتخاذ الإجراءات القانونية لضبطها وتحويلها إلى جهة الاختصاص".
ادارة الجرائم الالكترونية تحرك شكوى ضد #كريمة_كرم بسبب حديثها عن الجنة والنار.
— المجلس (@Almajlliss) August 16, 2019
▪️ليبراليون يرفضون مقاضاتها: حديثها لا يشكل جريمة بل هم من صلب حرية الرأي. pic.twitter.com/gmyUWF7usi
ويخص هذا التصريح الناشطة الكويتية كريمة كرم التي تقول في المقطع المتداول: "رسالة إلى الناس المستشرفة سواء من النساء أو الرجال، يا عمي ألبس حجاب ما ألبس حجاب مو شغلك، ألبس مايوه أفسخ أمشي مفسخة (عارية) مو شغلك. أنت شغلك لبسك ما رح تنام بقبري ولا تتحاسب عني، والجنة اللي تسكر بوجهي الباب عشان ما لبسه حجاب ما أبيها ما تشرفني، أنا جنتي تختلف أنا جنتي تدخل الناس اللي عندهم أخلاق اللي عندهم إنسانية، تحكم على الناس بالأخلاق ما تحكم على الناس بملابسهم... حبيبي إذا الحجاب عاجبك البسه ليش ما تلبسه لا تعور (ترهق) جلبك".
تعرف كرم نفسها عبر حسابها على تويتر الذي يحمل اسم "المتمردة"، بأنها "نسوية حرة فكر وعقيدة، ديني الحب ومذهبي الإنسان، ديني علاقتي بربي لا تتدخل بها، مع الكويتيين البدون في مطالباتهم بحقوقهم".
أثارت كلمات كرم ضجة على الرغم من أنها كانت تعبر عن قناعة شخصية ترد بها على منتقدي حريتها الشخصية ولا تلزم بها أحداً، وخلفت آراءً متباينة فدشن البعض حملة ضدها مطالبين بمحاسبتها وتوقيع "أشد عقاب" بها، معتبرين ما قالته ازدراءً للدين وتعدياً على أحكام الإله عبر وسم #نطالب_محاسبة_كريمة_كرم.
الناشطة الكويتية كريمة كرم قالت إنها ترفض الجنة التي تفتح الأبواب للأشخاص بناءً على لبسهم ومظهرهم لا بناءً على أخلاقهم، لكن البعض اعتبر كلماتها هذه "مساساً بالذات الإلهية". قائمة بالذين شملهتم هذه الاتهامات في الكويت طويلة، وهذا ما دفع الناشطة الكويتية أروى الوقيان إلى القول إن "التعبير عن الرأي بات جريمة"
خلال يومين فقط، قبضت الداخلية الكويتية على مقيم لبناني بتهمة "المساس بالذات الإلهية” واتخذت بحقه "إجراءات رادعة” ، وتعقبت الناشطة الحقوقية والنسوية كريمة كرم بسبب مقاطع عبر مواقع التواصل الاجتماعي أعربا فيها عن "آراء شخصية"... فإلى متى تعتبر الآراء الشخصية مساساً بالدين والإله؟
في المقابل، أبدى كثيرون إعجابهم بشجاعتها ودافعوا عن "حقها الكامل في التعبير عن آرائها الخاصة"، مستندين إلى اختلاف مفهوم الجنة والنار لدى العلماء وعدم مساسها بأي ثوابت دينية عبر وسم #متضامنون_مع_كريمة_كرم.
كذلك اعتبر آخرون أن الهجوم عليها والشكوى بحقها "كيدية ووسيلة دنيئة لإلهائها عن نضالها الداعم لحقوق البدون"، مشيرين إلى أن "الآلاف عبر مواقع التواصل الاجتماعي يسبون الأديان والذات الإلهية ولا يتحرك أحد لمقاضاتهم"، وهو الرأي الذي شاركته عبر حسابها.
ورداً على الهجوم، اكتفت كرم بكتابة تغريدة "رجاءً لا أحد ينصب نفسه بدل الخالق، هو فقط يعلم النيات ويعلم المصير، وهو الذي سيدخلنا جنته أو ناره”.
جريمة شائعة
وتحيلنا هاتان الحادثتان إلى قائمة لا تنتهي من اتهامات "ازدراء الأديان والمساس بالذات الإلهية" في الكويت. ففي مطلع الشهر الجاري، أمرت نيابة الأحداث بإيداع نجم السوشيال ميديا في البلاد شهاب الإيراني الشهير بـ"ملح الانستغرام" إحدى دور الرعاية 10 أيام مع كفالة مالية بالتهمة نفسها.
وكان شهاب ظهر في مقطع مصور وهو يقول لممثلة يفترض أنها على فراش الموت "تكفين إذا رحتي إلى الجنة قولي هاد حق الله يدخلني الجنة". علماً أن الشاب المشهور بتقليد المشاهير خرج موضحاً أنه لم يقصد الإساءة، معزياً سوء الفهم إلى "ضعف لغته العربية".
وفي 17 تموز/يوليو الماضي، ألغت محكمة الاستئناف حكماً بحبس الإعلامية اللبنانية جورجيت أبو مراد بالسجن عاماً مع الشغل وإلزامها دفع غرامة خمسة آلاف دينار (17 ألف دولار تقريباً)، وقضت ببراءتها من تهمة التعدي على الذات الإلهية خلال ظهورها في برنامج تلفزيوني على قناة كويتية حيث قالت "الله مش فاضي طول الوقت لإلنا".
وورد في حيثيات هذا الحكم أن "المتهمة لم تتعمد ازدراء الدين الإسلامي، أو الإساءة إليه، كما أنها أبدت اعتذارها الشديد وندمها على ما بدر منها". وكانت جورجيت قد أوضحت أن حديثها أسيء فهمه بسبب اختلاف اللهجة.
ويعاقب القانون الكويتي على الإساءة للذات الإلهية أو الرسول محمد أو أزواجه بالسجن والغرامة، كما تغلظ العقوبة في بعض الحالات إلى الإعدام، حسبما أقر البرلمان الكويتي في العام 2012.
وكانت عضو هيئة التدريس في كلية الحقوق بجامعة الكويت فاطمة المطر قد أعلنت، مطلع العام الجاري، رحيلها وابنتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، طالبتين اللجوء، بعد إحالتها إلى النيابة بسبب تغريدة على تويتر طلبت فيها من الله سيارة فيراري، لتجد نفسها متهمةً بـ"الإساءة للذات الإلهية، وازدراء الأديان، وسوء استخدام هاتف".
وتعليقاً على تعقب كرم والحالات المماثلة بادعاء ازدراء الدين، ترى الناشطة الحقوقية والكاتبة الكويتية أروى الوقيان أن "التعبير عن الرأي (في الكويت) أصبح جريمة، وقانون الجرائم الإلكترونية بات ساطوراً على حريات البشر. لكل شخص الحق بالتعبير عن اعتقاده الذي يمثل رأيه الشخصي"، حسبما كتبت عبر حسابها على تويتر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين