شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"الكلّ يتاجر بها، والخيانة متكرّرة"... وعود للمرأة التونسية في الانتخابات الرئاسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 14 أغسطس 201907:19 م

يقترب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس (15 سبتمبر و10أكتوبر 2019)، ويستعيد  مزاد الوعود نشاطه الموسمي،  قضايا الحقوق والمساواة والعدل الاجتماعي، وللمرأة في هذا المزاد نصيب كبير، خاصَّة بعد رحيل الرئيس السَّابق الباجي قائد السبسي، الرجل الأكثر نجاحاً في استقطاب المرأة لصفِّه.

ظهرت المرأة التونسية بقوّةٍ في مختلف مراحل بناء الجمهورية الحديثة، جنباً إلى جنب مع الرجل، فكانت الشريكة الهامة في محاربة المستعمر، والمحرّك الفعَّال لبناء الدولة المُستقلَّة، ولكنَّها لم تُكافَأ كثيراً إلّا بالوعود.

بعد ثورة 14 يناير 2011، لم يتغير المشهد كثيراً، ولم ينته التوظيف السياسي المتوارث للمرأة، وإن كانت هذه المرّة تحت غطاءٍ ديمقراطي.

والآن، مع إدراك الأحزاب السياسية أنه من السهل تجاوز مبدأ المناصفة في القوائم الانتخابية (الفصل 23 من القانون الانتخابي)، حوّلت بوصلتها باتجاه التركيز على سبل وآليات كسب دعم المرأة، بعد تأكدهم أنها تشكّل ثقلاً انتخابياً هاماً في عملية التصويت.


"مسلسل الخذلان مستمرّ"

"ليس غريباً أن تُطرح قضية المرأة التونسية في الحملات الانتخابية، ولكن المعيب هو خيانتها المتتالية"، تقول الرئيسة السابقة لجمعية النساء الديمقراطيات، الحقوقية سعيدة راشد لرصيف22.

وربما يرى الكثير أن الحبيب بورقيبة، رئيس الجمهورية التونسية الأول، منح المرأة التونسية مكانة متميزة، خاصة بالمقارنة مع شقيقاتها في الدول العربية الأخرى، إلا أن راشد تراه في سياق من خذلوها، توضح فكرتها: "بدأ بورقيبة مسلسل خذلان المرأة عندما أجّل منحها مكانة الشريك المساوي للرجل، تحت ذريعة أنَّ المرحلة تحتّم التركيز على قضايا أخرى أكثر أهمية لبناء الدولة، متناسياً أن الحقوق والتأسيس الصحيح لا يتجزآن، وتلاه بن علي الذي جعل من المرأة جوقةً لتزيين وتلميع صورته في الخارج لا غير، لتأتي فترة ما بعد الثورة بخياناتٍ أكبر".

وتتذكّر سعيدة راشد الوعودُ التي حظيت بها المرأة في انتخابات 2014 عندما ترشّح الباجي قائد السبسي للرئاسة، تقول: "أطلق وعوداً هامة بشأن تدعيم مكاسب المرأة، فالتفّت النساءُ حوله، إيماناً منهن بصدق وعوده من جهة، ولحماية أنفسهن في ظلِّ صعود الإسلاميين للحكم من جهة ثانية، وكنّ السبب المباشر لفوزه بالرئاسة، فردَّ عليهن بالتحالف مع حركة النهضة، الحزب الإسلامي المعروف بأفكاره الرجعية التي لا تنتصر لحريتها، ويخذل بذلك تطلعات أكثر من مليون امرأةٍ راهنت على خطاباته الرنانة".

وتؤكد الحقوقية التونسية بأن التيار الإسلامي المتمثل في حركة النهضة هو الآخر يستخدم "ورقة المرأة"، تقول: "قامت الحركة عمداً وعن دراسةٍ، بإبراز نساء غير محجّبات للواجهة، وترك مناضلاتهم المحجّبات في الصفوف الخلفية، بهدف إيهام المرأة التونسية بأنها تيار سياسي مدني يؤمن بحقوق المرأة، فكانت البداية بترشيح سعاد عبد الرحيم، كسيدةٍ غير محجّبة لمنصب رئيسة بلدية تونس، في خطوةٍ جريئة بالنسبة لهم، ثم تحويلها فيما بعد للعنصر النسائي الأبرز للحركة تسويقاً لانفتاحها المزعوم. كما حاول راشد الغنوشي رئيس الحركة، ترشيح شابة ناجحة غير محجّبة للمشاركة في القوائم الانتخابية التشريعية للحزب، لكنها انسحبت بعد أن صُدمت بكواليس حزبية تدّعي الانفتاح في الظاهر وترفضه على مستوى التطبيق، كما أعلنت ذلك".

"المتاجرة بقضايا المرأة لا يتعلّق بتيارٍ سياسي بعينه بقدر ما يتعلّق بتجذّر العقلية الذكورية لدى السياسيين في تونس، يسعون لقطع الطريق أمام الصعود القوي للمرأة في المشهد السياسي.. أو تكريس المساواة التامة مع الرجل" أمل خليف ناشطة تونسية

وتشدّد راشد على أن خطوات النهضة لا تختلف عن سابقيها بل هي "أشد خطراً"، مستحضرةً استماتة الحركة في رفض ترشيح الحقوقية سناء بن عاشور، لرئاسة المحكمة الدستورية، رغم الاتفاق حول كفاءتها العالمية، فقط لأنها شخصية علمانية قوية لا تُشترى ولا تؤدلَج، على حدّ تعبيرها.

ورغم وعي الأحزاب السياسية جميعها بأهمية دور العنصر النسائي اليوم، ورغم إدراكهم أن المشهد العام في تونس بدأ يميل نحو تمكين المرأة وبروزها في كل المجالات، إلا أنهم يواصلون الانتصار لمسارٍ يحدُّ من حضورها السياسي، فبعد جهودٍ كبيرةٍ بذلتها نائبات في البرلمان التونسي بعد الثورة، لإقرار مبدأ التناصف والتناوب في القوائم الانتخابية بين الجنسين (الفصل 23 من القانون الانتخابي)، بهدف تقوية مشاركة المرأة في مراكز صنع القرار، وتمكينها من المشاركة الفعلية في إدارة الشأن العام للبلاد، كان الواقع مخيباً للتطلعات، وغُيّب العنصر النسائي تقريباً على مستوى رئاسة القوائم، وانعكس هذا الوضع على نتائج الانتخابات التي كرّست هيمنة الرجل وتحجيم حضور المرأة.

ينصرونها علناً ويخذلونها خفيةً

أسفرت انتخابات 2011 عن انتخاب مجلسٍ وطني تأسيسي، يتكوّن من 217 نائباً، منهم 65 امرأة بنسبة 29.95 بالمئة، ولم ترأس أية امرأة مجموعةً برلمانية، ومن بين 16 لجنة برلمانية تشكّل في المجموع 101 نائباً توجد 28 امرأة فقط.

أما في 2014 فقد بلغت نسبة تمثيل المرأة في مجلس نواب الشعب حوالي 31% من إجمالي 217 نائباً، واحتلّت حركة نداء تونس، التي حصدت 85 مقعداً في الانتخابات البرلمانية، المركزَ الأول من حيث عدد النائبات، حيث بلغ عددهن 35 نائبة، بينما تحصّل حزب النهضة على 96 مقعداً من بينهن 28 امرأة.

الناشطة الحقوقية الشابة أمل خليف تقول، إن المتاجرة بقضايا المرأة لا يتعلّق بتيارٍ سياسي بعينه بقدر ما يتعلّق بتجذّر العقلية الذكورية لدى السياسيين في تونس، ما يجعلهم يسعون لقطع الطريق أمام الصعود القوي للمرأة في المشهد السياسي، أو تمكينها من حقوقها الكاملة وتكريس المساواة التامة مع الرجل. وفي المقابل يواصلون لعب نفس الأدوار  في فترة الحملات الانتخابية، ليقينهم أن لا سبيل لإخراج المرأة من اللعبة تماماً، وأن لا مجال لمرورهم دون تزكيتها.

وتضيف، إن كل السياسيين التونسيين السابقين والراهنين، استعرضوا وعوداً زائفة باحترام حقوق المرأة، وأقرّوا كذباً بأنهم مناصرون أوفياء للمرأة، ولكن الانزلاقات الكلامية تارة، والتحرّكات الخفية تارة أخرى، كشفت تناقضاتهم، فلا أحد ينسى قول السبسي في أحد المرّات تعليقاً عن المرأة "ماهي إلا مرا" (ما هي إلا محض امرأة)، ليكشف بذلك النقاب عن نظرته الدونية للمرأة، وهو الذي ادّعى في حملته الانتخابية أنه المناصر الأكبر لقضاياها.

في المقابل، تُكمل أمل، تدّعي حركة النهضة الإسلامية احترام مكاسب المرأة، فيما تدعو خفيةً قواعدها للخروج للمطالبة بتعدّد الزوجات، الأمر المحسوم قانونياً في تونس، وأحد أكثر الإجراءات المهينة لكرامة المرأة، إلى جانب اعتراضها على تمرير قانون المساواة في الميراث.

حظيت المرأة التونسية بمكانة هامة مقارنة بشقيقاتها في الدول العربية الأخرى، ولكنها لا تزال منقوصة، حيث تتوق التونسيات إلى المشاركة الفعلية والكاملة في كل الميادين مع الرجل، خاصة السياسة

نساء المناطق الفقيرة غائبات

ضمنت المرأة التونسية مبكراً (1956) جانباً هاماً من حقوقها، مقارنةً بنظيرتها في الدول العربية والإسلامية، ما أهّلها لتحجز لنفسها مشاركةً أكبر وأوسع وأقوى على مستوى التنمية والمجتمع والاقتصاد والسياسة، لكن هذه المكانة وهذه المكاسب مازالت منقوصة ولم تصل بعد للصورة المرجوّة، ويسود اعتقاد بأن النخبة السياسية تلوك ذات الخطاب، وتخشى من فكرة وصول المرأة لمرحلة الشريك الفعلي في كل الميادين، ولا سيما الحياة السياسية.

"المرأة في المناطق الفقيرة والمحرومة غائبة، ومن تتقلد المناصب صاحبة الامتيازات الاجتماعية"

ويلفت المحلّل السياسي فريد العليبي النظر إلى غياب الجانب الاجتماعي عند الليبراليين والإسلاميين على حد سواء، يقول في تصريحات لرصيف22:  إن استثمار قضايا المرأة في السياسة قديم في تونس، وقد بدأ مع تأسيس الدولة التونسية المعاصرة، فبينما عمل الليبراليون على الاشتغال على الجانب الحقوقي، اشتغل الإسلاميون على الجانب الأخلاقي، غير أن الجانب الاجتماعي ظل مغيباً، ومن هنا بقيت أوضاع المرأة تقريباً على حالها جوهرياً، وكلما تفاقم الصراع بين الطرفين تُستثمر القضايا والوعود التي لم تجد طريقها إلى التنفيذ.

يضيف العليبي، اليوم نشاهد ذات الاستثمار في العملية الانتخابية، للاستفادة من نصف المجتمع في التصويت، لكن قلّما وجدت المرأةُ، بعد انقشاع غبار المعركة، نفسَها في مواقع المسؤولية السياسية، وحتى إن حصل ذلك فإن المحظوظات هن من اللواتي يتمتعن في الأصل بامتيازات، في حين تتغيّب نساء الأحياء الفقيرة والمناطق المحرومة.

ويضيف، إن حركة النهضة الإسلامية، التي تحضر اليوم كتيار سياسي حاكم في البلاد، تتجه هي الأخرى نحو الاستفادة من العنصر النسائي باستعمال الدين في اتجاهين: أولاً لتقييد حرية المرأة، وثانياً باستعمالها كقوةٍ انتخابية، وذلك بالقول إن الشريعة منحتها كل حقوقها وما عليها إلا تطبيق تعاليم الإسلام، بمعنى أن تكون مكمّلةً للرجل وعماد الأسرة وصمام أمان الأمة الإسلامية ضد الانحلال والتفسّخ والتغريب الحضاري، وهي بذلك لا تفعل أكثر من تأبيد سيطرة الرجال على النساء، وإعادة إنتاج المجتمع التقليدي، بما يؤدي إلى إعاقة تطوّر المجتمع.

تسعى المرأة التونسية إلى المشاركة الكاملة مع الرجل في مجالات الحياة، وكما نجحت في إثبات حضور قوي بفضل نضالاتها التي استمرت لسنوات، فإن فصولا جديدة لا تزال في الانتظار، داخل البرلمان، وفي صفوف المجتمع المدني، والتظاهرات، رغم المخاوف من تمكن التيارات المتشددة من الحياة السياسية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image