شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
زوابع الإعلام... عن التشويق والتمويل والبحث عن القراء

زوابع الإعلام... عن التشويق والتمويل والبحث عن القراء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 1 أغسطس 201908:55 م

أعدّ المادة حارث الطوس من برنامج زمالة شباب22 "You22"، الذي ترعاه D-Jil، بالاعتماد على منحة مشتركة بتمويل من الاتحاد الأوروبّي، تشرف على تنفيذها CFI.

في فعاليةٍ لإحدى المؤسسات الصحافية العربية التي تعنى بالصحافة المعمّقة، قالت صحفية، وهي جزء من هذه المؤسسة، في كلمة لها أمام الحضور تعرّف فيها عن مؤسستها: "لسنا صحافةً يومية، لا نطمح في الـ traffic ولا هدفنا هنا زيادة الـ clicks"، بجملتها هذه فتحت الباب ضمنياً للكثير من التساؤلات حول واقع الصحافة في الوطن العربي، وحتى على مستوى أوسع، وتطرح تساؤلات عدّة أهمها، هل باتت بعض وسائل الإعلام تستخدم قلّة التمويل كشمّاعة لتحريف الحقائق وتخفيف المحتوى في سبيل اجتذاب قرّاء مؤقتّين؟

تلك الصحافة باتت تلاحق ما يطلبه الجمهور ويجذبه بمعناه الحرفي، تضع عناوين مثيرة للجدل حتى تجبره على دخول موقعها، متغاضيةً عن أساسيات مهنية، ومكرّسة لخطاب شعبويّ يفتح الباب أمام الكثير من ردود الأفعال المتهوّرة.

ابراهيم الساحوري أحد النشطاء الإعلاميين في الأردن والذي يمسك العصا من المنتصف، يرى أن أسلوب التشويق يمكن أن يُعتبر إيجابياً إذا ما كان ضمن إطار أخلاقيات المهنة، ويرى أن خطورة الأمر تكمن في اعتماد نسبة كبيرة من القرّاء على العناوين فقط دون قراءة المتن"، وهذا على المدى الطويل يساهم في تعزيز خطاب سلبي تجاه الآخر.

الحقيقة أنه يمكن تفهّم ذلك –لا تبريره- في سياق استمرارية تمويل المواقع الصحفية، لكن مالا يمكن تفهّمه هو أن يُستغَلّ هذا الأمر لإفراغ مخزون الكراهية، واستغلال أي استقطاب حاصل لزيادة المدخول من باب ضيق.

لا يمكن إنكار أن هناك محاولات لكبح جماح هذه الموجة المتهوّرة من بعض المواقع، ومحاولة إعادتها لحضن العقلانية. وعن ذلك يرى الباحث معز مسعود أنّ أنماط إنتاج المحتوى الجديدة في الصحافة الإلكترونية تستلزم وضع قواعد أخلاقية لكل المساهمين فيها، وإقرار مدونات سلوك تشمل كل الأطراف المشاركة في إنتاج مضامينها، وبات يفرض التفكير في منظومة أخلاقيات خاصة به تتفاعل مع التحولات بعموميتها.

ماذا عن التمويل الشعبي؟

قد تغيب عن بلداننا ثقافة التمويل الشعبي للمشاريع، أو دعم المبادرات التي تنطلق لتوثيق فترة وجغرافيا، حدث أو قصة ما، بنمط صحافي بحت، يحفظ توثيق السياق ومهنية النص بصورته المضمونة والمعقولة، لكن هذا يطرح سؤالاً أخلاقياً: هل غياب التمويل الشعبي يستدعي تخفيف المحتوى والمضمون لاجتذاب القرّاء؟

بدأت لينا شنّك صحافية أردنية، في العام الماضي رحلة توثيقية لقصص أحياء محدّدة في العاصمة عمّان، وأخرجتهم في كتابها "قاع المدينة"، وطبع عليه "بدعم من الشعب الأردني"، كرمزية مقابلة لتمويل المنظمات الدولية أو غيرها، ولتبرز أن هذا العمل هو بتمويل شعبيّ خالص، حتى أن راعي حفل الإشهار كان أحد المخابز المحليّة في عمّان، ولتكون جزءاً من تجربة لم يألفها الناس في بلادنا.

ترى لينا أن إتاحة التمويل الشعبي كخيار بديل يمنح الناس الشعور بأنهم مساهمون في المحتوى الذي يختارون دعمه، "بأنهم يملكون هذا المنتج، بأنهم السند للمبدعين الذين يملكون الأفكار ولكنهم لا يجدون التمويل المناسب".

وتتساءل، "لماذا نغرق منتجاتنا بعبارات من قبيل 'هذا المنتج بدعم من الشعب الأمريكي' مثلاً بينما نستطيع أن نكتب 'هذا المنتج بدعم من الشعب الأردني'، خصوصاً وأنه لا يوجد حد أدنى للدعم، ويستطيع كل شخص يؤمن بالفكرة أن يدفع ديناراً واحداً فقط، ويكون مساهماً في مشروع يهتم به. وهذا الخيار يمنح القائم على المشروع مطلق الحرية في العمل، فلا مموّل يضع شروطه أو يتدخّل في المحتوى في فترة البحث على الأقل".

حين أعلنت لينا عن إطلاق مشروعها وفتحه أمام الناس لتمويله منهم انقسمت الآراء، وعاد النقاش ليدور مرّة ثانية حين أعلنت عن بداية عملها على كتاب آخر قبل أشهر قليلة بذات فكرة التمويل الشعبي، فتقول لينا: " هناك نسبة لا بأس بها كانت تؤمن بحق بهذا النوع من الدعم، وقد غمروني بالفعل بالدعم المعنوي والمادي، وكانوا على اطلاع على تجارب أخرى في العالم اتبعت هذا النموذج.

ولكن كان هناك فئة أخرى تعتقد أنها إذا دعمت مادياً، فهي بالضرورة يجب أن تحصل على عائد مادي من المساهمة، وآخرون اعتقدوا أن التبرع من الأولى أن يكون دائماً للمشاريع الخيرية وإطعام الفقراء مباشرة، ولم يروا القيمة في هذه المشاريع، وهذا حقهم، فالتبرع في النهاية هو أمر اختياري لمن يهمه الأمر فقط، ولكنه يعكس أيضاً النظرة إلى الصحافة والتي تعجز عن رؤية الفائدة منها على التغيير على المدى الطويل.

وهناك من اعتبرها "شحدة" ولم ير أنها أجر مقابل عمل، بدلاً من أن يأتي من مؤسسة فهو يأتي من أفراد".

مع أنّ البعض يعتبر التبرع "شحدة"، والبعض الآخر يجده محصوراً بالمشاريع الخيرية، إتاحة التمويل الشعبي للمشاريع والمنصات الإعلامية كخيار بديل، يمنح الناس الشعور بأنهم مساهمون في المحتوى الذي يختارون دعمه، و"بأنهم السند للمبدعين الذين يملكون الأفكار ولكنهم لا يجدون التمويل المناسب"

مشاكل التمويل تُخرج حلولاً من رحمها

أهل الصحافة هم الأقدر على تشخيص مشكلات الاستمرار فيها بنفسهم، ولا يكون الحل على حساب تهميش المبادئ التي قامت عليها الصحافة في الأساس، الموضوعية قيمةٌ لا عبث فيها، والإخلال بالمسؤولية الاجتماعية التي تتحملها المؤسسات الصحافية لا يمكن أن يأتي بخير.

جاءت الصحافة لتكون حارس المجتمع الأمين،  وأداته في الرقابة  وتمكينه من حقوقه وغيرها من القيم الأساسية التي أتت لتحملها وتضع المسؤولية على عاتقها، لكن حين تتحوّل هذه الأداة إلى أداة للاستقطاب وصوت لتفرقة وأداة للكراهية، فهنا على أهل المهنة قبل غيرهم، أن يدقوا ناقوس الخطر قبل أن تصل بخطابها إلى مرحلة تفقدها مكانتها بالكامل، وتوصلها إلى حالة لا تحمد عقباها على المجتمع وعلى نفسها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image