"تسعى السعودية إلى إعادة مواطنيها من الخارج قبل أن يدمروا رواية الإصلاح التي يروّج لها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان"... هذا ما قالته صحيفة "فايننشال تايمز" الأمريكية يوم 15 تموز/يوليو، مشيرة إلى أن هذه الخطوة أتت بعد تسعة أشهر من اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وفي محاولة لمنع مواطنيها في الخارج من "التعبير عن مخاوفهم حيال قيادة بن سلمان للبلاد"، يعمل المسؤولون حالياً على إقناع النقّاد والمعارضين بالعودة إلى المملكة بـ"سلام"، بحسب ما قاله شخصان مطلعان على الأمر.
وقال سعودي يعيش في المنفى (لم تذكر الصحيفة الأمريكية هويته خوفاً على سلامته): "شخص مقرّب من القيادة السعودية كثيراً ما يتصل بالمعارضين (كان أحدهم) يقول: 'لدي رسالة شخصية من ولي العهد'، متعهداً أنه لن يكون هناك أي ضرر أو عقوبة سجن في حال قبول العرض".
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنه برغم حادثة خاشقجي التي تسببت بأكبر أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة منذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر، فإن السعودية لا تزال مستمرة في محاولاتها إعادة المعارضين من الخارج.
50 ألف طالب لجوء سياسي سعودي بحلول 2030
أدى انزعاج القيادة العليا من "السعوديين المنفيين" إلى طلب الديوان الملكي إعداد دراسة حول هذا الموضوع، وفقاً لما كشفه شخصان مطلعان على الأمر. وكشفت الدراسة التي لا تزال تحت المراجعة، والتي لن تنشر غالباً (بحسب الصحيفة الأمريكية) أن عدد السعوديين طالبي اللجوء السياسي قد يصل إلى 50 ألفاً بحلول عام 2030.
وأوصت الدراسة بأن تعتمد السعودية نهجاً "أكثر ليونة" في محاولتها إقناع المعارضين للعودة إلى وطنهم، وتقديم محفزات لهم بدلاً من الضغط عليهم، أو زيادة مقاومتهم للعودة.
ولم تردّ الحكومة السعودية على طلب فايننشال تايمز التعليق على الأمر.
لا مساحة للحريّة والنشاط الحقوقي
وأشارت الصحيفة إلى أن أعداداً كبيرةً من السعوديين باتت تبحث عن طرق للجوء إلى الخارج في السنوات الأخيرة، بعدما ضاقت مساحة النشاط الحقوقي وحرية التعبير في المملكة.
وتظهر إحصاءات مفوضية اللاجئين للأمم المتحدة أن نحو 815 سعودياً تقدموا بطلبات لجوء في عام 2017، في حين تقدّم 195 سعودياً بطلب لجوء في عام 2012. وتعد الولايات المتحدة وكندا وألمانيا الوجهات المفضلة لطالبي اللجوء السعوديين.
عدد السعوديين طالبي اللجوء السياسي قد يصل إلى 50 ألفاً بحلول عام 2030... هذا ما كشفته دراسة سرية يعدّها الديوان الملكي السعودي الذي أوصى بنهج "أكثر ليونة" في التعامل معهم
"ما يقلق الحكومة السعودية علاقة السعوديين المنفيين بالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والكونغرس في الولايات المتحدة"... صحيفة تكشف عن محاولات سعودية جديدة لإعادة المعارضين من الخارج، لكن بـ"سلام" هذه المرة
وقالت الصحيفة الأمريكية إن من هؤلاء طلاب المنح الدراسية الذين أرسلتهم الحكومة السعودية للدراسة في الخارج، لكنهم قرروا عدم العودة، إلى جانب نساء رفضن نظام الوصاية وهربن بسببه، مشيرةً إلى أنه لا توجد مظلة تجمع جميع المنفيين السعوديين معاً، إلا أن "اتصالاتهم تمثل تحدياً للحكومة السعودية، التي تسعى إلى جذب المستثمرين الأجانب لدعم خطط ولي العهد الإصلاحية".
ونقلت الصحيفة عن ناشط حقوقي سعودي مقيم في أوروبا قوله "ما يقلق الحكومة السعودية هو علاقة السعوديين المنفيين بالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والكونغرس في الولايات المتحدة"، مضيفاً: "قام هؤلاء بدور مركزي في ردة الفعل السلبية ضد السعودية في الأشهر القليلة الماضية، إذ كانوا يعملون بطريقة غير مسبوقة... ولو ظلوا صامتين لنسي المجتمع الدولي (انتهاكات السعودية) وتحرك للأمام".
وفي عام 2016، حذّر مجلس الشورى السعودي من وجود مليون سعودي في الخارج، مطالباً السلطات بـ"التحقيق في هذه الظاهرة وأسبابها قبل أن تتحول إلى ورطة اجتماعية وسياسية".
إعادة خاشقجي "بالرضا أو بالقوة"
إعادة "منتقدي" سياسة بن سلمان ليست جديدة. إحدى المحاولات قتلت خاشقجي في 3 تشرين أول/أكتوبر 2018 داخل القنصلية السعودية في اسطنبول.
في مؤتمر صحفي في وقت سابق، قال وكيل النيابة العامة السعودية شلعان الشلعان إن نائب رئيس الاستخبارات العامة السابق أمر بإعادة خاشقجي إلى السعودية من القنصلية السعودية في إسطنبول "بالرضا أو بالقوة"، مضيفاً أن "قائد مهمة استعادة خاشقجي أمر بقتله في حال لم يقبل العودة إلى السعودية".
وأعلنت مقررة الأمم المتحدة أنييس كالامار في حزيران/يونيو الماضي وجود أدلة كافية تربط بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان واغتيال خاشقجي مُطالبةً بالتحقيق مع بن سلمان في هذه القضية وتعليق محاكمة 11 متهماً في السعودية لأنها محاكمة "تفتقد الصدقية".
ونقل تقرير أنييس كالامار كواليس ما قبل قتل خاشقجي، كاشفاً قول ضابط المخابرات السعودي الذي يعمل مع بن سلمان، ماهر المطرب: "هل من الممكن وضع الجذع في الحقيبة؟". كما نقل التقرير عن الطبيب الشرعي الخبير بوزارة الداخلية السعودية والمتهم بتقطيع الجثة والتخلص منها، صلاح الطبيقي: "لا إنه ثقيل جداً"، معرباً عن أمله أن تكون مهمته (تقطيع الجثة) "سهلة".
أضاف الطبيقي، بحسب التقرير: "ستُبتر الأطراف، هذه ليست مشكلة. الجثة ثقيلة وهذه أول مرة أقوم بالتقطيع على الأرض. إذا أخذنا أكياساً بلاستيكية وقطعناها (الجثة) إلى أجزاء سينتهي الأمر. سنلف كل جزء منها".
وتساءل المطرب في نهاية الحوار، قبل دقيقتين من دخول خاشقجي مبنى القنصلية: "هل وصل خروف العيد؟".
وطلب المطرب من خاشقجي بعد وصوله ظهر الثالث من أكتوبر أن يبعث رسالة لابنه، لكن الأخير رفض قائلاً: "ماذا أقول له؟ أراك قريباً؟ لا أستطيع أن أقول إني مخطوف"، ليرد المطرب مهدداً: "اختصر. اخلع معطفك".
وحينما رد خاشقجي بقوله: "كيف يمكن أن يحدث هذا في سفارة؟ لن أكتب أي شيء"، قال المطرب: "اكتبها (الرسالة) يا سيد جمال. أسرع. ساعدنا حتى نستطيع مساعدتك لأننا سنعود بك إلى السعودية في نهاية الأمر. وإذا لم تساعدنا فأنت تعرف ما الذي سيحدث في النهاية، لننهِ المسألة على خير".
وظهرت في التسجيلات بعد ذلك أصوات حركة وأصوات لاهثة مرتفعة (يرجح أنها لخاشقجي) وصوت أغطية بلاستيكية، بحسب تقرير أنييس كالامار.
ولم تستطع المحققة كالامار من التثبت من مدى دقة الرواية التركية باستخدام "منشار" في تقطيع الجثة، مرجحةً صحة "تقييم ضباط المخابرات في تركيا ودول أخرى بأن السيد خاشقجي ربما حُقن بمادة مهدئة ثم خُنق باستخدام كيس بلاستيكي".
وخلص التقرير إلى أن مقتل الصحافي الراحل كان "متعمداً ومدبراً"، وأن مسرح الجريمة "تم تنظيفه بدقة بل حتى بحرفية الطب الشرعي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت