شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
زينة وعزيزة... الثنائي التونسي الذي

زينة وعزيزة... الثنائي التونسي الذي "هزّ الوسط" الشعبي والرسمي في الخمسينيات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 27 يوليو 201907:37 م
أذكر جيداً عندما كانت أمي تحدثني بفخر كبير عن طفولتها لأنها كانت جارة لراقصتين "لم تنجب تونس مثيلاً لهما" واسماهما زينة وعزيزة، إلا أن الأمر كان يبدو لي غريباً فالاسمان ارتبطا بذهني بحافلة نقل عمومية شهيرة في تونس، أُطلق عليها "زينة وعزيزة" لأنها مكونة من عربتين.


تخبرني أمي عن تحدي الفتاتين لعائلتهما والمجتمع، وتحكي كيف أن والدهما، الإسكافي المتواضع، قاطعهما مدة طويلة بعد قرارهما امتهان الرقص الذي كان يمثل مجازفة كبيرة في مجتمع محافظ حينذاك.

شكّل إصرار الفتاتين نقطة انطلاق لمسيرة راقصتين أبدعتا في كل الأماكن التي مرتا بها وصارتا من نجوم "الكافيشانطات"، أي قاعات السهر الليلية المنتشرة آنذاك في العاصمة تونس وخاصة في باب السويقة، كصالات "الفتح" و"قرطبة" و"ألف ليلة وليلة"، وهي صالات تعود إلى منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، وكانت تستقبل نجوم الفن الشعبي لإحياء حفلات ظلت الإذاعة الوطنية تنقلها حتى منتصف التسعينيات.

خلال مسيرتهما، أحيت الراقصتان حفلات في مسارح تونس، كالمسرح البلدي في وسط العاصمة وقاعة البالماريوم سابقاً، كما رقصتا أمام "كوكب الشرق" أم كلثوم على هامش حفل أحيته في صالة القبة في تونس عام 1968، وعلى خشبات مسارح عربية وعالمية.

زينة وعزيزة... مسيرة "حافلة"

كانت بداية زينة وعزيزة مع الرقص في الخمسينيات، بحسب العضو السابق لـ"الفرقة الوطنية للرقص الشعبي" حمادي الغربي.

يعود الغربي، خلال حديثه لرصيف22، إلى بداية الراقصتين قبل الاستقلال من كافيشانطات باب السويقة، حيث اكتسبتا جمهوراً عريضاً لتميزهما بأسلوب جديد عن راقصات سبقنهما مثل عايشة ومامية اللتين أفل نجمهما بعد تقدمهما في العمر وظهور المنافستين الجديدتين.

شاذلية ومحبوبة بوزيان، اللتان عُرفتا في ما بعد بزينة وعزيزة، تميزتا بجمال كبير، لكن هذا لم يكن العامل الوحيد وراء شهرتهما، بل ما قامتا به من تطوير لحركات الرقص الشعبي الكلاسيكية وإظهارهما تناسقاً كبيراً على المسرح.

ويعود اكتشاف زينة وعزيزة إلى الموسيقار رضا القلعي الذي عمل على تطوير موهبتيهما. بداية، منحهما القلعي اسميهما الفنيين، ثم ضمهما إلى فرقته التي كانت تحيي السهرات في ذلك الوقت في قاعة "الفتح"، إحدى اشهر الكافيشانطات في الخمسينيات.

بعد ذلك، قدمهما القلعي إلى نجم الفن الشعبي إسماعيل الحطاب لتصبح الشقيقتان مشاركتين ثابتتين في كل عروضه ومن ثم حديث منطقة باب السويقة، إلى أن وصل صدى موهبتيهما إلى رئيس البلاد في ذلك الحين الحبيب بورقيبة.

وكشف الغربي عن أن بورقيبة قرر بعد الاستقلال إخراج الرقص الشعبي والسهرات الفنية من الدائرة الضيقة لكافيشانطات العاصمة للمشاركة في المهرجانات، وبالفعل جالت الراقصتان البلاد بطولها وعرضها بصحبة الحطاب، وهو ما زاد من شهرتهما قبل أن تقررا الانتقال إلى "الفرقة الوطنية للفنون الشعبية" مع الراقص الشهير حمادي اللغبابي.

هناك أصبح الرقص ضمن إطار جماعي منظم، وفُتحت أمامهما أبواب العالمية بعد اعتلائهما كل المسارح الوطنية.

زينة وعزيزة... بدأت مسيرتهما مع الرقص في الخمسينيات، واهتم بموهبتهما رئيس البلاد في ذلك الحين الحبيب بورقيبة فساعدهما على الوصول إلى العالمية بعدما أُغرم بأدائهما
برغم تحفظها عن الكلام، قالت عزيزة إن التاريخ سيُسجل كل ما قدمته للرقص الشعبي بصحبة شقيقتها زينة في تونس، رغم النكران الذي واجهته مسيرتهما بعد وفاة الحبيب بورقيبة

وكان رئيس الجمهورية بعد الاستقلال مغرماً برقص زينة وعزيزة اللتين كانتا تحييان له سهرات خاصة في قصره كما كان يصطحبهما في رحلات إلى الخارج لمقابلة نظرائه، وهو ما مكنهما من إحياء العديد من الحفلات في العالم قدمتا فيها صورة رائعة عن بلد عربي كان قد تحرّر لتوه من نير الاحتلال.

ولم تكتف زينة وعزيزة بالرقص الذي ساهم في انتشار اسميهما. عُرفتا أيضاً بصوتيهما الرائع وقد أنتجتا ألبوماً غنائياً لكنه لم يلقَ الرواج المطلوب، فقررتا خوض تجربة التمثيل السينمائي في فيلم "Goha" الذي شارك في بطولته النجمان العالميان عمر الشريف وكلاوديا كاردينال، وأخرجه جاك باراتي.

وتشير التقديرات إلى أن الراقصتين قررتا الاعتزال بعد تغيير النظام إثر انقلاب عام 1987 بقيادة زين العابدين بن علي. لم يكن الرئيس الجديد يكترث للثقافة، وتحديداً للفن الشعبي الذي أصبح شبه ممنوع على شاشات التلفزيون الرسمي في ذلك الوقت، وهو ما سرّع بأفول نجم الراقصتين اللتين قررتا الابتعاد شيئاً فشيئاً عن الواجهة وتخصيص المزيد من الوقت للعائلة.

كتبت زينة وعزيزة اسميهما بأحرف من ذهب في تاريخ الرقص التونسي. ومن لم يسمع بقصتهما سمع بالاسمين بفعل إطلاقهما على حافلات النقل ذات العربتين، التي جُلبت إلى تونس من فرنسا في السبعينيات، وتبيّن لاحقاً أن رقصتهما الشهيرة وهما ملتصقتا الرأس هي التي دفعت التونسيين إلى تسمية هذه الحافلات المزدوجة باسميهما.

هكذا تمّ اللقاء بعزيزة

بحثت عمن يعرف الراقصتين جيداً، حتى وجدت الراقصة السابقة في "الفرقة الوطنية للفنون الشعبية" خيرة عبيد الله التي أكدت لنا أن زينة توفيت قبل سنوات وأن شقيقتها عزيزة ما زالت على قيد الحياة.

علمت أن عزيزة تبلغ الآن التسعين من العمر، وبرغم علمي أنها ترفض استقبال الصحافيين لم أستطع مقاومة الرغبة بزيارتها في بيتها والتعرف إليها بشكل شخصي. 

لم تُغيّر عزيزة مقر سكنها في منطقة بالفي في العاصمة، حيث استقرت بصحبة ابنها الوحيد من زواجها الثاني من الممثل حطاب الذيب، بينما يشير مقربون منها إلى أنها تزوجت أولاً من نجم الفن الشعبي في تونس الهادي حبوبة الذي كان شاهداً على نجوميتها في الستينيات قبل انفصالهما.


رفضت عزيزة الخوض في الحديث حول مسيرتها الفنية، مؤكدة أنها اختارت بعد وفاة شقيقتها زينة الابتعاد تماماً عن الرقص والحديث عنه، غير أنها وافقت على التقاط صورة لها برفقة زميلتها السابقة في الرقص (خيرة عبيد الله).

وبرغم تحفظها عن الكلام، قالت عزيزة إن التاريخ سيُسجّل كل ما قدمته للرقص الشعبي بصحبة شقيقتها في تونس، رغم النكران الذي قوبلت به بعد وفاة بورقيبة، لا سيما وأن السلطات اكتفت بمنحها أجرة تقاعد لا تتجاوز الـ350 ديناراً تونسياً (ما يقارب 110 دولارات أمريكية)، وذلك بعد نهاية تجربتها في "الفرقة الوطنية للرقص الشعبي" في بداية التسعينيات. ما آلت إليه أحوالها، تراه عزيزة انتقاصاً كبيراً من مسيرتها الفنيّة الحافلة مع شقيقتها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image