في وقت يؤكد سياسيون إماراتيون ويمنيون أن الإمارات سحبت جزءاً من قواتها من اليمن، يشير آخرون إلى أن التحركات التي جرى رصدها تعود إلى تبديل دوري عادي... ولكن منذ أن بدأ الحديث في الأمر، بدأت تُطرح تساؤلات حول مستقبل التحالف العربي والعلاقة بين مكوناته الأساسية، الرياض وأبوظبي.
وبدأ الحديث عن انسحاب إماراتي من اليمن قبل أيام، بعدما نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر دبلوماسية غربية أن الإمارات بدأت بتقليص وجودها العسكري هنالك وسحبت بعض قواتها من ميناء عدن الجنوبي ومن الساحل الغربي لليمن.
السبب وراء هذه الخطوة، بحسب تقرير "رويترز" هو "التهديدات الأمنية الناتجة عن تزايد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران" ورغبة أبوظبي في أن تكون قواتها ومعداتها قيد تصرفها في حالة تصاعد التوتر في المنطقة، ولكن بعض المراقبين يقدّمون أسباباً أخرى.
حجم القوات الإماراتية في اليمن
يقول العميد الإماراتي السابق خلفان الكعبي لرصيف22 إن عدد قوات بلاده في اليمن هو على الأرجح الرقم الذي ذكره وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش في ديسمبر الماضي، وهو خمسة آلاف عسكري.
ولكن خبراء غربيين يقدّرون حجم القوات الإماراتية التي تتواجد على الأرض في اليمن بنحو ألف شخص. وتلفت تقارير إلى أنها تضم في صفوفها مئات المقاتلين الأجانب، معظمهم عسكريين سابقين من دول أمريكية لاتينية وإفريقية.
ويشير مستشار وزير الدفاع اليمني العميد يحيى أبو حاتم إلى أن القوات الإماراتية المتواجده في اليمن لها دور فعال في دعم القوات اليمنية براً وبحراً وجواً ويضيف لرصيف22 أن حجمها بين 1500 وألفي مقاتل.
وعن تمركز القوات الإماراتية في اليمن بالأساس، يقول المحلل السياسي اليمني محمود الطاهر إنه في المواقع والمحافظات الاستراتيجية في جنوب اليمن، مضيفاً أن الإماراتيين أكثر انخراطاً من السعوديين في الأعمال القتالية، وتوزيعهم يمنع قوات حزب الإصلاح التابع للإخوان المسلمين من ملء أي فراغ.
ويتابع أن الإماراتيين باتوا يتمركزون حالياً في مقرات التدريب، ولا يتواجدون كثيراً في الخطوط الأمامية، لكن يدفعون بقوات يمنية قاموا بتدريبها وتجهيزها خلال السنوات الماضية.
هل سحبت الإمارات قوات؟
يؤكد رئيس تحرير صحيفة خليج تايمز الإماراتية والمحلل السياسي الإماراتي مصطفى الزرعوني أن بلاده سحبت بالفعل قواتاً من مناطق يمينة "لأنه لم تعد هناك حاجة لوجودها بعد أن نفّذت مهمتها".
ويقول لرصيف22 إنه يعتقد أن "القوات انسحبت كإجراءات احترازية بعد التصعيد الأمريكي مع إيران"، مضيفاً أن سحبها أتى بعد أن فتحت مراكز شرطة ودربت قوات أمنية يمنية لتقوم بواجباتها في حفظ الأمن، وبالتالي "لم تعد هناك حاجة لوجودها".
ويضيف أن التحالف العربي يمتلك عدة أهداف منها تأهيل القوات اليمنية وإعادة الحياة إلى المدن، عبر بنية تحتية تشمل الكهرباء والتعليم وغيرها، و"يقوم حالياً بمساندة المقاومة ضد الحوثيين جوياً ولوجستياً أكثر منه برياً، لذا لم يعد يحتاج إلى أعداد بشرية كبيرة".
وفي هذا السياق، يؤكد الصحافي اليمني سيد علي أن الإمارات سحبت بالفعل قوات من جزيرة سقطرى الاستراتيجية والتي يمكن منها التحكم في حركة الملاحة في البحر الأحمر، مشيراً إلى أن الأيام المقبلة ستُظهر إذا كانت قوات أخرى ستعود إليها.
ولكن في المقابل، هنلك تقديرات أخرى. يقول العميد السابق خلفان الكعبي أنه لا يوجد انسحاب من الحرب بالمعنى الذي روّجت له عدة تقارير مثل تقرير "رويترز"، وما يجري هو إعادة انتشار وسحب تكتيكي للقوات، "لكن الإمارات لم تنسحب من الحرب كما يُروَّج لأن التحالف قائم بالأساس على الإمارات".
يتقاطع تقدير الكعبي مع تقارير نقلت عن مصادر عسكرية يمنية قولها إن ما جرى على الأرض هو سحب قوات وآليات عسكرية إماراتية من جبهة صرواح، غرب مأرب، نحو معسكر للجيش اليمني في المدينة ذاتها، وذلك في إطار عملية تبديل قوات روتينية.
توترات على الأرض
يقول عضو مجلس الشورى اليمني عن محافظة الحديدة الدكتور عصام شريم إن سحب قوات إماراتية جاء نتيجة ضغط سعودي على أبوظبي بضرورة تقليل قواتها لأن هناك غضباً شعبياً عارماً ضدها.
ويضيف أن حجم القوات الإماراتية المتواجدة حالياً في اليمن، خصوصاً في عدن، كبير للغاية، و"لا يتناسب مع ادعاءات أبوظبي بأن هدفها إعادة الشرعية"، بل ظهرت و"كأنها قوات موازية للقوات الحكومية".
ويتحدث شريم عن "ضغوطات سعودية لتقليل قوات الإماراتيين لأنهم خرجوا عن طريق التحالف العربي في كثير من الأهداف بدلاً من السعي إلى تثبيت الشرعية، وخلقوا تنظيمات عسكرية وزودوها بالأسلحة".
ويتابع: "نعتقد أن هذا الانسحاب جاء نتيجة الضغوط السعودية لتصحيح وضع الإماراتيين في ظل الضغط الشعبي العالي الذي يطالب بخروج الإمارات من التحالف بسبب انحرافاتها".
وقبل فترة وجيزة، شهدت محافظة سقطرى اليمنية تظاهرات حاشدة، دعماً للسلطة المحلية التابعة للحكومة المعترف بها دولياً، ورفضاً لتواجد قوات الحزام الأمني الذي تديرها الإمارات.
واشتبكت ميليشيات مدعومة من الإمارات في الآونة الأخيرة مع قوات تابعة لـ"الشرعية" في سقطرى ومحافظة شبوة الغنية بالنفط، في صراع للسيطرة على الأرض.
ومن هنا، يعتبر البعض أن خبر سحب قوات إماراتية هو شائعة أطلقتها الإمارات لامتصاص الغضب الشعبي ضدها.
قلق من إيران
يشير شريم إلى أن الإمارات دولة صغيرة ولا يمكن أن تبقي على قوات كبيرة في عدن ومأرب ومنصات صواريخ باتريوت في الجنوب اليمني، في ظل التوتر الأمريكي-الإيراني، لذا سحبت قواتها من أجل تأمين الجبهة الداخلية في حال حدوث حرب مع طهران، لأن قوتها لا تتحمل فتح جبهتين في نفس الوقت.
هل يؤدي سحب الإمارات قسماً من قواتها من اليمن إلى انهيار التحالف السعودي-الإماراتي؟
بعد تقارير عن سحب الإمارات قوات من اليمن... "التحالف السعودي-الإماراتي قوي جداً ولن ينهار في المستقبل القريب، لأنه قائم على توافق في عدد من القضايا التي تمس أمن الدولتين القومي"
ويضيف أن "هناك ضغوطاً داخل الإمارات تطالب بالنأي بالنفس في ظل تزايد التوتر في المنطقة"، وتحذر من تأثير الصدام مع إيران على اقتصاد دبي، المدينة التي يعيش فيها إيرانيون كثر.
لكن الكعبي ينفي العلاقة بين التوتر في منطقة الخليج العربي وبين القوات الإماراتية في اليمن، مشيراً إلى أن القوات المتواجدة داخل الإمارات كافية لصد أي عدوان وقادرة على تأمين البلاد ضد أي اعتداء، ولا يمكن لأبوظبي أن تتراجع بعد الانتصارات التي حققتها في مأرب والضالع وعدن والحديدة، وكلها انتصارات حققتها القوات الإماراتية.
مستقبل التحالف السعودي-الإماراتي
ما يجري على الأرض، بحسب عصام شريم، هو أن الإمارات تستبدل قواتها بقوات الحزام الأمني الخاضعة لها لا للشرعية الممثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعوم من السعودية.
ويلفت إلى أن قوات الحزام الأمني تشتبك حالياً مع قوات هادي وهذا الاشتباك سيكون له انعكاسات على التحالف بين السعودية والإمارات.
لكنه يقلل من احتمال أن يؤدي ذلك إلى انهيار التحالف السعودي-الإماراتي في اليمن، ويعتبر أنه سينهار في حالة واحدة فقط، وهي ممارسة ضغط داخلي في الإمارات على ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد من أجل إبعاد البلاد عن أزمات المنطقة لأن الثمن سيكون غالياً جداً على إمارة دبي التي ستخسر استثمارات ضخمة.
ويضع المحلل السياسي سيد علي المسألة في إطار أوسع، ويشير إلى أن التحالف السعودي الإماراتي قوي جداً ولن ينهار في المستقبل القريب، لأنه قائم على توافق في عدد من القضايا التي تمس أمن الدولتين القومي، بداية من اليمن وإيران، إلى قطر وجماعات الإسلام السياسي كالإخوان المسلمين، والوقوف في وجه التمدد التركي، ودعم مصر.
ويضيف أن انهيار التحالف بينهما في اليمن سيؤدي إلى انهياره في باقي القضايا لذا من المستبعد أن يحدث "لأن الطرفين سيتعرضان لخسارة كبيرة في مواجهة خصومهما".
يحاول البعض التقليل من حجم الأزمة بين قوات الحزام الأمني وقوات "الشرعية". ويقول العميد يحيى أبو حاتم إن قوات الحزام الأمني "لن تنقلب على الرئيس وقواته لأن الجميع يعلم أن الشرعية هي الغطاء للجميع والكل يعمل في إطارها، وبحال سقطوها لن يكون هناك مبرر لوجودهم في اليمن".
ويضيف أن العمليات العسكرية في اليمن ستستمر حتى هزيمة الحوثيين والقاعدة وداعش وبسط سيطرة الدولة اليمنية على كل أراضيها، وينفي سحب أي قوات إماراتية معتبراً أن "هذه الأخبار من صنع المواقع الإخبارية والذباب الإكتروني التابع للحوثيين وعيال قطر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...