أعادت شبكة البثِّ على الانترنيت "نيتفليكس" تقطيع أوقاتنا، لأنّ زمن المشاهدة ومدّتها أصبحتا تحت سيطرة المُشترك، متجاوزةً سياسات البثِّ التقليديّة، التي تبرمج مواعيد وأوقات المشاهدة، وتتحكّم بالإعلانات وتجعلها ضمن زمن المشاهدة، كما أن نيتفليكس أعادت مساءلة أذواقنا ورؤيتنا للعالم مكوّنةً إيّاهما بصورةٍ جديدة، جاعلةً من التسلية عالية الجودة وسيلة لدفعنا لإعادة النظر في معتقداتنا، مخاطبةً أولئك المتعصّبين والعنصريين وغيرهم من المشاهدين الصامتين الذين تستهدفهم دوماً "دراسات الجمهور"، فنيتفليكس أتاحت للأقليّات الجنسيّة والملوّنة أن "تظهر" في مختلف الأشكال، ولم يعد "غريباً" أن نراها، فهي جزء من نسيج المجتمع، ليست فقط أشكالاً استعراضيّة للكوميديا أو السخريّة، بل ضمن حكاياتٍ مختلفة لا تتمحور حولهم وحول نضالهم، فنتفليكس تغوي الجميع و تجعلهم يدمنونها، في ذات الوقت تغير أذواقنا نحن المشاهدين الأوفياء، الذين لا نمانع قضاء عطلةٍ بأكملها لننهي مسلسلاً واحداً.
أوّل أشكال غواية نيتفلكيس هي الاشتراك الشهري الرخيص نسبياً (حوالي 10 دولارات)، هذا المبلغ الرمزيّ يُتيح لنا المشاهدة على كافة الشاشات التي نمتلكها، بالتالي في أي مكان وأي زمان، هذه "الدعوة" للمشاهدة تمتدُّ لمن حولنا، بإمكاننا أن نعيرهم "حسابنا" أو ندعوهم للمشاهدة معنا، دون أن يدفعوا، وكأن كلَّ اشتراكٍ فرديّ يمتدُّ إلى ثلاثة آخرين، هذا "التوافر في أيّ وقت" الذي تؤمنه نيتفليكس نراه أيضاً في مضمونه /كاتالوغه الهائل من الأفلام والمسلسلات التي تناسب، دون مبالغةٍ، كلَّ الأذواق، من أبطال خارقين ترانسفستايت -transvestite ، إلى الوثائقيّات المتنوّعة، مروراً بالـ800 إنتاج خاص بنتفليكس في العام الماضي.
نيتفليكس تغوي الجميع وتجعلهم يدمنونها، في ذات الوقت تغير أذواقنا نحن المشاهدين الأوفياء، الذين لا نمانع قضاء عطلةٍ بأكملها لننهي مسلسلاً واحداً
أتاحت نيتفليكس للأقليّات الجنسيّة والملوّنة أن "تظهر" في مختلف الأشكال، ولم يعد "غريباً" أن نراها، فهي جزء من نسيج المجتمع، ليست فقط أشكالاً استعراضيّة للكوميديا أو السخريّة، بل ضمن حكاياتٍ مختلفة لا تتمحور بالضرورة حولهم وحول نضالهم
الصواب السياسي وحقوق الأقليّات
سياسات نيتفليكس وأشكال البثِّ والإنتاج المختلفة التي أتاحتها، سمحت بتغيير نظرة الكثيرين إلى الأقليّات الجنسيّة والدينيّة، إلى جانب الإضاءة على مواضيع حسّاسة كالتربية الجنسيّة والجماعات الدينيّة، إذ أتاحت حقَّ الظهور للكثيرين ونفت الكثير من مفاهيم الاختفاء، سواء فيما تبثّه ويتناول الصراع الجندري، أو في وجود شخصياتٍ مثليّة دون أن تكون مثليّتهم هي محور العمل الفنّي، كما حالة مسلسلات الأبطال الخارقين كـLegends of tomorrow ، إذ نلاحظ علاقات الحبّ المختلفة ضمن المسلسل، دون أن يكون هناك أيّ استغراب من قبل الشخصيات الأخرى، بل ينظر لها كحالةٍ رومانسيّةٍ بشريّة، ما يعزّز ظهور هذه الأقليّات بوصفها ليست محصورة بنضالها فقط، بل أيضاً كشخصيّات فاعلة ضمن الحكايات الفانتازيّة.
التعليق على الحدث السياسي
تسعى شبكة نيتفليكس لملاحقة إيقاع العالم الجدّي، وما يدور فيه من أحداثٍ وخصوصاً في أمريكا، إذ توظّف الفنيّ كوسيلةٍ سياسيّة لتغيير الرأي العام، كالوثائقيّات التي تبثُّ ضدّ ترامب وسياساته.
والأهمّ دعم حركة "أنا أيضاً"، والذي لم يكن فقط عبر بثِّ مجموعة من الوثائقيّات عن الحركة النسويّة كـfeminists what were they thinking ، وأيضاً إخفاء كيفين سبايسي من الموسم الأخير من مسلسل "منزل الورق" ونقصد بإخفائه أنه بعد فضيحة سبايسي، لم نر له أيَّ أثر في الموسم الأخير، لا صوته ولا وصورته ولا حتى جنازة موت الشخصيّة، سبايسي اختفى كلياً، وكأنّ في إخفائه احتجاجاً وانتقاداً شديدين للممثل الذي لعب بطولة أشهر إنتاجات الشبكة، التي لم تكتف بإنهاء تعاقدها معه، بل أخفت أيّ أثرٍ له، في رسالةٍ لنا نحن المشاهدين الذين نعلم القصّة الأصليّة.
ذات الشيء نراه في مجموعة المسلسلات والأفلام التي تعيد تكوين دور المرأة، وتقدّم صوراً جديدةً لها لم تكن حاضرةً من قبل كما في مسلسل what/ if.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...