وجوه سمراء، أجساد صحية ذات تقاسيم دقيقة، وتعابير انفعالية نقية في وجوه تعكس أرواحاً متصالحة مع النفس والطبيعة، الشمس والغابات، والحيوانات البرية.
لم تستطع المصورة المصرية أمينة زاهر مقاومة تصوير كل ذلك في رحلتها لأفريقيا، وكما كتبت على أحد جدران معرضها الفوتوغرافي بجاليري "أركيد" في المعادي: "في رحلتي الترفيهية إلى كينيا، استوقفتني كتلة مُبهرة من الثروة الثقافية، كمصورة فوتوغرافية لم أستطع مقاومة هذه الشحنة الجارفة المحفزة من رونق الجمال الإنساني، حضارة نيروبي وجذورها، إلى جانب الحياة البرية، و قبائل الماساي التي لم تتخلَّ عن عاداتها و ثقافتها، التوازن و التآلف بين واقع كل من هذه العناصر".
أمينة زاهر مصوّرة أزياء، أخذت أولى خطواتها في التصوير الفوتوغرافي في "New York Film Academy" عام 2014. نُشرت أعمالها في العديد من المجلات حول العالم مثل Vogue، وHarper's Bazaar، وELLE، وLUCY’s Magazine، وJute Magazine، وغيرها.
"تركتُ زوجي لأصور أزياء القبيلة"
"رغم وعودي لزوجي في رحلتنا الترفيهية بعدم استخدام الكاميرا إلَّا في تسجيل اللحظات الجميلة في السفر، والحيوانات البرية، لكني لم اقُاوم هذه اللوحة الفنية المفتوحة منذ هبوطنا في كينيا، ولم أستطع كبت رغبتي عندما ذهبنا لـ"السفاري" بتصوير أفراد قبيلة "الماساي" والألوان الزاهية لملابسهم أثناء سيرهم في الطريق، كان الأمر أشبه بـ" فاشون شو" مفتوح أهدته لنا الطبيعة" . تحكي أمينة زاهر لرصيف 22 عن رحلتها الترفيهية التي أسفر عنها معرضها الأول .
"كان يتمتع كل فرد بشخصية مختلفة، بجانب لون بشرتهم وانعكاس الشمس عليها مع ألوان الأزياء الزاهية، كانوا أشبه بعرض أزياء ولوحة فنية مفتوحة في الطبيعة"
تحكي أمينة عن تجربتها في تصوير القبيلة الأفريقية: "بعد رحلة السافاري، قررت الذهاب للقرية التي يقطنها سكان قبيلة الماساي للتصوير، أبدوا اندهاشهم في البداية، ولكن كانوا سعداء بانبهاري بأزيائهم وملامحهم الجميلة، وكانوا متعاونين جداً، ومتحمسين للتصوير، حتى إنَّ شيخ القبيلة كان يُساعدني بإحضار خامات مختلفة من الأقمشة التي وضعتها في خلفية الصور، بل أعطاني هدايا منها".
"هنا أدرك زوجي أنه لامفر من مساعدتي في إنجاز مهمتي "، تضحك أمينة، وتكمل: "كان يمسك الأقمشة خلف الشخصيات أثناء التصوير".
أجساد "الماساي" أجمل من عارضي الأزياء
زاهر التي قامت بتصوير أحدث عروض أزياء ونجوم الفن، ترى أن أفراد قبائل الماساي يتمتعون بأجساد مرسومة وكأنها منحوتة "طبيعياً"، حيث تفرض عليهم عاداتهم وتقاليدهم اتباع نظام غذائي قائم على البروتين الحيواني فقط، بدون نشويات، مع شراب الدماء، بجانب عملهم في صناعات بدائية تعتمد على القوة البدنية، جعلت أجسامهم رياضية، وصحية ذات تقسيمات ومقاييس دقيقة، تُنافس عارضي الأزياء(models) في أي مكان بالعالم، وهو ما جذبها لإبراز هذا الجمال في أجسادهم، بحسب أمينة.
تشدّد المصورة أمينة زاهر على أنَّ عروض الأزياء الآن تتجه في جميع أنحاء العالم إلى الاعتماد على عارض أزياء (model) لديه شخصية مميزة أكثر من الاعتماد على الشكل الوسيم، وهذا ما وجدته في ملامح ووجوه أفراد قبيلة الماساي، تقول: "كان يتمتع كل فرد بشخصية مختلفة، بجانب لون بشرتهم وانعكاس الشمس عليها مع ألوان الأزياء الزاهية، كانت أشبه بعرض أزياء ولوحة فنية مفتوحة في الطبيعة".
شمس، وطبيعة، وعادات وتقاليد، ونظام غذائي، وطبيعة عمل، وانفعالات نقية.. جعلت أجساد الرجال والنساء في قبيلة "الماساي" الأفريقية بهذا الجمال، ودفعت أمينة لتصويرهم.
رغم هذه اللوحة الفنية المفتوحة، لم ترغب أمينة في تصوير جمالها الخارجي فقط، "أردتُ الاقتراب أكثر من أرواح أهل الماساي (بعيداً) عن أجسادهم، وتحققت تلك العناصر بدون أدنى جهد، حيث تجسَّدَت أمامي جميع الجماليات بشكل تلقائي، الشكل البديل للتعبير عن الدلالات النقية الخالية من الشوائب، أناقة ورُقي الخطوط، التكوين الطبيعي الذي يعكس الأُلفة الحِسية".
تشرح أمينة أكثر: " لم أرغب في تصوير وجوههم المليئة بالحماس والانبهار بهذه المُصورة القادمة من الخارج لتصويرهم، ولكن كنت أتركهم ليُخرِجُوا كل انفعالاتهم حتى تأتي اللحظة الصادقة الحقيقية التي أسعى لالتقاطها، رغم أن ذلك كان يستغرق وقتاً، ولكن كان لديهم صبر وتعاون كبير".
نساء نيروبي
وعن نساء نيروبي، تقول أمينة:" سيدات الماساي يتحملن مسؤوليات كثيرة منها بناء المنازل وتربية الأطفال، بينما الرجال يصطادون الحيوانات، ويتولون بيعها في الأسواق، واكشتفت أنه بمجرد زواج فتيات الماساي يحلقن شعورهن، وفقا للعادات والتقاليد، وجذبتني وجوههن وملامحن المميزة" .
تصف أمينة تجربة التصوير مع قبائل "الماساي" قائلة:"هذه ليست فوتوغرافيا لأزياء, أو فوتوغرافيا تسجيلية واقعية، و لكنها كانت مزيج بين هذا و ذاك، أشبه بحوار حميم ذي رونق جميل كان يدور بيننا في هذه اللحظات".
توضح أنَّ ارتداء أفراد قبيلة الماساي للألوان الحمراء والبرتقالية الصارخة يعود لحماية أنفسهم من الحيوانات التي تخشى الاقتراب منها.
لم تخطط أمينة أثناء تصويرها لرجال ونساء "الماساي"، أنها ستكون نتاج معرضها الأول، تضحك: "لست من الأشخاص الذين ينظرون إلى صورهم، ويمدحونها، لم أُفكر إطلاقاً في المعرض، ولكن عندما أرسلت الصور لأستاذي الذي تعلمت على يده التصوير في إحدى الورش الفنية، نصحني بأهمية إقامة معرض لهذه الرحلة، وهو ماشجعني لتنفيذ الفكرة".
لم تتوقع زاهر ردود الفعل الإيجابية على معرضها الفوتوغرافي الأول، تقول: "منحتني ردود الفعل ثقة كبيرة، وحماسا لتكرار التجربة في أماكن أخرى".
" ماحدش يقدر يقاوم إنه مايصورش في افريقيا ".
"استقلت من مايكروسوفت، ولست نادمة"
رغم نجاح أمينة زاهر في العمل بشركة "مايكروسوفت" العالمية لمدة خمس سنوات، إلا أن شغفها بالتصوير كان أكبر، " باحب الأزياء منذ الصغر، كنت مفتونة بحب والدتي للملابس والتسوق، كانت تعمل مضيفة طيران، ونشأت مثلها، لدي هوس بالأزياء ومطالعة مجلات الموضة، حتى قررت دراسة التصوير، فادخرت بعض الأموال من العمل، وسافرت للتعلم، واخترت تصوير الأزياء، وبعد عودتي قررت الاستقالة، وبدأت عملي الجديد، ولست نادمة".
تضحك أمينة:"كِدت أقفز من سيارتي بعد نشر أول صوري في مجلة "فوج"، شعرت بسعادة غامرة، وراضية عن خطواتي التي حققتها حتى الآن".
تجيل أمينة بصرها بين صورها، وتتحدث عن أقربها إلى قلبها: "جميع صور أفراد الماساي وخلفيتهم بالقماش، قريبة إلى قلبي، أشعر أنهم يشبهون شخصيتي، أعشق ألوان بشرتهم، ونظرتهم، وجه كل فرد ثاني شيء يلفت النظر للصورة بعد اللون، أحب أن أنظر لهم كثيراً، وأيضاً صورة فتاة من الماساي باللون الأبيض والأسود، تحمل انفعالات كثيرة، وتأثرتُ بها جداً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...