خلع محمد "الزبدة" ملابسه داخل غرفةٍ مخصّصةٍ للأطباء، بحيث أصبح هو وزملاؤه بالتهريج يتشاركون بها مع الطاقم الطبي، ارتدى قبعةً برتقاليّة اللون، وضع أنفاً أحمر، نظاراتٍ كبيرةً، وارتدى المريول الأبيض فوق زيّ التهريج الملوّن وانطلق في رحلته داخل غرف وممرّات المستشفى في غزة.
سعادة غامرة
اثناء انهماكهم بافتراش أسرّتهم، دخل عليهم "الزبدة"، غرفة رقم 4 قسم السرطان بمستشفى الرنتيسي، مدينة غزة، بملابس التهريج الملوّنة التي امتزجت ألوانها بالأمل، فأشار إليه الأطفال بأصابعهم الصغيرة "هيو اجا عمو المهرّج" عَلَت أصواتهم الغرفة ورسمت الابتسامة على وجوه ذويهم بقدوم المهرّج الذي سبق وأن تجرّع بدوره مرارة المرض ذاته.
يسرد الزبدة (21 عاماً) تفاصيل اكتشافه المرض، قائلاً: "في العام 2009 أصابني الصداع وارتفعت درجة حرارتي، فذهبت فوراً إلى المستشفى من أجل إجراء الفحوصات اللازمة، وهناك اكتشفت بالصدفة أنني مصابٌ بمرض السرطان".
بعد النتائج والفحوصات التي أجراها، اكتشف "الزبدة" إصابته بسرطان الغدّة الدرقيّة ليزداد وضعه الصحي سوءاً، ويذهب بعدها في رحلةٍ علاجيةٍ برفقة والدته إلى مستشفيات الداخل المحتلّ في العام 2010، من أجل تلقي العلاج هناك، ومحاربة المرض الخبيث الذي أصابه، عن طريق تلقي الجرعات الكيماويّة، وبالرغم من استئصال الورم، إلا أن المرض بقي يلازمه حتى هذه اللحظة.
عمو المهرّج
لقد عمل "الزبدة" كمتطوّعٍ داخل مؤسّسة "بسمة أمل" لرعاية مرضى السرطان في مجال التهريج قبل العام 2014 إلى أن حصل على دبلوم المهرّج الطبي بعد أن تقمّص شخصية المهرّج بإتقان.
يهدف "الزبدة" بعمله هذا إلى إدخال البهجة ورسم الابتسامة على ثغر الأطفال المصابين بمرض السرطان، وبالفعل نجح في مهمّته، إذ عشق المرضى الصغار هذا المهرّج الذي يطبطب على جروحهم ويخفّف من آلامهم، ومع الوقت توطدت علاقتهم به وأطلقوا عليه لقب "عمو المهرّج".
بعد انتهائه من بثِّ أجواء المرح والتسلية في الغرفة الرابعة، توجّه "الزبدة" إلى غرفةٍ أخرى، وعند آخر الممرّ كان الطفل موسى يجلس في حضن والده، وما إن شاهد "المهرّج" من بعيد حتى قام بالقفز نحوه، وعندها احتضنه "الزبدة" وأهداه بالوناً زهريَّ اللون.
وعن تفاعل ابنه مع "الزبدة"، يقول والد موسى: "عندما يأتي المهرّج إلى القسم يشعر ابني بالسعادة والفرح، فهذا بمثابة علاجٍ له".
يحاول "الزبدة" القيام بعمله على أكمل وجهٍ بهدف مساندة المرضى، وعن هذه النقطة يقول لرصيف 22: "نقوم بزيارة العديد من المستشفيات بشكلٍ يومي، من أجل التخفيف عن معاناة مرضى السرطان ورسم الإبتسامة على وجوههم، من أجل علاجهم بطريقةٍ صحيّةٍ جيّدة ورفع معنوياتهم، من خلال توفير الدعم النفسي لهم"، معتبراً أن التهريج يكسر حاجز الخوف لدى الأطفال "لذا أقوم بارتداء المريول الطبّي الأبيض فوق ملابس التهريج، ونقوم أيضاً بتوزيع الهدايا والبالونات على الأطفال".
التهريج يكسر حاجز الخوف والضحك يعتبر بمثابة علاجٍ للأطفال المصابين بمرض السرطان
وأضاف المهرّج: "لا أعتبر أن هؤلاء الأطفال مرضى فقط بل أصدقاء لي، كيف لا وأنا ما زلت أشاركهم نفس المرض؟ فبعد مرور خمس سنواتٍ على علاجي، تحسّن وضعي الصحي وقرّرت بعدها أن أعمل كمهرجٍ، من أجل مساعدة الأطفال المصابين بالسرطان الذين يشعرون بالسعادة عند قدومي إلى المستشفى".
وتابع الزبدة حديثه قائلاً: "أرتدي قبعةً صفراء اللون، وأنفاً أحمر ونظاراتٍ كبيرة وزيَّ التهريج وفوقه مريول أبيض، بعد ذلك أقوم بالتجول بين أسرّة الأطفال المرضى داخل المستشفيات من أجل إضحاكهم، فالضحك يعتبر بمثابة علاجٍ للأطفال المصابين بمرض السرطان".
تحويل الألم إلى أمل
بهدف التعرّف أكثر على "الزبدة" وعمله في مجال التهريج، يقول مسؤول برنامج الدعم النفسي في مؤسّسة "بسمة أمل" محمد الجوجو: "عندما التحق محمد الزبدة بعائلة المؤسّسة كانت تظهر عليه في البداية علامات الإعياء والتعب إثر خضوعه للعلاج الكيماوي، وتحمّل أعباء السفر في رحلته العلاجيّة".
وتابع "الجوجو" قائلاً: "عندما تلقّى الزبدة علاجه في مستشفيات الداخل كان هناك مهرّجون يخفّفون عنه مرارة الألم، فتعلّق بهم وأُعجب بعملهم وقرّر أن يصبح بدوره مهرجاً بهدف التخفيف عن أقرانه من المرضى، فرحلة علاجه تركت أثراً جميلاً في نفسه خفّفت من حدّة الألم وحوّلته إلى أمل".
وأضاف: "عملت المؤسّسة على مشروع إصدار دبلوم مهرّجٍ طبّي كون هذا العمل حساساً ويجب على من يتعامل مع الأطفال أن يكون متخصصاً في هذا المجال، كون الأطفال المرضى يعانون من مناعةٍ ضعيفةٍ".
الضحك يقوي جهاز المناعة عن طريق إطلاق هرمون "الاندورفين" المسؤول عن رفع المناعة وتحقيق التوازن والسعادة
وأوضح "الجوجو" أن "الزبدة" كان واحداً من بين 15 شخصاً حصلوا على دبلوم المهرّج الطبّي من جامعة فلسطين، وهي شهادة تعتمد على دراسة "سكيولوجيات" الطفل، عوامل الأمن، السلامة، النظافة الشخصيّة، الإسعاف الأوّلي وغيرها من الأمور التي تساعد الأطفال المرضى.
وفي نهاية حديثه، أكّد "محمد الجوجو" أن العديد من الأطفال الذين يذهبون إلى المستشفيات بشكلٍ دوري، استجابوا بالفعل للمهرّج "الزبدة من خلال دواءٍ واحد: الضحك الذي يقوّي جهاز المناعة عن طريق إطلاق هرمون "الاندروفين"، المسؤول عن رفع المناعة وتحقيق التوازن والسعادة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون