لا شكّ أن أغلبيّتكم قد تعرّض للتنمّر في طفولته، وفي حال كان الأمر كذلك حاولوا أن تستعيدوا ذهنيّاً، الكلمات القاسية التي جرحتكم حينها، وقفوا بعدها للحظاتٍ أمام المرآة، واسألوا أنفسكم: هل شكّلت هذه الحادثة النقطة المفصليّة في حياتكم الجميلة، وقلبت نظرتكم إلى الأمور رأساً على عقب، أم أنكم تعتبرون ما حدث فصلاً آخر من فصول التجارب الحياتيّة التي جعلتكم تكتسبون ثقةً أكبر بأنفسكم، وأتاحت لكم فرصة التعرّف على صديقٍ حميمٍ لا يزال يقف إلى جانبكم، حتى هذه اللحظة من حياتكم؟
يبدو أن الطريقة التي تحلّلون حياتكم من خلالها وكيفية سرد التفاصيل والأحداث، كلّها أمور تؤثر على شخصيّتكم وعلى مساركم في الحياة.
فهل إعادة كتابة قصّة حياتكم في ذهنكم وسردها للآخرين، تجعلكم أكثر سعادةً؟
قصص حياتنا
من "أحمر بالخط العريض"، "إنت هيك"، "للنشر"، "هوا الحرية"، "من الصفر"، وصولاً إلى"سيرة الحبايب" وغيرها من برامج الـ "توك شو"...يزخر وطننا العربي بالبرامج الترفيهيّة التي تتناول قصص الناس، نجاحاتهم، همومهم المعيشيّة ومشاكلهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة، فتتسابق هذه النوعيّة من البرامج على استضافة الأشخاص الذين يشكّلون بحدّ ذاتهم "حالاتٍ استثنائيّةً" وذلك بغية الكسب في معادلة "الرايتينغ" وجذب عيون وقلوب المشاهدين بأقوى القصص الحياتيّة، والتي سرعان ما تتحوّل بعد عرضها على الشاشات، إلى حديث الصالونات.
وفي العالم الغربي، وتحديداً في منتصف القرن العشرين، اكتسب برنامج This Is Your Life شهرةً كبيرةً، بسبب فكرته التي تُعتبر فريدة من نوعها: استضافة مشاهير وأشخاص عادييّن مع كتابٍ أحمر، يتضمّن أحداثاً رئيسيّة ونقاط تحوّلٍ محوريّة وأهم الذكريات التي تطبع حياتهم.
وفي حين أن هذه الفكرة ليست سوى جزء من برنامج تلفزيوني أجنبي، إلا أنه بالإمكان تطبيقها على حياتنا الواقعيّة، بحيث أن كلّ شخص منا يتجوّل، ومن دون أن يدري، برفقة كتابه الأحمر والذي يتضمّن تجاربه الحياتيّة، ذكرياته، النقاط المثيرة في حياته....
يوضّح موقع "بي بي سي" أن هذه الروايات موجودة في حياتنا، سواء اخترنا أن نعطيها الكثير من الاهتمام أم لا، وهي التي تضفي معنى لوجودنا وتجعلنا نشعر بهويّتنا الخاصّة: " أنتم تمثّلون قصّتكم"، وفق ما تصف "كيت ماكلين" من جامعة واشنطن الغربيّة: " القصص التي نرويها عن أنفسنا تكشف الكثير عن أنفسنا، تبني ذواتنا وتحافظ عليها عبر الزمن".
ركنٌ أساسي من شخصيتنا
يُعدّ البحث الجديد الذي أجراه فريق"ماكلين" من أحدث الأبحاث التي تعتبر أن القصص الشخصيّة تحتوي العديد من العناصر الثابتة، والتي تكشف عن شيءٍ متأصّلٍ بنا: "إنها تعكس جانباً أساسيّاً من شخصيّتنا".
وقد شرح "دان ماك أدامز"، خبير الشخصيّة في جامعة "نورث وسترن" في مقالته The Psychology of Life Stories هذه النقطة بالقول: "يختلف الناس عن بعضهم البعض فيما يتعلّق بقصص حياتهم المحدّدة ذاتيّاً، بطرقٍ لا تختلف عن اختلاف بعضهم البعض في بعض الخصائص النفسيّة التقليديّة، مثل السمات".
كلّ شخص منا يتجوّل، ومن دون أن يدري، برفقة كتابه الأحمر والذي يتضمّن تجاربه الحياتيّة، ذكرياته، النقاط المثيرة في حياته
في الواقع لقد تراكمت الأدلّة التي تدعم الفكرة القائلة بإنه إلى جانب أهدافنا، قيمنا وسماتنا الشخصيّة، فإن قصصنا الشخصيّة تعكس جانباً ثابتاً من شخصيتنا.
فقد شدّدت بعض الأبحاث الأخرى على أهمية القصص الذاتية كجزءٍ من الشخصيّة، لكون الطريقة التي نروي بها هذه القصص الخاصّة تؤثّر على صحّتنا العقليّة ورفاهيّتنا بشكلٍ عام، فعلى سبيل المثال، إذا كنتم من الأشخاص الذين يتذكّرون النقاط الإيجابيّة التي حدثت نتيجة تجربة التنمّر في الطفولة، فإنه من المحتمل أنكم تستمتعون بإحساسٍ أكبر من الراحة والرضا في الحياة.
ولكن ما هي الأساليب المختلفة لسرد قصصنا؟
في الواقع، عندما يتعلّق الأمر بوصف سمات شخصيّات الأفراد، فإن الطريقة التقليديّة في التفكير في الشخصيّة تكمن في التركيز على خمسة عوامل تجسّد جوهر كلّ فرد: الإنبساط، التعاطف، الضمير الحيّ، العصبيّة والانفتاح على التجربة.
وبالمثل يبدو أن قصص حياتنا لها سمات رئيسيّة يمكن من خلالها تعريف كلّ واحدٍ منا، إذ قامت الأبحاث بقياس مجموعةٍ واسعةٍ من الجوانب المختلفة لقصص الأشخاص الشخصيّة، بما في ذلك: الوكالة، الشراكة، التكافؤ، الفداء، التدنيس، الذكريات التكامليّة والجوهريّة، صنع المعنى الإيجابي والسلبي، الحميميّة، المعالجة العاطفيّة...
القصص التي نرويها عن أنفسنا تكشف الكثير عن أنفسنا، تبني ذواتنا وتحافظ عليها عبر الزمن
واستناداً إلى تحليل الروايات التي قدّمها نحو 1000 متطوّعٍ عن أحداثٍ معيّنةٍ من حياتهم، تعتقد "ماكلين" أن هناك ثلاثة عوامل تمثّل الطريقة المميّزة التي نروي بها قصصنا.
-الموضوعات التحفيزيّة والعاطفيّة والتي تنظر لمدى الاستقلاليّة والإتصال مع الآخرين، ومدى الإيجابيّة والسلبيّة للقصص بشكلٍ عام، وعمّا إذا كانت تهيمن عليها المواقف الجيّدة التي تتحوّل إلى مواقف سيّئة، أو أن المواقف السيئة تحقّق نتائج إيجابيّةً في نهاية المطاف.
-التفكير في السيرة الذاتيّة: مقدار تفكيرنا في التجارب التي تتضمّنها قصصنا، إيجاد معنى فيما حدث وفهم الروابط بين الأحداث الرئيسيّة وطريقة تأثيرها علينا أم لا.
-الهيكل: مدى منطقيّة قصصنا من حيث الجدول الزمني، الوقائع والسياق.
ومن أجل أن تكون روايتنا الشخصيّة مماثلةً لجانب من سمات الشخصيّة، فإنها بحاجةٍ لأن تتمتع بدرجةٍ من الثبات والاستقرار مع مرور الوقت.
التأثير الإيجابي
نظراً لكون قصص حياتنا تعكس جانباً مستقرّاً وهامّاً في شخصيتنا، فإن ذلك من شأنه أن يحمل تأثيراتٍ كثيرة.
قبل بضع سنوات، قام الباحث "جوناثين أدلير" بمراجعة 30 تحقيقاً سابقاً عن قصص الحياة، ووجد أن هناك جوانب عديدة مرتبطة بالرفاهية: الأشخاص الذين يروون قصصاً إيجابيّة عن أنفسهم يتمتعون بمزيدٍ من الرفاهية وتتحسّن صحتهم العقليّة، نظراً لزيادة الشعور بالرضا عن الحياة، في حين أن "تدنيس" القصص الخاصّة وتغييب عنصري الاستقلاليّة وتبادل الأفكار، كلّها أمور من شأنها أن تساهم في خفض الرفاهية لدى الأفراد.
هل هذا كلّه يعني أنه في حال أقدمنا على مراجعة قصّة حياتنا، عن طريق التفكير في الإيجابيّات التي نتجت عن تجارب سلبيّةٍ، يصبح بإمكاننا تطوير شخصيتنا وجعلها أكثر قوّة؟
يبدو أن الفكرة ليست بعيدة المنال، بعد أن أظهرت إحدى الدراسات الحديثة أن تغيير الطريقة التي يفكّر الناس بها بشأن حياتهم اليوميّة، يمكن أن يؤثّر على تطوّرهم وتقدّمهم في الحياة.
الأشخاص الذين يروون قصصاً إيجابيّة عن أنفسهم يتمتعون بمزيدٍ من الرفاهية وتتحسّن صحتهم العقليّة
منذ فترةٍ طويلة والفلاسفة يجادلون بالقول إننا كبشرٍ نبني حقائقنا الخاصّة ونصنع العالم بأيدينا، وفي العادة يطبّق هذا المنظور التحرّري من قبل المعالجين النفسيين لمساعدة الناس على التعامل مع مخاوفهم وقلقهم، وبدورها تؤكّد الأبحاث الحديثة أن الطريقة التي نروي بها حياتنا الخاصّة، تساهم في تشكيل حقيقة من نحن عليه، والشقُّ المثير للاهتمام أن تغيير الأسلوب في التأليف الذاتي يمكن أن يحمل فوائد كثيرةً، وهو ما يُعرف بالعلاج السردي.
في نهاية المطاف يمكن القول إن "الكتاب الأحمر" الموجود في رأسكم لا يعتبر الإصدار النهائي، وعليه فإنه بإمكانكم تعديل قصّتكم على نحوٍ إيجابي، لتغيير جوهر الشخص الكامن داخلكم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع