إذا كنت رجلاً فأنت حتماً من المحظوظين الذين لديهم ما يكفي من الحريّة لقضاء ساعاتٍ طويلةٍ خارج المنزل، دون التفكير بهاجس التبوّل، بعكس الفتيات اللواتي يعانين من هذه المسألة.
فالفتاة التي تقرأ حاليّاً هذه السطور تعرف حتماً ما المقصود من الأسئلة التالية: كم هي عدد المرّات التي أنهيتِ فيها نزهةً لطيفةً مع الأصدقاء بشكلٍ عاجلٍ بسبب احتياجك الفوري لقضاء حاجتك؟ كم مرّة امتنعتِ فيها عن شرب الكثير من السوائل حتى لا تضطرّي لاستخدام المرحاض العمومي؟ كم مرّة تردّدتِ قبل الدخول إلى المطعم بعدما لاحظتِ أن مرحاضه غير نظيف؟
تعاني الكثير من الفتيات في مصر من هذه المشكلة، والتي يكون الحلّ فيها عبارة عن خيار من ثلاثة: الخيار الأوّل هو التحمّل حتى العودة إلى المنزل والذي قد يسبّب ضغطاً قوياً على المثانة ويؤدي إلى إضعافها، أو حدوث التهاباتٍ في المسالك البوليّة، والخيار الثاني هو استخدام الحمّام العمومي، والذي قد ينقل أمراضاً عديدة، أبرزها فيروس الكبد الوبائي أو بكتيريا الإيكولاي الخطيرة التي تسبّب التهاباتٍ في الكليتين، والخيار الثالث هو استخدام أداةٍ لتسهيل عملية التبوّل وقوفاً كالرجال.
تجارب سيئة
للفتيات في وطننا العربي تجارب كثيرة مع مسألة التبوّل في الخارج ومع المراحيض العموميّة التي تفتقر غالباً للحدّ الأدنى من النظافة، فقد قالت "منال" لرصيف 22 أن سفرها يكون في أغلب الوقت طويلاً، فتضطرّ لاستخدام المرحاض الخاصّ بالأتوبيس أو القطار، أو النزول في الاستراحة التي تكون في منتصف الطريق، وحتى لا تتعرّض لما تعرّضت له سابقاً من انتقال عدوى بكتيريّة، أصبحت تستخدم بخّاخاً مكوّناً من منظفٍ ومطهّرٍ قويٍّ رائجٍ في السوق حاليّاً، بالإضافة إلى الكثير من المناديل الورقيّة، وغطاءٍ بلاسيتيكيٍّ خاصّ بالمراحيض يُباع في الصيدليات.
وأضافت: "ولو مفيش ومسافرين لمدّة طويلة فالصحراء واسعة وآمنة أكتر في النظافة، لكن المشكلة تكون عند السير في الصحراء في رحلة سفاري مع الأصدقاء بحيث يكثر بهذه الرحلات شرب المياه والكثير من السوائل، وقتها سيكون من الصعب الانعزال عن المجموعة والبحث عن حمّام في الخلاء".
كم هي عدد المرّات التي أنهيتِ فيها نزهةً لطيفةً مع الأصدقاء بشكلٍ عاجلٍ بسبب احتياجك الفوري لقضاء حاجتك؟ كم مرّة امتنعتِ فيها عن شرب الكثير من السوائل حتى لا تضطرّي لاستخدام المرحاض العمومي؟
أما "أروى" وهي شابة عشرينيّة تعمل في أغلب الاوقات خارج المنزل قالت: "أنا بشرب مياه كتير وبدخل الحمّام كتير، وببقى طول الوقت مستعدّة إني هاشوف منظر مرعب، ولو لقيت إن الحمّام مش نضيف بضطر أستحمل وأجي على نفسي لحدّ ما أوصل البيت".
من جهتها تعرّضت "شمس " لتجربةٍ سيئةٍ عندما أصابتها عدوى من أحد المراحيض العموميّة التي استخدمتها، وقالت أنها في أحد المرّات كانت خارج المنزل ولم يكن معها أدوات لتنظيف المرحاض ولا مطهّر ضدّ البكتريا في حقيبة يدها، واضطرّت آنذاك لاستخدام أحد المراحيض العموميّة...هذه التجربة تسببّت لها فيما بعد بقروحٍ وبثورٍ في المنطقة الحسّاسة من جسدها، الأمر الذي يجعلها تقلق من استخدام أي مرحاضٍ عمومي، فتضطرّ للتحمل والضغط على نفسها لحين وصولها إلى المنزل.
تروي "ميعاد" تجربتها مع المراحيض العموميّة، مشيرةً إلى إنها تواجه هذه المشكلة كثيراً في فصل الشتاء نتيجة احتباس المياه داخل الجسم وقلّة تصريفها عبر التعرّق، بعكس فصل الصيف، فتضطرّ لاستخدام هذه المراحيض كونه لا يوجد بديل، بخاصّة وأنها تشعر أحياناً أنها على وشك الانفجار من التحمّل والضغط.
أما"أمال" المصابة بمرض السكّري، فقد كانت متواجدة في إحدى المرّات خارج البيت وأحسّت فجأة بضرورة دخول المرحاض، وظلّت لساعةٍ تبحث عن أحدها ولم تجد سوى المساجد، وبالرغم من أنها لم تكن على المستوى الجيد من النظافة إنما اضطرّت لاستخدامها، فانتقلت لها عدوى وتسبّبت لها بفيروسات مهبليّة ظلّت لمدةٍ طويلةٍ تتعالج منها ومن أثرها.
النساء والتبول وقوفاً
لا شكّ أن النساء يعشن رعب التبوّل في الخارج والخشية من استخدام المراحيض العموميّة، هذا بالإضافة إلى الشعور بنوعٍ من اللامساواة مع الرجال والذين بوسعهم التبوّل وقوفاً من دون أي مشكلة.
وعليه، في أحد المجموعات السريّة عبر فايسبوك كشفت "فريال " أنها تسافر كثيراً خارج مصر، وعثرت على وسيلةٍ تستخدمها الفتيات في أميركا والتي تساعدهنّ على التبوّل وقوفاً كالرجال، وهو الأمر الذي كانت تحسدهم عليه، إذ لا يضطرّون إلى مواجهة ما تواجهه الفتيات من التفكير كثيراً قبل استخدام أي مرحاضٍ عمومي، حتى لا تنتقل العدوى والميكروبات والفيروسات.
وأوضحت"فريال" أنها تسافر كثيراً داخل مصر وقد تطول مدّة الرحلة إلى 7 ساعات، خاصّة إذا كانت مسافرة إلى بعض المدن، مثل شرم الشيخ أو الغردقة أو دهب، فتضطرّ لاستخدام هذه الوسيلة ما يوفّر حلاً جوهرياً لهذه الأزمة.
هذه الطريقة كانت متعارفة لدى بعض الثقافات في الماضي خاصّة الأوروبيّة، بحسب ما كشفه كتاب Bathrooms Make me Nervous الصادر في العام 2008 والذي أكّد أن النساء كنّ يتبوّلن وقوفاً كالرجال، وبالرغم من أن هذه العادة قد انتهت منذ القرن الثامن عشر، إلا أنه في أوائل القرن العشرين بدأت محاولات جديدة لابتكار أداةٍ تساعد النساء على التبوّل في الخارج، وفي منتصف القرن الماضي تمّ تصنيع أداةٍ مشابهةٍ لها.
من خلال البحث عبر الانترنت تبيّن أن هناك أداةً حديثةً لها أسماء متعدّدة: "أداة التبوّل النسائيّة" أو "المساعدة النسائيّة للتبوّل" أو "أداة الوقوف للتبوّل" والتي زاد استخدامها في التسعينيّات من القرن الماضي في فرنسا، تحديداً في العام 1996 لمساعدة النساء على التبوّل في الخارج بشكلٍ عاجلٍ، أو لمساعدة المرضى، أو في طرق السفر الطويلة والتخييم والحفلات خارج المنزل، وبحلول العام 2005 أصبح هناك أشكال مختلفة من هذه الأداة والتي تأتي بألوانٍ متعدّدةٍ ومن مواد قابلةٍ لإعادة الاستخدام، مثل البلاستيك القابل للطي والسيليكون والورق والمطاط وغيرها، ويتراوح سعرها من 10 إلى 100 دولار.
في أوائل القرن العشرين بدأت محاولات جديدة لابتكار أداةٍ تساعد النساء على التبوّل في الخارج
ويوضّح موقع "Shewee " أن أحد الأنواع صُمِّم في كندا في العام 1999، كما أكّد الموقع التجاري الكندي أن بعض هذه الأنواع مصرّح باستخدامها من قبل قوّات حلف شمال الأطلسي "ناتو"، في وحدات ومعسكرات الجيش في عددٍ من دول العالم وللتدريبات لفتراتٍ طويلة.
كما عدّد الموقع مزايا هذه الأداة، مشيراً إلى أنها سهلة الاستخدام وخفيفة الحمل ولا تحتاج لمجهودٍ بدني للمرأة لاستخدامها، وفعّالة في أوقات التخييم ورحلات السفر الطويلة وللمرضى وكبار السن، كما أنها مصمّمة للنساء من كافة الأعمار.
وقد أوصى موقع المرأة "ماري كلير"، بهذه الأداة، وكشفت كاتبة المقال "ديلفين شي"، أنه لطالما كان لديها فضول حول طريقة الرجال في استخدام المرحاض، وبغضِّ النظر عن فكرة المساواة، لكن اعتبرت أن هذه الاداة فعّالة وجيّدة للمرضى، كما أنها تُبقي السيدات في وضع الوقوف مع كامل ملابسهنّ، ودون الكشف عن أيّ جزءٍ من أجسامهنّ، خاصّة إذا كن يقضين الحمّام خارج المنزل.
الإحتفال بالمراحيض
في نوفمبر 2015 شدّد الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" على مسألة بناء المراحيض، كأحد الأهداف للتنمية المستدامة لعام 2030، مؤكّداً على ضرورة توفير خدمات الصرف الصحّي الكافية في جميع أنحاء العالم، لا سيّما وأن أكثر من 2.5 مليار إنسان حول العالم هم بمعزلٍ عن خدمات الصرف الصحّي، بما فيها دورات المياه والمراحيض، ما يتسبّب في عواقب وخيمة على صحّة الإنسان وكرامته وأمنه، ويهدّد البيئة والتنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
أكثر من 2.5 مليار إنسان حول العالم هم بمعزلٍ عن خدمات الصرف الصحّي، بما فيها دورات المياه والمراحيض
وقد اتخذت الأمم المتحدة 19 نوفمبر من كل عام يوماً للمرحاض وأطلقت عليه اسم Toilet Day كما دشّن "يان إلياسون" نائب الأمين العام حملةً لوضع حدٍّ للصمت عن مسألة التغوّط في العراء، ولتحفيز الحوار، في وقتٍ تدعو فيه أجهزة في الأمم المتحدة إلى العمل فيما يتصل بقضايا الصرف الصحّي.
وفي العام 2013 ذكرت أحد التقارير الصادرة عن غرفة عمليات الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة، أن الهيئة رصدت دورات مياه في محافظة القاهرة بلغ عددها 141 دورة مياه، ويعمل منها 68 فقط، فيما لا تستخدم 73 منها لأسبابٍ عدّة، من بينها عدم وجود عمّال أو استيلاء البلطجيّة عليها أو لحاجتها لرفع الكفاءة.
وكر جراثيم
يكشف موقع " dailymedicalinfo"الطبّي أنه في بعض المراحيض العامّة تعيش الآلاف من البكتيريا والفطريّات الموجودة على سطح مقعد المرحاض، والتي تنتقل عبر مجرى البول أو الجهاز التناسلي وفتحة الشرج، خاصّةً إذا كانت هناك جروح مفتوحة على الأرداف والفخذين، منها: البكتيريا المسبّبة للأمراض الفيروسيّة كالتهاب الكبد الوبائي، وأمراض تناسليّة كالسيلان والكلاميديا، والبكتيريا العنقوديّة والبكتيريا العقديّة وبكتيريا إيكولاي الخطيرة والتي تسبّب الفشل الكلوي، وبكتيريا الشيجلا التي تصيب الجهاز الهضمي وتسبّب الإسهال والإقياء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...