"هكذا أُذنِب أنا أيضاً لمجرد محاولتي الحياة، بعض الذنوب ليست أكثر من محاولة للحياة"، هكذا يلخص اللاجئ اليمني أمين تاكي (31 عاماً) رحلته إلى "الفردوس الأوروبي” التي وثقها عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
غادر أمين وطنه، اليمن، قبل نحو عامين، مرتحلاً بين عدة بلدان، آملاً بالاستقرار وعيش أفضل في أوروبا، لكن الرحلة لم تكن سهلة على الإطلاق، ما دفعه لتسجيل أحداثها عبر فيسبوك.
روى أمين لـ"مهاجر نيوز" الموقع المعني بأخبار المهاجرين، عن رحلته إلى أوروبا قائلاً: "خرجت من صنعاء رفقة إحدى صديقاتي على أساس أنها زوجتي وتحتاج للعلاج في مصر. انطلقنا من مطار سيئون (في حضر موت) صوب مطار القاهرة في يونيو/حزيران عام 2017"."لولا هذه الطريقة لما استطعت مغادرة اليمن بسبب المشاكل مع الحوثيين"، هكذا أردف المغامر اليمني الذي كان يعمل في تجارة المفروشات.
تدوين الرحلة الشاقة
في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، وتحديداً منذ خروجه من مصر، قرر المهاجر اليمني البدء في سرد يوميات رحلته إلى أوروبا عبر حسابه على فيسبوك تحت عنوان "الرحلة إلى أوروبا". وفي 18 أبريل/نيسان الماضي كتب الجزء الـ 22 وتوقف عنده ولم يستكمل الرواية حتى الآن، منوهاً بأن "الانشغال ومتاعب الحياة" هي التي تمنعه كثيراً من تسجيل ما يقاسيه يومياً.
وصف أمين خروجه من اليمن إلى مصر في يومياته بقوله "كان اليمن من الأعلى يشبه قطعة قماش مرقعة، هكذا بدت لي عندما شاهدتها من الطائرة وأنا متجه إلى مصر. بمرور الوقت أصبحت هذه المناظر تمثل لي أزمة نفسية، فعندما كنت أرى أي مبنى سليم أو إنارة ضوء في شوارع مصر، كنت أبكي مثل طفل قتلت أمه أمام عينه في تعز (جنوب اليمن)".
بعد وصوله إلى مصر، سجل أمين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أجل إعادة توطينه. وبينما كان ينتظر رد المفوضية، راح يكسب رزقه من إعداد الوجبات اليمنية وبيعها للناس مستعيناً بفيسبوك.
مر عام وثلاثة أشهر على إقامة أمين في مصر دون الحصول على جواب من المفوضية، وهذا ما دفعه للتحرك وبدء رحلته إلى أوروبا بمفرده مستعيناً بمهربين.
أهوال اللجوء: ضرب، استغلال، امتهان الكرامة
حسبما يتضح من يوميات أمين، كانت موريتانيا وجهته التالية بعد مصر، ومنها إلى الجزائر مع لاجئين آخرين مروراً بمالي وأزواد (دولة انشقت عن مالي عام 2012)، حيث أوقفهم قطاع طرق، ثم أطلقوا سراحهم بعد دفع مبلغ من المال.
بعد الوصول إلى الجزائر حاول أمين ثلاث مراتٍ متابعة رحلته إلى إسبانيا، فشلت جميعها. بعدها حاول الوصول إلى المغرب وتعرض ومن معه للاستغلال من مهربي البشر واعتراض قوات خفر السواحل الجزائري.
في النهاية، تمكن أمين من الوصول إلى المغرب عبر مدينة الناظور، وهي مدينة مغربية تطل على البحر المتوسط وتشكل نقطة عبور لمئات المهاجرين الساعين للوصول إلى مليلية (مدينة إسبانية ذاتية الحكم تقع داخل التراب المغربي).
"أعطني وجهاً حديدياً ثم الكمني كما تشاء"، يستذكر أمين هذا المثل وهو يسرد لمتابعيه ما تعرض له من "لكمات وضرب" على أيدي "أفراد الشرطة المغربية"، حسبما يقول.
فمنذ وصوله إلى المغرب، قبل نحو شهرٍ، حاول مرتين عبور البوابة الإسبانية للوصول إلى مليلية، إلا أن قدمه اليسرى كسرت في المرة الثانية، إثر قفزه من أعلى سور حديدي، وهذا ما أخّر تحقيق هدفه في الوصول إلى أوروبا، على حد قوله.
وأوضح أمين في يومياته "عمري واحد وثلاثون سنة، لكنني أبدو عجوزاً يصارع مرض السكري، هذا ليس بسبب جُرح قدمي، إنما بسبب العجز الذي يفتك بمحاولات إكمال رحلتي".
وفي إطار مساعيه لدخول مليلية، ارتدى لباساً مغربياً، وكتب عن ذلك في يومياته: "حاولت أن أدخل مليلية بلبس المطاوعة المغربيين. عندما أوقفني عسكري البوابة المغربي ورأى جوازي اليمني، قال لي: أنت داخل إسبانيا مش داخل على مكة، امشي امشي".
دوّن اللاجئ اليمني أمين تاكي على فيسبوك رحلته إلى "الفردوس الأوروبي" التي استغرقت عامين قبل أن يعلق بالمغرب مكسور القدم مؤكداً أنه مهما طالت الرحلة، وشعر بالإهانة فلن يستسلم.
يصارع اليمنيون الساعون إلى الاستقرار والعيش الكريم في الخارج أهوال التشرد والاستغلال وامتهان الكرامة. إليكم قصة واحدٍ منهم كما دونها عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
انطباعات وأحكام
في يوميات رحلته على فيسبوك، لا يروي أمين معاناته والمعوقات التي تقف في سبيل تحقيق "حلمه" فقط، بل يصف انطباعه عن كل بلد يسافر إليه. فعن سبب خروجه من مصر مثلاً قال: "لم أحتمل الحياة في مصر، كانت وجهتي لها بالخطأ، كل شيء فيها بلا قيمة، حتى الإنسان المسجل في منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
أما الحياة في موريتانيا، فوصفها بأنها "غير مفهومة، مثل اليمن تماماً. لا توجد كهرباء إلا في بعض المنازل والمياه من البئر"، مردفاً "القرى قليلة ومتباعدة والبيوت كذلك. وعند كل قرية صغيرة يوجد مسجد أو اثنان، والفقر ثالثهما".
وعن الفترة التي قضاها في الجزائر، كتب: "تحدثتُ مع الكثير من الأصدقاء والصديقات، بحسن نية، عن المشاكل التي أواجهها في الجزائر. طلبت منهم قروضاً بسيطة، من دون فائدة"، مضيفاً "لا عليك يا صديقي، سأقف معك. هذا ما أسمعه منهم. ثم يحظرون حسابي أو يتوقفون عن الرد على رسائلي. وهكذا تتلاشى كرامتي".
لم ينس أمين الحديث عن حياة اللاجئين الآخرين أيضاً، في يومياته، فكتب: "أبناء بلدي هُنا، لا يعرفون الحقيقة. يجثمون على السجادة، ويُصلّون كي تحملهم أجنحة الملائكة إلى إسبانيا. يتعاطى بعضهم الحشيش حتى موعد أذان الفجر، ثم يذهبون إلى الصلاة في المسجد. يطلب مني أحدهم أن أصلّي معه كي يغشى الله عيون حرس البوابة عنّا"، في إشارة إلى حراس البوابة الإسبانية.
"طالت الرحلة إلى أوروبا، ومع مرور الوقت أصبح الوصول إليها مجرد آمال تافهة، وهذا ليس جيداً"، كتب أمين في يومياته، لكنه رغم مشاعر الإحباط والإهانة وصعوبة الرحلة يشدد على أنه "لن تخور قواي ولن أستسلم بأي حال. ها أنا من الصفر أبدأ المزيد من محاولات الدخول إلى مليلية".
يذكر أن النزاع في اليمن وتدخل التحالف العربي الإسلامي الذي تقوده السعودية فيه، تسببا بحدوث أسوأ كارثة إنسانية في العالم وفق الأمم المتحدة، إذ قتل فيه نحو 10 آلاف شخص. فضلاً عن " 12 مليوناً مهددين بالمجاعة و3 ملايين نازحين وأكثر من نصف مليون لاجئ".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...