"أسرتي رفضت دخولي المجال الفنّي والغناء، لأسبابٍ تتعلّق بأننا عائلة مُحافظة اجتماعيّاً ودينيّاً، هم يرون أن هذا الطريق مُحرّم وغير مقبولٍ اجتماعيّاً، خاصّة في دوائرنا القريبة من العائلة والأصدقاء. " لكن أنا دلوقتي كبرت وقادرة على اتخاذ قراراتي الخاصّة "، تحكي الفنانة "مرام" في مقابلتها لرصيف 22 عن التحدّيات التي واجهتها لتحقّق حلمها في الغناء.
مرام، مغنيةٌ مصريّةٌ نوبيّة (29عاماً)، عملت في مجال الإعلام منذ تخرّجها في العام 2011، تحلم بالغناء منذ صغرها، لكن أسرتها كانت ترفض الأمر تماماً، كان حلمها بالغناء يتهاوى، إلّا أنها نجحت مؤخّراً في تحقيق أحلامها القديمة في السفر والغناء.
ذهبت مرام في رحلةٍ طويلةٍ تجوب قارّة أفريقيا من شمالها إلى جنوبها لمدّة شهرين، وبدأت في تعلّم الموسيقى، وبعد فترةٍ قصيرةٍ طرحت أوّل أغنياتها " حبيبي تعال" من الفلكلور السودني مطلع العام الجاري، وصوّرتها في محافظة أسوان، وحققت مشاهداتٍ عاليّةً وصلت لـ3 مليون على الفيسبوك واقتربت من المليون على اليوتيوب، وتوجت مشوارها منذ أيام قليلة بغنائها "هيلا هيلا" الأغنية الرسمية لبطولة كأس الأمم الأفريقية في القاهرة. |
وقبل إطلاق أغنيتها الأخيرة بأيام، كان لرصيف 22 مقابلةٍ معها عبر البريد الإلكتروني، ذهبت في رحلةٍ قصيرةٍ مع هذه الفتاة الطموحة والتي تقيم حاليّاً في (دبي)، نتعرّف من خلالها على ملامح مشروعها الغنائي وكيف تختلف عن كلّ من سبقوها في تقديم الفلكلور النوبي والسوداني.
في البداية.. أخبريني أكثر عن "مرام " نشأتك ودراستك؟
وُلدت في القاهرة، أنتمي لأسرة فيها، أمي نوبيّة وأبي جعفري من محافظة أسوان (جنوب مصر)، سافرت مع عائلتي التي تعمل في الخليج، وبعد انتهاء دراستي الجامعيّة، عدت مرّة أخرى للعيش بالخليج.
متى بدأ شغفك بالموسيقى.. وكيف تربت أذنك على الاستماع لها؟
أنا باحب المزّيكا من زمان، لكن نظراً لمعيشتي ونشأتي في أسرة ملتزمة دينيّاً، كنت دائماً أستمع وأغني الأناشيد الإسلاميّة، ثمّ عندما كبرت، بدأت أستمع لأنواعٍ مختلفة من الموسيقى، كان استماعي للمزّيكا هو أكثر شيء يجعلني سعيدة في الحياة، كانت تمنحني قدرة وطاقة على مواجهة أكبر مشكلاتي.
هل درست الموسيقى والغناء فيما بعد أكاديميّاً؟
كم تَمنّيت أن يتحقّق ذلك وأدرُس الموسيقى منذ البداية، ولكن كان مرفوضاً في البيت، ولكن من حوالي سنتين، التحقت بمعهد تدريب للغناء في مدينة "دبي" وأتلقّى فيه دروساً حتى الآن.
قرأنا تصريحاتٍ صحفيّةً عن رفض عائلتك للغناء في البداية.. هل تغيّر موقفهم الآن بعد نجاحك وتقديمك الحفلات أم ماذا؟
أسبابهم في الرفض كانت تتعلّق بأننا عائلة مُحافظة اجتماعيّاً ودينيّاً، هم يرون هذا الطريق مُحرّم وغير مقبول اجتماعيّاً خاصّة في دوائرنا القريبة من العائلة والأصدقاء. "لكن أنا دلوقتي كبرت وقادرة على اتخاذ قراراتي الخاصّة، وهم بيحاولوا يتفهّموا ذلك من أجل الحفاظ على الروابط الأسريّة، وأنا علاقتي بهم ممتازة، لكن بين كلّ فترة وأخرى يحرصون على الحديث معي بـإنه كفاية لحدّ كده!".
رغم أن المجتمع النوبي مُغرم بالفنون؛ غناء، رقص، تمثيل وغيره، إلّا أن الأصوات النسائيّة التي خرجت منه تكاد تكون غائبة، ربما نتذكّر "ستونة" ولكن هي سودانيّة نوبيّة ولا تُقدِّم غناءً بقدر ما هو "show" مع طقوس الحنّة.. في رأيك ما السبب؟
البيئة النوبيّة بيئة محافظة جداً، أعتقد لو أنا كُنت عشت وتربيت في النوبة، كنت سأواجه صعوبة أكبر بكثير في أن أتجه للغناء وأسلك طريق الفنّ. المجتمع النوبي يرفض تماماً خروج البنت عن التقاليد وإنها تسافر بمفردها وتغنّي ويكون لها حياة مستقلّة بعيداً عن أسرتها وبدون زوج بالتأكيد!
حبيبي تعال
"حبيبي تعال" كيف تطوّر نجاح هذه الأغنية، من مجرّد "دندنة" على أريكة منزلك تحقّق ملايين المشاهدات على منصّات التواصل الاجتماعي، إلى إنتاج أوّل ألبوماتك في مشوارك الغنائي؟
فعلاً، أنا صوّرت فيديو أغنية "حبيبي تعال" في المنزل قبل سفري بأيام لرحلة طويلة لبلاد إفريقيّة متعدّدة، ولم أتابع بدقّة ردود الفعل التي حققتها الأغنية على مواقع التواصل، إلى أن فوجئت بعد أيّام باتصال المنتج "ميدو منيب" وأخبرني بمتابعته للحالة الذي صنعها الفيديو ورغبته في التعاون وإنتاج ألبوم كامل لي. وعندما عُدت بعد شهرين، تقابلنا وطلب تصوير "حبيبي تعال" كـ single ثم نعمل على التحضير لباقي أغنيات الألبوم، وقد كان.
هل توقعت كلّ هذا النجاح التي حقّقته الأغنية؟
حقيقي لم أتوقّع كلّ هذا النجاح ولكن "كنت بتمّناه"، والحمد لله حصل.
عن اختيار أغنية "حبيبي تعال"، ألم تخافي أن تضعك في مقارنة مع الفنّانة السودانيّة " السارة" التي اشتهرت بغنائها؟
(بحسم تردّ) لأ، لم أخف من هذه المقارنة، لإن في النهاية "حبيبي تعال" أغنية فولكلوريّة، قامت بغنائها سيّدات كثيرات، وأنا أغنّيها بتوزيعٍ موسيقيّ مختلف عن توزيع "السارة"، وهذا لا يتعارض مع حبّي للسارة وللمزيكا التي تُقدّمها. "لكن لم أخشَ هذه المقارنة ولا أفكّر بهذا الأسلوب عموماً، أنا بعمل الحاجة التي أحبّها ولا أشغل ذهني بردود الفعل عادةً!"
ولكنّك واجهت هجوماً من الجمهور السوداني بعد طرح الأغنية، ما جعلك تكتُبين منشوراً للتوضيح على حسابك الرسمي بالفيسبوك؟
الجمهور السوداني جمهور مُحبّ جدّاً لثقافته ومتمسّك جدّاً بها، والبعض رأى "لماذا أنا كمصريّة أغني سوداني؟!"، خاصّة إني تعمّدت عدم الغناء باللهجة السودانيّة، فاعتبروا ذلك تشويهاً للغة والثقافة السودانيّة، ولكن مثلما هناك أشخاص عارضت، هناك من أحب الأغنية، مثل أي شيء في الحياة، لا تجتمع كلّ الآراء على أحد. وأنا لم أشعر بالغضب أو الضيق من الآراء المعارضة، سأظلّ أحُبّ الغناء السوداني جداً، وعندما قدمت حفلاتي، كان البرنامج يتضمّن الكثير من الأغاني السودانيّة، وكان يحضر الكثير من الجمهور السوداني، "وكانوا مبسوطين الحمد لله".
"المجتمع النوبي يرفض تماماً خروج البنت عن التقاليد وإنها تسافر بمفردها وتغنّي ويكون لها حياة مستقلّة بعيداً عن أسرتها وبدون زوج" مرام عن عقبات مشوارها الفني من حفلة الساقية إلى كأس أفريقيا 2019
هل صرّحت فعلاً برغبتك في التعاون الفنّي مع "السارة"؟
لأ.. هذا غير صحيح.
هناك عدّة أسماء تُغنّي الفلكلور النوبي والسوداني، ما الذي يميّز مشروع المطربة "مرام" عن كلّ ما يُقدّم؟ صِفي لنا ملامح مشروعك الفنّي؟
أنا بحبّ الفولكلور النوبي والسوداني جداً، وسبب غنائي في الحفلات هذه النوعيّة من الأغاني هو عدم وجود أغانٍ تخصّني حتى الآن، ولكن مشروعي إفريقي بشكلٍ عام، لأني بحب المزيكا الإفريقيّة.. كانت رحلتي للبدان الأفريقيّة مثل اثيوبيا، تنزانيا، جنوب إفريقيا وأوغندا وغيرها من البلاد، من أجل المعرفة والاطلاع على موسيقى هذه البلدان وما يمتلكونه من آلات موسيقيّة مميّزة، والتي أرغب في توظيفها من أجل تقديم أغانٍ مختلفة تماماً عن الموسيقى السائدة في مصر.
لاحظت حرصك على ارتداء أزياء تعكس هويّتك النوبيّة الجنوبيّة، سواء التي ظهرتِ بها في الكليب أو الحفلات، حدّثيني عنها، هل هي من تصميمك أم تتعاونين مع مصمّمٍ معيّن؟
ملابسي فيها الألوان الإفريقيّة بشكل عام وليس النوبيّة فقط، كانت الملابس في الكليب بعضها من صنع سيّدات إفريقيّات بسيطات جداً، وكان هناك فستان من صنع "Brand" مصري مهتمّ بالملابس الإفريقيّة.. وبصفة عامة، بحب جداً الألوان واللوك الإفريقي، وأشعر إنه أكثر look يليق عليّ، لذا أحياناً أتفق مع مصمّمات مصريات لتنفيذ أزياء خاصّة لي، ومرّات أتولّى مهمّة الشراء من محلّات معينة بتعرض كوليكشنز إفريقيّة.
أول حفلة: مكسوفة!
شاركت الجمهور في أولى حفلاتك من خلال مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة (الدي كاف) في نسخته الثامنة، ما الذي يمثّله هذا المهرجان في خطواتك الفنيّة؟
خطوةٌ هامّةٌ وجميلةٌ جداً أن تكون أولى حفلاتي من خلال مهرجان كبير ومهمّ مثل (الدي كاف)، وسُعدت جداً باتصال الأستاذ محمود رفعت منسّق برنامج المهرجان وعرضه تقديم حفلتي الأولى معهم، وقد كان.
"لم أعرف جيداً كيفية التفاعل مع الجماهير، (تضحك)، كلّ ما يصفقوا أنظر للجهة الثانية أو أعطيهم ظهري لإني مكسوفة" مرام النوبية صاحبة الأغنية الرسمية لكأس أفريقيا 2019 عن تجربتها الأولى.
احكِ لنا عن كواليس الاستعداد لأوّل حفلة لكِ، إحساسك ومخاوفك من مقابلة الجمهور؟
بلا شكّ كنت في غاية القلق، كنت أوّل مرّة أغني لايف مع فرقة كبيرة مثل التي كانت معي على المسرح، وكلّهم موسيقيين كبار وأسماء قويّة، لم أرغب في خذلانهم، ولا في خذلان الشركة المنتجة التي وضعت ثقتها الكبيرة فيّ، لكن بمجرّد صعودي على المسرح وغنائي أوّل أغنية وشاهدت تفاعل الجمهور وتصفيقه، انبسطت جداً وتمكّنت من الغناء والرقص بحرية من غير خوف.
ومالذي اختلف بين حفلة (الدي كاف) وثاني حفلاتك في ساقية الصاوي (مركز ثقافي)، وهل الجمهور فَضّل سماع أغانٍ معينة؟
في حفلة (دي كاف) لم أعرف جيداً كيفية التفاعل مع الجماهير، (تضحك)"كلّ ما يصفقوا أنظر للجهة الثانية أو أعطيهم ظهري لإني مكسوفة"، لكن في حفلة الساقية تواصلت أكثر مع الجمهور وصار بينا تفاعل وكلام وضحك وكانوا يطلبون أغنيات معيّنة. والجمهور مرتبط بأغنية "حبيبي تعال" فقمت بغنائها مرّتين في حفلة الساقية، وكان متواجد جمهور سوداني فطلبوا مني أغنّي لهم لكي يرقصوا، وقد كان. "حبّيت جداً حفلة الساقية لإني تواصلت فيها مع الجمهور بشكل أكبر".
أحمد منيب أبونا الروحي
اخترتِ في هذه الحفلة الغناء لأحمد منيب، الفنان السوداني شرحبيل أحمد ومحمد حمام.. ما الذي تمثّله لك هذه الأسماء فنيّاً؟
على المستوى الشخصي كلّ اسم فيهم بيمثّلي شيء مختلف، الفنان "شرحبيل أحمد" أنا مُغرمة جدّاً بمزيكته وصوته الرايق البسيط، أما "محمد حمام" كان من المطربين المفضلين عند أبي، وكان يجعلني أستمع معه لأغانيه، لذا أحبّه جدّاً لإنه مرتبط بذكريات حلوة، وعلى المستوى الفني هو شخص مظلوم جدّاً فنيّاً لإن صوته وأغانيه من أجمل ما يكون، وأخيراً "أحمد منيب" هو الأب الروحي لكل شخص في دمه العرق النوبي.
أنت في دبي الآن.. هل تُحضّرين لعمل جديد أم هناك حفلة لك؟
أنا بعمل في دبي Content Creator لإنه مازال ليس هناك عائد مادي من المجال الفني، لذا بعمل في مجال آخر حتى الآن (تضحك).
ماهي خططك القادمة.. هل ستتعاونين مع شعراء نوبيين أو سودانيين جُدد في التحضير للألبوم؟
سنبدأ عمل وتحضير الألبوم فور عودتي لمصر، ونحاول أن تكون اختياراتنا للكلمات والألحان مختلفة ونُقدّم فيها موضوعات ومزيكا متنوّعة.. وهذا صعب إلى حدٍّ ما، لإن السكّة الجنوبيّة والإفريقيّة مازالت نادرة في مصر، لكن نحاول الوصول لأفضل الاختيارات الممكنة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...