في المرّة الأولى التي بدأت أغنّي فيها لطفلي "يالله تنام ريما"، فقط عندها فكّرت بكلماتها: "يالله تنام يالله تنام/ لدبحلك طير الحمام".. وتوقّفت فوراً عن الغناء، كيف أغنّي لطفلي عن ذبح الحمام؟! والخطف؟!
ابتداءً من تهليلة "يالله تنام ريما"، مروراً بقصص الأطفال المكتوبة والبرامج المخصّصة لهم، والتي يتابعونها على شاشة التلفاز أو مواقع الإنترنت، هل نحن بالفعل نعرف ما الذي يقرؤه أبناؤنا في هذه القصص؟ وما نوعية المعلومات والرسائل الموجهة إليهم في البرامج التي يشاهدون؟! ومدى تأثيرها عليهم وعلى أفكارهم ومشاعرهم وانفعالاتهم؟!
أما قنوات الأطفال التي كلّ محتواها رقص وغناء وألوان سريعة تتحرّك دون معنى، فقد أكّدت الدراسات أنها تفصل الأطفال عن الواقع وتعطّل قدراتهم العقليّة والجسديّة.
ربما نشعر براحةٍ كبيرةٍ عندما نتخلّص من إزعاج الأطفال وشكاويهم التي لا تتوقّف عن طريق برامج الأطفال، لأننا تلقائياً ودون تفكير مقتنعون أنها آمنة كونها مخصّصة لهم، أو عندما يجلسون لقراءة قصّةٍ نشعر بسعادةٍ غامرة أنهم يقرؤون ويتعلّمون، لكن في الحقيقة يمكن لهذه البرامج والقصص المكتوبة أن تشكّل خطراً على الأطفال، مثلها مثل أيّ برنامجٍ عنيفٍ موجّهٍ للبالغين، حيث تظهر في بعضها أفعالٌ عنيفةٌ وعدوانيّة يمكن أن يقلّدوها وتسبّب لهم الخوف، كما يتمّ أحياناً تمرير معلوماتٍ دينيّةٍ أو توجيهاتٍ اجتماعيّة لا تُناسب القواعد الأسريّة أو الطريقة التي يرغب الأهالي في تربية أطفالهم عليها.
بعض البرامج التي كانت رائجةً في فترة التسعينيات (رغم أنني لم أتابعها إلّا مؤخّراً لأعرف إن احتوت على أي مما ذكرته سابقاً) تمّت دبلجة بعضها مجدّداً من قبل بعض الشركات، بشكلٍ عشوائي، متضمنةً توجّهات معيّنة، يتمّ تلقين الأطفال عبرها بعض العبر والمعلومات التافهة والخاطئة أحياناً، برنامج "هايدي" مثلاً تمّت إعادة دبلجته مؤخّراً، وخلال متابعتي لإحدى الحلقات "أخبرت طفلة في الحلقة والديها عن رغبتها بكتابة الشعر، فيكون ردّ الأم أن ابنتها في الآونة الاخيرة لم تتوقّف عن ابتكار الأفكار السخيفة"، بالإضافة إلى عدّة معلوماتٍ متناقضةٍ وجملٍ سخيفة لا جدوى من ذكرها، ربما علينا متابعة هذه البرامج مع أطفالنا، أو على الأقل تبادل الآراء مع أهالٍ آخرين حول بعض البرامج التي يمكن بثقةٍ أن نترك أطفالنا يتابعونها.
تنميط دور المرأة في برامج وقصص الأطفال
عدا عن العنصريّة في برامج وقصص الأطفال، والتمييز وتنميط دور المرأة من خلال مشاهد الأم التي تقضي يومها تطبخ وتغسل، أو البنت التي تحلم أن تصبح معلّمةً والصبي الذي يحلم أن يكون بطلاً في أحد المجالات، وتصوير الآباء الأقوياء الذين لا يحزنون ولا يبكون ولا يُصيبهم الاكتئاب، وقصص الأميرات والأمراء التي لم يعد لها وجود على أرض الواقع، والسخرية من الأطفال الملوّنين أو المعاقين والمنبوذين، هؤلاء الأطفال الذين يبذلون جهداً مضاعفاً عن باقي الأطفال ليتمّ قبولهم اجتماعيّاً واللعب معهم، وتتمّ المبالغة في التركيز عليهم، حيث لا تُعامَل هذه الحالات كجزءٍ من السياق الطبيعي للحياة، بل غالباً هم محور القصة والحدث الرئيسي فيها، ودائماً ما يتمّ الحديث عن الأطفال السعداء والأصحّاء، لا وجود للحزن والحروب والمعاناة والفقر والمرض والهجرة، أي لا وجود للواقع غالباً في المواضيع الموجّهة للأطفال، كما لا وجود للكبار الذين يخطئون ويقدّمون الاعتذارات للأطفال، بل دائما الكبار هم منبع المعلومات والأطفال هم من يجب أن يقدّم الاعتذارات.
خطورة تعرّض الأطفال للشاشات
لا يتوقّف الأطباء والأخصّائيون عن تذكيرنا بعدم تعريض الأطفال تحت سنِّ الثانية لأيِّ نوعٍ من الشاشات، ولا حتى مشاهدة برامج الأطفال، واستبدالها بالاستماع إلى الموسيقى، أو إشغال الطفل بصورٍ حقيقيّةٍ ملوّنةٍ مصنوعةٍ من الورق أو الكارتون، وما فوق سنِّ الثالثة يمكنه متابعة هذه البرامج لمدّة ساعة إلى ساعتين باليوم، ولكن يجب تقسيمها لعدّة فترات خلال اليوم، لأن تداعيات الجلوس أمام الشاشات أعمق وأوسع مما نعتقد.
أما البرامج التي يتابعها الأطفال دون الثانية عشرة معنا، والتي أساساً ليست موجّهة لهم فهي الأكثر خطورة، حيث يرى الأبناء عادات الطعام السيّئة، ومشاهد العنف التي تزيد من عدوانيّتهم مع الوقت، حيث غالباً ما تمرّ مشاهد من هذا النوع على شاشة التلفاز مصحوبةً بالدعابة، وفي أكثر الأحيان تمضي دون عقاب الجاني، نادراً ما يتمّ تصوير العواقب والمعاناة والخسارات البشريّة.
ربما الزمن الذي كنا نشاهد فيه قصصاً بسيطةً قائمةً بذاتها لمدّة ساعة مثلاً، يتمّ خلالها عرض نزاعٍ وحلّه بشكلٍ نظيفٍ وسلميٍّ ونهائي في آخر الحلقة، قد انتهى.
في المرّة الأولى التي بدأت أغنّي فيها لطفلي "يالله تنام ريما"، فقط عندها فكّرت بكلماتها: "يالله تنام يالله تنام/ لدبحلك طير الحمام".. وتوقّفت فوراً عن الغناء، كيف أغنّي لطفلي عن ذبح الحمام؟! والخطف؟!
ربما نشعر براحةٍ عندما نتخلّص من "إزعاج" الأطفال الذي لا يتوقّف إلا عن طريق برامج الأطفال، لأننا تلقائياً ودون تفكير مقتنعون أنها آمنة كونها مخصّصة لهم، لكن في الحقيقة يمكن لهذه البرامج أن تشكّل خطراً عليهم!
عدا عن العنصريّة في برامج وقصص الأطفال، والتمييز وتنميط دور المرأة من خلال مشاهد الأم التي تقضي يومها تطبخ وتغسل، وتصوير الآباء الأقوياء الذين لا يحزنون ولا يبكون ولا يُصيبهم الاكتئاب!
أما قنوات الأطفال التي تبثُّ أربع وعشرين ساعة في اليوم، والتي كلّ محتواها رقص وغناء وألوان سريعة تتحرّك دون معنى، فقد أكّدت الدراسات أنها تفصل الأطفال عن الواقع وتعطّل قدراتهم العقليّة والجسديّة، جاء في دراسةٍ أشرف عليها مشفى الرازي في تونس، أن مدى تأثير قنوات الأطفال التي تركّز على الموسيقى والرقص والغناء، يؤثّر سلباً على حاسة السمع وتسبّب التشويش الذهني، وذكرت أن استماع الأطفال إلى نفس الأغاني التي تتكرّر على مدار اليوم يسبّب أزماتٍ نفسيّةً وتأثيرات مباشرة على قدراتهم الذهنيّة، محذّرةً من خطورة إدمان الأطفال على هذه المحطات، فالساعات التي يقضونها أمام الآيباد وشاشات التلفاز والكومبيوتر، تنعكس على شكل اضطرابات في نومهم وزيادة وزنهم وتحصيلهم الدراسي وسلوكهم اليومي.
لا نستطيع أن نمنع الأطفال من مشاهدة برامج الأطفال بالتأكيد، لكن كلّ ما نستطيع فعله حيال ذلك، ربما تقديم ملاحظات ومناقشتهم فيما يشاهدونه وإفساح المجال لهم ليعبّروا عن آرائهم ومشاعرهم، ونقد ما يرونه أيضاً، كي نحاول حمايتهم، قدر الإمكان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...