شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
شرفي ليس

شرفي ليس "نقطة دم": بين حبّ الجلّاد والخوف من العائلة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 16 أبريل 201904:39 م
Read in English:

‘I think it’s best if you don’t tell anyone’: how Arab men get away with domestic violence


"أنا بقول أحسن ما تخبّري حدا، كرمالك وكرمال أهلك" جملةٌ نسمعها في كل مرّة نتعرّض كنساءٍ لموقف تحرّش، إهانةٍ، اعتداءٍ لفظي-جسدي أو حتى جنسي. هكذا حال مجتمعنا، لقد تربينا على هذه الأفكار البالية وأصبحت هاجساً لنا، ليس قناعة ولا ثقة، بل خوفاً من نظرة المجتمع وأحكامه المسبقة.

سأسمح لنفسي أن أخبر قصّة "لبنى" (اسم مستعار)، إحدى الصديقات المقرّبات التي أرادت مشاركة قصّة علاقة عاشتها ودامت سبع سنوات، علاقة ممزوجة بالعنف. سنوات لم تخترها ولم تستطع إنهاءها بسهولة، خوفاً من جملة كان يردّدها شريكها آنذاك على مسمعها: "بتتذكّري صورتنا بالتخت؟! إي، ضلّي تذكريها". هو من يدّعي التحرّر ويتفاخر بقيّمه الاجتماعيّة، ولكن هو المتحرّر "العرص" الذي يتلطّى وراء ترندات "الرجل المتحرّر"، "الرجل النسويّ" و"المدافع بشراسة عن حقوق المرأة"!

 "بتتذكّري صورتنا بالتخت؟! إي، ضلّي تذكريها". هو من يدّعي التحرّر ويتفاخر بقيّمه الاجتماعيّة!

لم تكن "لبنى" قد أتمّت عامها الثامن عشر يوم التقت به صدفة. وتتابع: "لم أكن أعلم أن تلك اللحظة ستليها سبع سنواتٍ يمتزج فيها الحبّ مع العنف وجميع أنواع الابتزاز. حين أطفأها في وجهي لأوّل مرة، آلمني حرق السيجارة كثيرًا، ثمّ تعوّدت. أصبح جسدي النحيل منفضة لإطفاء سجائره. أطفأ السيجارة على خدي الأيسر، فانهالت دموعي لتخفّف لهيب الحريق. ثمّ اعتذر."

بعدها، ذهبت "لبنى" برفقته إلى الصيدليّة، حيث أخبر العاملين بأنها وقعت وأحرقت وجهها عن طريق الخطأ. ابتسمت "لبنى" لهم، أخذت المرهم، أمسك بيدها، وعادا إلى البيت سويةً. أجبرت "لبنى" نفسها أن تصدّق اعتذاره وتقتنع به. وتضيف: "فأنا أحبّه وهوي شربان شوي زيادة... كيف لا أحبّه؟ هو نفسه من قرّرت أن أفقد عذريتي معه! كابنة ثمانية عشر عام، لم أفكّر بغير ذلك".

مضت الأيام وتطوّرت أساليب العنف، من إطفاء السجائر إلى تسديد الصفعات، ثمّ انتقلا الى مرحلة حلبة المصارعة، الفرق الوحيد أن فيها لاعبٌ واحدٌ يضرب، ويضرب، ويضرب، ثم يتعب ويتوقّف. مثل كل الحلقات في مسلسل العنف، تنتهي بالاعتذار والجملة الشهيرة لرجل يعنّف امرأة: "لم أستطع أن أسيطر على نفسي".

"لم تكن لدي الجرأة للابتعاد عنه"، تقول "لبنى". وتواصل: "استمرّيت لثلاث سنوات في دوّامة الخوف. أحببت جلّادي، حوّلته إلى سجّاني، وأصبحت عند كلّ صفعة، أجد له مبرّراً جديداً. نعم، فقد كنت أخاف التهديدات. إذ قرّرت الابتعاد سيخبر أهلي عن علاقتنا الجنسيّة، وأنا لا أستطيع تحمّل وزر هذا الموقف. نحن عائلةٌ محافظةٌ، الجنس خارج إطار الزواج غير مقبول، العلاقات الجنسيّة خارج إطار البيت الزوجي خطيئة، وطبعاً الأهمّ هو: شو رح يقولو العالم عن بنتهن".

 أخبرتهم أيضاً أنّني لست "عذراء" وأن علاقتي الجنسيّة معه هي التي منعتني من الرحيل عنه بحجّة "ما بدي جرّص أهلي.".

قرّرت "لبنى" أن تتعايش مع فكرة أنه يحبّها، ولكنه لا يستطيع السيطرة على ردّات فعله. أدمنتْ الكحول، فكان المهرب الوحيد كي تنسى أوجاعها.

في مسلسل السبع سنوات، لا تنسى "لبنى" الحلقة الأقوى، عنها تقول: "اجتمعنا في المنزل مع بعض الأصدقاء، تبادلنا الأحاديث، ضحكنا، وقرابة الثانية بعد منتصف الليل قرّروا المغادرة. أوصلهم هو إلى مدخل البناية، وحين عاد وجد المصعد عند طابق منزلنا، صدقاً حتى هذه اللحظة لا أعلم ما الذي حصل له. أتذكّر فقط كمية الضرب المبرّح الذي انهال عليّ به، بحجّة أنّني أحاول إغاظته. ربما أتذكّر تلك الجملة: "طلبتي الأسنسور كرمال تعصبيني؟"

في ذاك البيت المؤلّف من ثلاث غرف للنوم، قرّرتْ "لبنى" الاختباء في مكان مظلم بين الخزانة والحائط كي لا يراها. غفت هناك من التعب والضرب، وهو سقط في سباتٍ عميقٍ من كثر شرب الكحول. استيقظت "لبنى" صباحاً، وإذ بجسدها يزهو بألوان قوس قزح. لم تستطع أن تنظر إلى المرآة لأكثر من دقيقة واحدة. عندها، ولمرّة وحيدة خلال سبع سنوات، كانت هي من يعتذر منه: "قبّلته على جبينه وكانت قبلة الوداع"، قالت.

وتتابع: "سبع سنوات من الخوف والقلق والوجع، قرّرت أن تنتهي. قرّرت أن أخبر أهلي أنّ حزني الذي يسألوني عنه منذ سنوات سببه علاقتي العاطفيّة الممزوجة بالعنف. أخبرتهم أيضاً أنّني لست "عذراء" وأن علاقتي الجنسيّة معه هي التي منعتني من الرحيل عنه بحجّة "ما بدي جرّص أهلي.".

وختمت حديثنا: "لم أكن أعلم أنّهم سيحتضنونني بهذا الحبّ، لم أكن أعلم أنّهم سيقفون إلى جانبي. ربما لو علمت بذلك لوفّرت على نفسي سنوات من الوجع العذاب".

"أنا بقول أحسن ما تخبّري حدا، كرمالك وكرمال أهلك" جملةٌ نسمعها في كل مرّة نتعرّض لموقف تحرّش لفظي-جسدي أو حتى جنسي. هكذا حال مجتمعنا، لقد تربينا على هذه الأفكار البالية وأصبحت هاجساً لنا.

مضت الأيام وتطوّرت أساليب العنف، من إطفاء السجائر على جسدها إلى تسديد الصفعات. مثل كل الحلقات في مسلسل العنف، تنتهي بالاعتذار والجملة الشهيرة لرجل يعنّف امرأة: "لم أستطع أن أسيطر على نفسي".

هل يعلم أولئك الذين نعيش بينهم أنهم لو يترفّعون عن تقاليدهم البالية، وعاداتهم المقرفة وأحكامهم المسبقة، لربّما كان عدد ضحايا التعنيف والاغتصاب والقتل و"جرائم الشرف" أقلّ بكثير؟ هل يعلم المجتمع الذي نعيش فيه، أننا نحن "النساء" لدينا الحقّ بالتصرّف بجسدنا وطريقة عيشنا؟ هل يعلم المجتمع الذي نعيش فيه، أنه لولا وجود هذه العادات والتقاليد لكنا انتفضنا وقلنا:

أنا أتعرّض للتعنيف!

أنا أتعرّض للاغتصاب!

انا أتعرّض للتحرّش!

لقلناها دون خوف أو قلق.

ارحمونا، أوقفوا أشعاركم وشعاراتكم، نحن هنا نعاني من طغيان أفكاركم البالية الساقطة، لأن شرفي ليس "نقطة دم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image