شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
يوميّات السودان: عن انضمامي أخيراً إلى الثوار وحتى عزل البشير وما بعده

يوميّات السودان: عن انضمامي أخيراً إلى الثوار وحتى عزل البشير وما بعده

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 13 أبريل 201903:50 م

اعتدنا أن ننتظر جدول الأعمال الثوريّة ليلة السبت من كلّ أسبوع، يُعدّه تجمّع المهنيّين السودانيّين، وينشره عبر حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي. في نهاية يوم الخميس 28 آذار/ مارس وجدنا الجدول يمتدّ لأربعة عشر يوماً، عوضاً عن سبعة أيام كالمعتاد، وينتهي بموعد مهمّ هو السادس من أبريل، ذكرى الإطاحة بنظام جعفر نميري (الرئيس الرابع لجمهورية السودان).

يمكنني وصف الفترة من 5 أبريل وحتى كتابة هذا المقال، ليلة 13 أبريل، بمرحلة النوم المتقطّع والترقّب. الأحداث تتسارع بحيث أن 4 ساعات نوم متواصلة هي ترف للثوّار وللنظام، تنتقل الكرة بين الطرفين بسرعة تُتعب أي متفرّج.

6 أبريل.. تتمّة الحظ

مهما بلغ تفاؤلك فإن ما حدث في 6 أبريل يفوقه. كانت الخطّة أن تجتمع كلّ لجان أحياء الخرطوم الثوريّة، مع سكّان المدن والقرى المجاورة، والتوجّه في ثلاثة مواكب، تلتقي جميعها في شارع مبنى القيادة العامة للقوّات المسلّحة السودانيّة.

بعد إعلان الاعتصام، توافد الناس، خاصّة أولئك الذين لم يشاركوا في المظاهرات من قبل

تمّ الحشد بكثافة للموكب، وحدّثتني نفسي الخائفة أنه يوم خطير، حتى أنني حاولت ثني صديقتي عن الخروج قائلة: "إنت اعتُقلت قبل كده، المرّة دي حيحبسوك كتير". ثباتها على موقفها هزّني، بهية وصديقتي الشجاعة هما من ألهمتاني، وقرّرت الانضمام للثوّار أخيراً.

بعد التنسيق سرت في الموكب الأقرب للهدف، ووصلت مبكّرة في تمام الواحدة ظهراً، كانت الدعوة تقول: "فلتكن مليونيّة!"، وقد كانت. متظاهرون كثرٌ أتوا من الخرطوم، وأم درمان، وبحري، ومن خارج العاصمة.

بداية الاعتصام

سألت الفتاة التي رافقتها إلى مليونيّة 6 أبريل: "هل سنعتصم؟" وبدت واثقة من الأمر، بعد 3 ساعات من الهتافات، تمّت محاولة فضِّ الجموع بغازٍ مسيلٍ للدموع، وانقسمنا لشقّين: شقّ لجأ للجيش واحتمى داخل أسواره وشقّ هرب كيلا يختنق، كلّ حسب موقعه وقربه من الغاز الخانق.

أولئك اللذين اختبؤوا هم نواة الاعتصام، فبمجرّد خروجهم من خلف الحواجز، قرّروا أنهم لن يرحلوا حتى يسقط النظام، فقد تأكّد لنا تلك اللحظة، أن الجيش يقف إلى جوارنا، على الأقل هم لم يُفسحوا مجالاً لقوّات الأمن كي تستمرّ بإطلاق الغاز المسيل للدموع، أو أن تقتحم شارع الاعتصام.

الاعتصام والإضراب العام

حظّي الجيد الذي جعلني أكون في موكب 6 أبريل أستمرّ، بحيث نجوت من الاختناق بعد أن شدّتني صديقتي، وركضنا حتى انقشع ضباب دخان الغاز المسيل للدموع. طريق العودة للمنزل كان محفوفاً بالتوجّس، فخارج حدود شارع قيادة الجيش، وجدنا قوّات الأمن في كل مفرق وقد اعتقلوا المئات، أظن أنني محظوظة حقاً.

بعد إعلان الاعتصام، توافد الناس، خاصّة أولئك الذين لم يشاركوا في المظاهرات من قبل، إلى شارع رئاسة الجيش، والذي يقع بالقرب من لقاء النيليْن، في مكان يجعله قريباً لأجزاء العاصمة المثلّثة كلّها: الخرطوم، أم درمان وبحري.

انتقل الحراك من مظاهرات شبه يوميّة في الأحياء، ومواكب مركزيّة كل خميس وأحد بأعداد متفاوتة، إلى مركز غضبٍ واحدٍ يحتلّه ملايين، خسر النظام المتردّدين والخائفين، وحتى المحايدين تركوا حيادهم وشاركوا بتزويد الاعتصام بالمياه والأطعمة.

تحوّلت مذكّرة التنحّي التي يحاول المحتجّون إيصالها للقصر الرئاسي منذ أربعة أشهر، إلى خطابٍ للجيش وهتافٍ باسمه: "جيشٌ واحد.. شعبٌ واحد". ثمّ أعلن تجمّع المهنيين السودانيين، قائد ثورتنا، عن إضراب مفتوح وعام حتى إسقاط النظام، مع الاستمرار في الاعتصام حتى النصر.

تمّ الحشد بكثافة للموكب، وحدّثتني نفسي الخائفة أنه يوم خطير، حتى أنني حاولت ثني صديقتي عن الخروج قائلة: "إنت اعتُقلت قبل كده، المرّة دي حيحبسوك كتير". ثباتها على موقفها هزّني، وقرّرت الانضمام للثوّار أخيراً.

انتقل الحراك من مظاهرات شبه يوميّة في الأحياء، إلى مركز غضبٍ واحدٍ يحتلّه ملايين، خسر النظام المتردّدين والخائفين، وحتى المحايدين تركوا حيادهم وشاركوا بتزويد الاعتصام بالمياه والأطعمة.

غداً نعرف ماذا يخبئ لنا برهان ومن معه، إمّا أن ينفّذ مطالبنا ويتّفق مع قوى إعلان الحرية والتغيير، الممثلة في تجمّع المهنيين السودانيين والأحزاب والجهات الموقّعة عليه، أو فإنه سيسقط كسابقيه.

شارع الاعتصام المحرّر

جعل التدريبُ على العمل الثوري، تطويرَ لجان الأحياء وتحويلَها إلى لجان تنظيمٍ وحمايةٍ وتمويلٍ للاعتصام، بمثابة أمر يسير.

دخلت شارع الاعتصام من جهتين، في أيام مختلفة الأسبوع الماضي، أوقات النهار وكذلك الليل. شارع الاعتصام أصبح على هيئة سودان الغد، يحكمه الثوّار ويحميه الجيش، في داخله وجدنا تعدّدنا الثقافي والعرقي، وتوحّد الهدف، ومحبّة الوطن التي تتشكّل في أذهاننا.

عند مداخل شارع الاعتصام، تقف لجان تفتيش مكوّنة من شباب وشابات، يتأكّدون من عدم وجود أسلحة مع القادمين. تعبر حواجز المداخل التي صُنعت بمهارات المتظاهرين التي اكتسبوها من التجربة، خلال مناورات مظاهرات الأحياء، لتقي المعتصمين شرَّ جهاز الأمن والشرطة وكتائب حماية النظام، هذه الحواجز تمنع دخول سيارات التي قد تحاول فضّ الاعتصام.

مع الانقطاع عن العمل التزاماً بالإضراب، كنت قد عاهدت نفسي أن أكون في ساحة الاعتصام كلّ يومين، وأوّثق ما يمكنني توثيقه، فبعد طرد مراسلي القنوات الفضائيّة وإغلاق مكاتبهم، كان حلّنا هو أن نعمل بجدٍّ لإيصال صوتنا للعالم بمفردنا.

وقد نجحنا بذلك، فمشاهد الاعتصام عبر الشاشات أكّد للعالم جديّة ثورتنا. بات معلوماً انحياز الجنود للشعب، فرغم أن الجيش في قمّته يساند النظام، فإنه في فروعه يحضن الثورة. وتبادل الثوّار مع الجنود أطراف الحديث، وشاركوهم همّ الوطن، ثم دافعوا عنهم في ليلتين، حاولت فيهما قوّات الأمن فضّ الاعتصام بالقوّة، وسقط شهداء منا ومن الجنود، ما أدى لاندماج المصير أكثر.

11 أبريل: سقوط البشير

عدت للمنزل ليلة الحادي عشر من أبريل، مرهقة بعد ساعات من السير داخل شارع الاعتصام الطويل، أيقظتني أمي في الخامسة صباحاً، قائلة: "الجيش دخل مبنى الإذاعة والتلفزيون وهنالك بيان بعد قليل".

بحذرٍ من استعجال الفرح، وقد أدركني تعب الجسد أيضاً، جلست أتابع تطوّر الأحداث في المنزل، بينما مضت أختي وزوجها وأخي وأسرته وملايين السودانيين إلى مبنى القيادة للاحتفال بالنصر، ها هم يخبروننا أنهم يلقون القبض على رؤوس الشرِّ!

بعد 7 ساعات من الترقّب، سقط البشير، بعد بيان ألقاه نائبه الأوّل ووزير الدفاع، سيء الصيت، عوض بن عوف.

الانقلاب واستمرار الثورة

تلاشى فرح الجماهير: نحن أسقطنا البشير لكن النظام لم يسقط بعد، حسب تعبير تجمّع المهنيين السودانيين. بكيت كثيراً قهراً وكدت أكفر بالتغيير.

الجيّد أن الشعب قد أدرك الخدعة فوراً واستمرّ الاعتصام، وزاد واستنسخ منه اعتصامات في مدن رئيسيّة في الأقاليم، كمدينة مدني وميناء بورسودان.

تصاعد الهتاف: "شالوا حرامي وجابوا حرامي.. وزي ما سقطت تسقط تاني"، خاصّة مع نشر التاريخ السيء لابن عوف، مع إيجاد حلقات التشابه بينه وبين البشير.

12 أبريل: تنحّي ابن عوف

عند صباح الجمعة 12 أبريل، حضر السودان إلى ميدان الاعتصام بجلابيّة بيضاء، ليصلّي صلاة الجمعة وصلاة الغائب على شهداء الوطن والحريّة، وكان قد التفّ الأقباط حول المسلمين لحمايتهم.

كنا نستعدّ لأسابيع من الاعتصامات في كلّ المدن الكبرى، وبالتالي لن نعود دون تحقيق مطالبنا، لم نتصوّر أن يسقط البشير بعد أسبوع فقط من الاعتصام.

مئات الشائعات وبعض التسريبات يتبادلها الناس في انتظار الخطوة التالية للنظام، بوجهه الجديد من ابن عوف وكمال معروف، المؤكّد فقط أن جنود الجيش أخبروا المعتصمين أن بياناً آخر سيُعلن. وقد نوّه التلفزيون القومي أن بن عوف سيلقي بياناً. قبل ذلك بساعات، عقد المجلس العسكري الانقلابي مؤتمراً صحفياً أكّد فيه أن ابن عوف امتداد للبشير.

أو يسقط كسابقيه

في العاشرة مساءً أعلن بن عوف تنحيه، وأقسم الفريق عبد الفتاح برهان على تسلّم قيادة المجلس الأمني. هذه المرّة تخليت قليلاً عن الحذر، وغمرني شعور طيب ومبهج، وخرجت للاحتفال بإسقاط رجلين في 24 ساعة.

غداً نعرف ماذا يخبئ لنا برهان ومن معه، إمّا أن ينفّذ مطالبنا ويتّفق مع قوى إعلان الحرية والتغيير، الممثلة في تجمّع المهنيين السودانيين والأحزاب والجهات الموقّعة عليه، أو فإنه سيسقط كسابقيه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image