شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الوصفة السحريّة للسعادة: لا تكن سعيداً

الوصفة السحريّة للسعادة: لا تكن سعيداً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 4 أبريل 201901:08 م

هنالك يوم للسعادة، تستطيعون تصديق ذلك، 20 مارس هو اليوم الذي خصّصته الأمم المتحدة للشعور بالسعادة، هذا يعني أن تتوقّف عزيزي القارئ عن القلق من أجل أي شيء وتشعر بالسعادة فحسب، أما كيف تصل لهذا الشعور وبأي وسيلة، فيجب عليك أن تتبع أساليبك المعتادة، أو أن تتبع توصيات معلمي السعادة، المرشدين الروحيّين، مؤلّفي كتب اليوغا، أو أن تشتري واحداً من الكتب التي تعطيك نتائج سريعة ومضمونة عبر مخططات تبدأ ب "3" أشياء يجب أن تقتنيها لتسعد، "21" أمراً بسيطاً يجعلك تصل للسعادة، "36" غرضاً تحتاجهم في الطريق إلى السعادة، حسناً، لقد فعلت كلما ينبغي على بشري فعله ومازلت مكتئباً، أعرف أن ثمة سعادة ما بانتظاري، كما يعرف السكران أن هنالك بيتاً له، يعرف مدخله وأماكن أزرار الكهرباء في جدرانه، بل ويحمل مفاتيحه، لكنه لا يصل إليه أبداً.

يوم للسعادة: هل أنت جاد؟

بالرغم من أن هناك مهووساً بافتعال الحروب في البيت الأبيض، يحيط نفسه بمجموعة من الخرقى، ويقوم بمنح المساحات الجغرافيّة لإسرائيل كهدايا، وفي سوريا ثمة حرب لا تنتهي ومجنون يقوم بقصف القرى والمدن، ولا يرضى بأي مشاركة للسلطة، وثمة دول دينيّة مثل السعوديّة وإيران تنويان الحصول على قنابل نوويّة لاستخدامها في عيد الفطر القادم، وأيضاً مخزوني من التبغ والقهوة شارف على الانتهاء، وأنا وحيد كقطة في حظيرة كلاب في شباط أبدي، لكن هناك يوم للسعادة ويجب أن أستفيد منه كإنسان عاقل.

 يجب الكفّ عن وصف الكآبة بالمرض

انشغل العلماء والباحثون ورجال الدين حتى، بالبحث عن السعادة وعن أسبابها، وخرجوا بتوصيات وقاموا بوضعها في مجلات علميّة رصينة، ونصحوا الناس بأن يكونوا سعداء من أجل إطالة أعمارهم، بل بلغ بالبعض أنهم وضعوا مجموعة أفكار بسيطة أو عادات يوميّة تجعلك سعيداً، من نوع: احصل على 7 عناقات في اليوم، خذ حماماً ساخناً مع إشعال شموع معطرة، أو خذ حيوانك الأليف في نزهة وتأمل جّمال الطبيعة المحيطة بك...إلى آخر النصائح تلك، لكن لم يتفق الجميع بعد على تعريف السعادة.

كتب غوستاف فلوبير: "أن نكون أغبياء، أنانيين ونتمتع بصحة جيدة، فهذه هي الشروط الثلاثة المطلوبة لتكون سعيداً"، دائما يتمّ الربط بين الشقاء والنشاط العقلي، رغم أن السعادة المطلوبة هي أصلاً نشاط عقلي، أو كما يقول علماء الأعصاب: مجرّد شعور، حتى أن أحد معلمي السعادة في العالم والذي تستطيع أن تجد نصائحه على جوجل وأمازون "مو جودت"، مهندس التدريب المصري الأصل ، يضع معادلة للسعادة بأنها أكبر أو تساوي تصوراتك عن الحياة مطروحاً منها توقعاتك، ويضع الشرط الأوّل لها: نسيان كل شيء يتعلّق بالأوهام العظيمة الستة، الأنا، الأفكار، المعرفة، الوقت، التحكّم والخوف، حسناً لقد نسيتهم لكن تحت أي بند من الأثاث المنزلي ستصنّفني؟ لا يهمّ، لقد استطاع الرجل أن يبيع أكثر من 200000 نسخة من وصفته السحريّة في الولايات المتحدة وحدها وشاهد فيديوهاته أكثر من 80000 مليون شخص في العالم.

السعادة في حارتنا

مما يبدو لي أن النصائح التي تختصّ بالسعادة غير موجّهة لبشر يعيشون في بلدان العالم الثالث، وأن بلداننا لا تلزمها مفردات كالسعادة أو الرفاه، الرضا أو الاكتفاء، تخيّلوا أن بعض وصفات السعادة هي ببساطة الحب!، لكن لم يخبرنا أحد كيف نستطيع بالحبِّ إيقاف الاغتصاب الجنسي والعنف الأسري، التمسّك بالسلطة واعتقال المعارضين، كيف سنوقف بالحب الحروب والأوبئة وفساد البيئة ونُدرة الطعام؟ أظن أن علم السعادة نفسه، سواء أجاءت نصائحه من مدربي يوغا أو رهبان تيبتيين أو علماء نفس أو مبرمجين في وادي السيلكون، لا يعدو أن يكون علم سعادة شركات الإنتاج، فمن الواضح أن الهدف هو البيع، هو خلق احتياجات جديدة وتسويق منتجات مناسبة لها، فلم يكن الناس في القرون السابقة يبحثون بهذا الشكل المحموم عن السعادة عن طريق جوجل نفسه أو فيسبوك – تخيّلوا-، الهادم الأول للسعادة.

وأظن أن السعادة أمر مبالغ في تقديره، إننا ببساطة نبحث عن سعادة المدراء العامين والرؤساء والقادة، وكلما شعر أولئك بقدر أقلّ من السعادة، قاموا بافتعال المشاكل، الحروب، أو اخترعوا طريقة للتسويق تجعلك تشتري ما لا حاجة لك به، والسعادة أمر متقلّب كمزاج القطط، إن الطقس الماطر يصيب الناس عادة بالكآبة لكنه أمر مفرح بالنسبة للمزارعين وباعة الملابس الشتوية، ماذا نفعل؟ نضع للناس وصفة؟ ليتخلّوا عن كلّ شيء "الأوهام الستة العظيمة" ويعيشوا في جنة الاستهلاك كدمى منزلية.

أعرف أن ثمة سعادة ما بانتظاري، كما يعرف السكران أن هنالك بيتاً له، يعرف مدخله وأماكن أزرار الكهرباء في جدرانه، بل ويحمل مفاتيحه، لكنه لا يصل إليه أبداً.

مما يبدو لي أن النصائح التي تختصّ بالسعادة غير موجّهة لبشر يعيشون في بلدان العالم الثالث، وأن بلداننا لا تلزمها مفردات كالسعادة أو الرفاه، الرضا أو الاكتفاء، تخيّلوا أن بعض وصفات السعادة هي ببساطة الحب!

لم يخبرنا أحد كيف نستطيع بالحبِّ إيقاف الاغتصاب الجنسي والعنف الأسري، التمسّك بالسلطة واعتقال المعارضين، كيف سنوقف بالحب الحروب والأوبئة وفساد البيئة ونُدرة الطعام؟

الكآبة المظلومة

"القضاء على الحزن"، "يجب أن نذرع بذور السعادة"، "الشقاء مستمر" لكن الحقيقة أن الكآبة، التي يتمّ اتهامها بأنها مسبّبة نقص السعادة في العالم، هي شعور أكثر أصالة من الفرح، وهي دافع أساسي للعديد من البحوث الجادة في عدّة مجالات، وثمّة أشخاص يجدون سعادتهم في الكآبة، كما يقول برنارد شو.

عندما فاز فريقي المفضّل برشلونة نهاية شباط الماضي على ريال مدريد مرتين على أرضه، شعرت بسعادة غامرة ثم تذكّرت ابنتي التي كانت تشاهد معي المباريات عادة، ووجدت نفسي أبكي رغم أني سعيد، وشعرت بكآبة لذيذة، بألم يحتوي نفس القدر من الفرح، كأن تشرب كوب شوكولا ساخن يلسعك، أو أن تلبسي حذاءً غير مريح لكنه يجعلك تبدين أجمل وأكثر ثقة، يجب الكفّ عن وصف الكآبة بالمرض، يجب تقبّلها كأنها شيء ملازم للمشاعر الاعتياديّة، شعور عادي كأي شعور آخر، والكفّ عن تصديق معلمي اليوغا وأساتذة التدريب الروحي والتوقّف عن شراء منتجات السكينة الروحيّة: يجب أن نمنح أنفسنا فرصة العيش كبشر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image