شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
سبع بهارات وملحق: تنويعات تشكيليّة في رؤية بيروت

سبع بهارات وملحق: تنويعات تشكيليّة في رؤية بيروت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 2 أبريل 201907:53 ص

(سبع بهارات) هو عنوان المعرض الجماعي الثاني الذي يُقيمه غاليري رميل – بيروت. في المعرض الجماعي الأول العام الماضي، غاب المفهوم الجامع للأعمال، وكان مجرّد تجميع لمنتجات أفضل فنّاني الغاليري، في معرض هذا العام هناك مفهوم مشترك، إذ قدّم الفنانون والفنانات المشاركات تنويعات فنيّة (لوحة، تجهيز، نحت، حفر وتصوير)، تتعلّق بمدينة بيروت. يكتب القائمون على المعرض: (سبعة فنانين يقدّمون رؤيتهم عن بيروت).

هويّات البيوت تروي حكايتها، تصوير

تختار الفنانة غنى السباعي أن تقدّم مجموعةً من الصور الفوتوغرافيّة الداخليّة لمنازل من مدينة بيروت، تعود هذه المنازل إلى فترة الأربعينيات مثل (بيت عائلة سلطان)، حتى الستينيّات مثل (بيت عائلة الورد)، هذه البيوت تحمل ذاكرة ثقافيّة للمدينة، وذلك ما تدلّل عليه الفنانة، من خلال ابتكار هويّةٍ رمزيّةٍ، تجعل منها وثيقة بصريّة تُعلَّق إلى جانب الصورة الفوتوغرافيّة الخاصّة بكل بيت.

هويّة تحكي حكاية البيت نفسه، كتب عليها بخطِّ اليد، ما تعرّف البيوت عن نفسها بها.

كُتب في هوية أحد المنازل: (أنا كنت حدث المدينة بالحمرا، عمّرتني عيلة كتير مشهورة ببيروت، بيقولو عنها كانت من العيل التي تملك مفتاح من مفاتيح بيروت السبعة)، حكاية هذا المنزل: أن دخوله والتفرّج عليه كان حلماً في الماضي، أما اليوم فهو معرّض للهدم. الصور الفوتوغرافيّة التي تقدّمها غنى توثّق لجمال هذه المنازل، والهويات الخاصّة التي تبتكرها تروي حكاياتها.

المدينة بالعامودي على سبع طبقات، لوحة ونحت

تتألّف المدينة عند الفنان جوني سمعان من ناسٍ وأبنية، وذلك ما يقدّمه في لوحتيه (أشخاص بالعامودي)، و (الأبنية العاموديّة)، فهو يختار الهندسيّة العموديّة في تموضع الأبنية والأشخاص الذي يشكّلون تكوينات لوحته، تتكرّر العناصر التشكيليّة في لوحات جوني سمعان بمينيماليّة، ضربات الفرشاة الناعمة والدقيقة تشكّل حضور الأبنية على سطح اللوحة، كما أن اللمسات اللونيّة المتقشّفة تشكّل حضور الأشخاص، أو الناس المحتشدين فوق بعضهم البعض بطريقة عموديّة، هذا الأسلوب رغم مينيماليّته، يوّلد في النهاية شعوراً بالكثافة في لوحات جوني سمعان.

(يُقال في الحكاية الشعبيّة، أن المدن الساحليّة هُدمت سبع مرّات، وعادت إليها الحياة مجدّداً)، بهذا النصّ يحاول جوني سمعان أن يبيّن الفكرة الكامنة وراء عمله النحتي (الدائرة العامودية) وهو عبارة عن طبقات ملوّنة من السيراميك، يعبّر فيها الفنان عن طبقات مدينة بيروت السبع، فوق طبقات السيراميك السبع، بروز نحتي يشكّل رمزياً صورة الإنسان، وهو بالتالي يشكّل استمرار الحياة، رغم تجارب التهديم السبع التي تعرّضت لها المدينة.

مدينة الأبنية المحروقة والحيوانات، منحوتات سيراميك

(على دولاب السيراميك رميت الطين، لأشكّل منه وعاءً متقناً، فشوّهته ليحوي على بلد، ترتكز عليه أبنية علت، وحرقوها فانحنت، لتتجرّد من إنسانيتها، فغزتها واستباحتها المخلوقات الثمانية عشر، رغم ذلك الأخضر ينمو)، هذا النصّ الذي قدّمت فيه الفنانة ليلى السبتي عملها الذي يحمل عنوان (ستّ الدنيا)، وهو عبارة عن مجموعة من منحوتات السيراميك، التي كوّنتها الفنانة على أشكال أبنية مفرّغة بشبابيك مربّعة، (علت وحرقوها فانحنت) على حسب تعبير الفنانة في نصّها.

تتجاور أبنية السيراميك المكوّنة من اللونين الأبيض والأسود لتوحي بالاحتراق، تجاورها يشكّل المدينة. القسم الذي تحتلّه هذه الأعمال في المعرض يوحي للزائر بحكاية عن هذه المدينة التي احترقت، خلت من البشر، وظهرت فيها مخلوقات وحيوانات مصنوعة أيضاً من السيراميك، موضوعة بين الأوعية المنتصبة. هي رؤية تقدّمها الفنانة السبتي عن مدينة بيروت، وكأنها ترغب أن تجسّد رؤيتها عن المدينة بعمل تجهيز، يُضمر بداخله حكاية للمتأمّل.

رؤية شعرية تشكيليّة لحضور المدينة، حفر

في أعمال الحفر التي تقدّمها الفنانة عزة أبو ربيعة، تقترح رؤيةً بصريّةً تشكيليّةً لمدينة بيروت، هذه الرؤية التشكيليّة تُنتج حساسية شعريّة خاصّة برؤية الفنانة للمدينة.

تفكّك الفنانة لوحتها الأساسيّة (بيروت) إلى لوحات أخرى، تحوي كل منها، العناصر البصريّة التي تشكّلت منها لوحتها الجامعة، أي أن الفنانة توضّح للمتلقي التراكيبَ التي تشكّل لوحتها الأساسيّة، كلّ منها بلوحة خاصّة، فنرى في أحد اللوحات كتلَ المنازل بالأبيض بالأسود، متراصّةً ومتراكبةً فوق بعضها البعض، باقتراح بصري خاصّ بالفنانة، وهي مقدّمة في لوحة خاصّة، في لوحة أخرى نجد الكتل الأخرى التي تشكّل لوحتها الأساسيّة، وهي توحي بكتلة صخريّة يظهر في أعلاها رأس بشري، كلاهما متداخل المعالم والتفاصيل، ثم ينتقل بصر المتلقّي إلى اللوحة الأساسيّة التي تحمل عنوان (بيروت).

اللوحة الأساسيّة مؤلّفة من: تراكيب البيوت الأفقية بالأبيض والأسود للوحة الأولى، الكتل الصخريّة الإنسانيّة الموجودة في اللوحة الثانية، مضافاً إليها كتل لونيّة باهتة على شكل مكعبات. تتشكّل اللوحة الأساسيّة إذاً، من تراكب ثلاث رسومات تقدّمها الفنانة بلوحة واحدة، لتتمكّن من إيصال رؤيتها البصريّة والتشكيليّة للمدينة، موظِّفةً تقنيات بارعة في الحفر تستعملها الفنانة، تولّد حساسية شعريّة مرهفة في رؤية المدينة.

البلاستيك يتمدد على الإيروتيكيّة، تصوير

يشارك الفنان محمد خياطة بصورتي فوتوغراف، يمكن قراءتها كإمتداد لمعرضه الفنّي الذي أقامه العام الماضي بعنوان (تخلّي، 2018)، وقد ركّز المعرض في حينها على قضايا البيئة والمدينة، من بين موضوعاته: حضور السيارات الكثيف في المدينة، تمدّد المواد الصناعيّة على الطبيعة وكذلك على جسد الإنسان.

في المعرض الحالي يمدّد الفنان كتلةً من السيارات البلاستيكيّة الصغيرة متعدّدة الألوان على جسد أنثوي، على ظهر جسد أنثوي، وعلى بطن وجذع جسد أنثوي عاري، هذا التناقض بين الحضور الإيروتيكي للجسد الأنثوي البشري، وكتلة السيارات البلاستيكيّة، يوصل رسالة العمل للمتلقّي، بتمدّد العالم الصناعي على حساسية وجماليات الجسد الإنساني، ويحرم عين المتلقّي من الجماليات الإيروتيكيّة، هذا التناقض بين المواد البلاستيكيّة والأعضاء الجسديّة الجماليّة، يشكّل تجربةً جديدةً لعين المتلقّي في المقاربة بين هذه المتناقضات.

يمدّد الفنان محمد خياطة كتلةً من السيارات البلاستيكيّة الصغيرة متعدّدة الألوان على جسد أنثوي، على ظهر جسد أنثوي، وعلى بطن وجذع جسد أنثوي عاري، هذا التناقض بين الحضور الإيروتيكي للجسد الأنثوي البشري، وكتلة السيارات البلاستيكيّ يشكّل تجربةً جديدةً لعين المتلقّي في المقاربة بين هذه المتناقضات

منازل بحساسية شعريّة

تبيّن الفنانة سوزي مانوغيان بنصٍّ صغير مرفق مع لوحتيها، بأنها، وبالرغم من كل الظروف، مازالت ترى جمالاً في مدينة بيروت. تتكوّن لوحة سوزي من كتل مستطيلات رسمت كلاً منها بلون واحد: الرمادي، الأزرق الغامق، الأسود.

تشكّل هذه المستطيلات اللونيّة بيوتاً وأبنيةً، ولونت الآجرّ الذي يعلو المنازل بالأحمر القاني. الجمالية التي تطرحها الرسامة عن المدينة، هي جماليّة التجاور والتراصّ بين المنازل، بينما يحتفظ كل منها بخصوصيته، بعض الأبنية تبدو متهدّمةً وقابلةً للانزياح، أبنية أخرى تظهر أكثر تماسكاً. رؤية حميمة مشحونة بالشعريّة هي الجمالية التي تقترحها سوزي مانوجيان في لوحتيها عن المدينة.

كراسٍ من الليف


(الليف يمتصّ بقوّة، وكذلك أرى بيروت)، لذلك تستعمل الفنانة نلسي مسعود مادة الليف النباتي، في تكوين عملين عبارة عن كرسيين تضعها في منتصف المعرض، بعد تشكيل الكرسي من الليف تصبّ فوقه مادة الإيبوكسي لتتماسك الكتلة، أحد الكراسي دون مسند، الآخر معلّق في الهواء تنقصه إحدى أقدامه الأربعة، الكرسيان غير مكتملين، دوماً يغيب الكمال عن منحوتات نلسي. حضور الكرسيّين غير المكتملين في وسط الصالة، يذكّر بتلك الصور التي تنتشر في الحروب، حيث عفش البيت وأغراضه ملقاة في الشوارع، حيث الأنقاض، حيث كرسي وحيد، مكسور القاعدة أو المسند، يحضر في منتصف الشارع، وحيداً فارغاً.

لقطات سينمائية بالبحر الأوسع، لوحة


في الملحق الخاص بالغاليري تعرض أعمال الفنان جورج مكتبي.

 دوماً ما تحمل رسومات جورج مكتبي بُعْداً سردياً، وذلك حين يختار أن يعبّر بحكاية أو حدث داخل اللوحة. يخلق رسّام الحبر عوالم اللوحة بدقّة وكثافة، الخطوط رفيعة والمساحات المملوءة بالحبر الأسود أقرب إلى المنمنمات التي تصنع بتجاورها، بعلاقاتها الطولانيّة والعرضانيّة، كثافة الحضور العمراني في المدينة

يخلق رسّام الحبر عوالم اللوحة بدقّة وكثافة، الخطوط رفيعة والمساحات المملوءة بالحبر الأسود أقرب إلى المنمنمات التي تصنع بتجاورها، بعلاقاتها الطولانيّة والعرضانيّة، كثافة الحضور العمراني في المدينة، يختار الرسّام زوايا منظور الصورة، لتظهر مساحات واسعة أمام عين الناظر على كامل سطح اللوحة.

دوماً ما تحمل رسومات جورج مكتبي بُعْداً سردياً، وذلك حين يختار أن يعبّر بحكاية أو حدث داخل اللوحة، نجد رجلاً يقف على مشارف المدينة ويحمل بين يديه المخفيّتين خلف ظهره، قلباً أحمر، وهو العنصر الوحيد الملوّن داخل اللوحة، في لوحة أخرى نجد طفلاً صاعداً على كتل المنازل والبيوت، يحاول التقاط سلّة حمراء، هي أيضاً العنصر الوحيد الملوّن في اللوحة. هذا الأسلوب يقرّب لوحات جورج مكتبي إلى منظور اللقطات السينمائيّة، حيث هناك حكاية، وهناك عوالم محيطة بها تشكّل حضور المدينة بيروت.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard