لعل مصطلح الإرهاب هو أوّل المصطلحات التي تعلمتها عندما كنت أستمع لمن يتابعون السياسة، وظلّ المصطلح نفسه عندما حاولت أن أقرأ في السياسة، وحتى اللحظة كلما سمعت كلمة إرهاب أشعر أنني بنيت صندوقًا كبيرًا يحمل هذا الاسم لكنني كلما قررت أن أحركه وقع من يدي.
لا أتفهم شعور المسلم بأن براءته من الجرم المتهم به قد ظهرت بما أن القاتل في نيوزيلندا يميني متطرف، ذلك لأنني لا أجد تبريرًا لكل من يملك أبسط شعور بأن ما حدث ينصف موقفه الفكري أو الديني، وأشعر أنه أصبح بإمكاني القول إن كل من انتظر معرفة هوية منفذ العملية ليقدم موقفه منه ويتفوّه بمرافعته متطرفاً بعباءته الفكرية أياً كانت.
الحدث الإرهابي في نيوزيلندا وضع كل علماني في العالم العربي أمام جديّة تعريفه للحرية؛ من هو الإنسان الحر بالنسبة إليك؟ وكيف تعرّف علمانيتك وكيف تقدم نفسك كعلماني؟ وهل ما جرى في الحادث الإرهابي الأخير يمكن تجييره ليصبح رداً على فكرة أن الأحداث السابقة التي قام بها إرهابي مسلم، باتت تُرد إليه على شكل حوادث أخرى يفرضها اليمين المتطرف؟
لا أفهم التعامل مع ما حدث في مسجدي نيوزيلندا على أنه رد للصفعة التي يتلقاها المسلمون إذ يتهمون عادة بالأفعال الإرهابية، هذه اعترافات بالتهمة الأصلية أولًا وتبريرها ثانيًا، والقبول بأخذ ثأر على حساب أفعال جريمة في وقت دُثرت هكذا مصطلحات وصار العالم المتحضر المدني الذي يذهلنا دائمًا ينتظر ردودًا جدية بعيدًا عن الهوس بالرجل الأبيض، وأفعالاً واقعية تعبر عن مدنية وسلام تيار مقابل آخر وفكر أمام نقيضه، وبات أي نوع من أنواع التحريض والتجييش لفكرة تحملها جماعة ما يصنف بأنه فعل غوغائي لا يحتاج لمحاولة الرد عليه. أما الجانب الآخر وهم العلمانيون الذين وجدوا ما حدث في نيوزيلندا فعلاً عادياً سبق وحدث مع الأقباط في مصر عدة مرات وفي تركيا يوم رأس السنة عام 2017، وما هو إلا تجرّع لكأس شربها غيرهم كثيرًا من قبل وعليهم أن يشعروا بمرارة ما حدث بسببهم، تدّين العلمانية أكثر بشاعة وسذاجة بمراحل من التدين نفسه، لا أعرف كيف يمكن التعامل مع وجهات نظر ثأرية وعشائرية من أناس يقدمون أنفسهم بشكل مدني وحضاري ويحاولون طيلة الوقت أن يفسحوا المجال للحوار مع الآخر واستقبال فكرته ومحاورته فيها. لماذا يتعامل معنا الغرب على أننا سُذّج حتى في الحوادث الإرهابية؟
لا أتفهم شعور المسلم بأن براءته من الجرم المتهم به قد ظهرت بما أن القاتل في نيوزيلندا يميني متطرف، ذلك لأنني لا أجد تبريرًا لكل من يملك أبسط شعور بأن ما حدث ينصف موقفه الفكري أو الديني.
الحدث الإرهابي في نيوزيلندا وضع كل علماني في العالم العربي أمام جديّة تعريفه للحرية؛ من هو الإنسان الحر بالنسبة إليك؟ وكيف تعرّف علمانيتك وكيف تقدم نفسك كعلماني؟
تدّين العلمانية أكثر بشاعة وسذاجة بمراحل من التديّن نفسه، لا أعرف كيف يمكن التعامل مع وجهات نظر ثأرية وعشائرية من أناس يقدمون أنفسهم بشكل مدني وحضاري ويحاولون طيلة الوقت أن يفسحوا المجال للحوار مع الآخر واستقبال فكرته ومحاورته فيها.
إن الحادث الإرهابي يملك وجهه المُصّدَر لعالمنا العربي على شكل إعلان رئيسة وزراء نيوزيلندا أن الجمعة هي يوم للحجاب، وأن النيوزيلنديات سيرتدين الحجاب وينزلن إلى الشارع العام ليقولن لكل العالم أن الحجاب لا إرهاب فيه وأن من ترتديه لها حقها الكامل بممارسة خيارها بسلام وأمان، وفازت حركة كهذه بدعم ومباركة من معظم العالم العربي، بعد أن يقتل المسلم وتنتشر الطريقة التي مات فيها، تخرج جهة من الدولة لتقدم السلام الإسلامي على طريقتها، من دون التفكير بأن أغلب الضحايا كانوا رجالاً؛ بالتالي لا يرتدون الحجاب، ولا يمكن تمييزهم من ناحية الشكل في معظم الأحيان. أما الوجه الآخر للحادث هو وجهنا نحن الذين يثبت بالدليل القاطع أننا محض نكتة سمجة، لا علمانيتنا قادرة على أن تتماسك لنقدم من خلالها موقفًا من القتل والاعتداء الإرهابي على أي شخص ولا ليبراليتنا اتخذت موقفًا مما حدث بناء على المساواة، ولا مساعينا لدولة مدنية ساهمت في أن نقدم مرافعتنا من الموت على يد اليميني المتطرف بالشكل الذي يترافع فيه كل مؤمن بقضية عادلة، إننا الشعوب الوحيدة التي تضحك بينما تجز رقبتها بالسكين.
نطالب دائماً بحقوق المثليين وأحقيتهم بالزواج والإنجاب سواء كانت قضاياهم عالمية في دول بعيدة أو محلية تواجه القمع الديني والاجتماعي؛ لكن لا نغير ميولنا الجنسية لساعات قليلة لنقول للعالم: هذه علاقة لطيفة وجميلة، لماذا لا يتفهمها الناس؟ ولماذا يمنعها الإسلام؟
حادث نيوزيلندا جريمة إرهابية يشارك فيها كل من يجدها صفعة على خد المسلمين
إننا نصارع طوال الوقت لنحظى بالاعتراف الأبيض بنا، إن تعاطفنا مع الموت في فرنسا أكبر بكثير مما يحدث إزاء الموت الموريتاني، وصلابة مواقفنا تتجلى إذا كانت مصدرة للغرب في حوادثهم المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الشخصية والفكرية، ما يحدث ليس سوى محاولات لتقديم الأنا المثقفة التي تلهث وراء الاعتراف بمدنيتها ومسالمتها ومكانتها الثقافية والفكرية المتقدمة في العالم، بينما هم يقولون لنا في كل فاجعة أو موقف إننا دون المستوى وأكثر سذاجة من أي معاملة جدية.
حادث نيوزيلندا جريمة إرهابية يشارك فيها كل من يجدها صفعة على خد المسلمين، حتى ممن يضعون أنفسهم دائمًا في محل رد التهم ونفيها، لكن المواقف التي تم اتخاذها من قبل الأطراف السياسية التي تدعي العلمانية مثل أردوغان والأطراف الأخرى التي تدعي السلام مثل رئيسة وزراء نيوزيلندا هي الأهم ما دمنا حتى اللحظة لم نتفق على تعريف للعلمانية ولم نشكل واجهة قوية تجعل الآخر يفكر في موقفها وصلابته ووضوحه؛ إننا لا نؤخذ على محمل الجد، نحن عادة في خانة المجرمين أو في محط سخرية وهزل، لسنا في محل يجعل الآخر يتعامل معنا بجدية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...