هي المرة الثانية في غضون عشرة أيام تُقصف فيها مناطق تل أبيب بصواريخ مُنطلقة من غزة. ولكن على عكس ما جرى في المرة الأولى، لم يتطوّع الجيش ليُفسّر تحرّك "حماس" ولم ينخرط في تكهّن ما إذا كان إطلاق الصواريخ متعمداً أم عرضياً.
الاختلاف في تحليل دوافع سقوط الصواريخ في الخطاب الإسرائيلي بين المرتين ، رافقه تجدّد النقاش حول دور المنظومة الدفاعيّة وجدواها. عادت تحليلات عديدة لتُصوّب على "وجود فجوة في نشر القبّة الحديديّة، سواء بسبب أخطاء التشغيل أو نقص البطاريات"، على حدّ تحليل آموس هاريل في "هآرتس".
يُذكّر ما قاله هاريل، بتقرير صدر قبل سنوات في مجلة "فورين آفيرز" يقول إن إسرائيل تحتاج إلى 13 بطاريّة لتؤمّن الغطاء الدفاعي الكامل لإسرائيل، كما يُعيدنا إلى ما قاله الباحث في مركز "دراسات الأمن القومي" في تل أبيب مئير إلران عام 2011 حين تحدث عن حاجة القبة الحديدية إلى 20 بطارية لتأمين الحماية الكاملة لإسرائيل من تهديدات غزة ولبنان.
في المقابل، تُشير تقارير اليوم إلى أن الجيش الإسرائيلي يعمل بعشر بطاريات في حالة الطوارئ، حسب ما ورد في "هآرتس".
يبدو البحث في قدرات القبّة الحديدية وجدواها بموازاة رؤية الصواريخ الآتية من غزة وهي تصبّ بنجاح في العمق الإسرائيلي على النقيض مما قاله نتنياهو الشهر الماضي متحدثاً عن امتلاك إسرائيل لـ"قبّة حديديّة وقبضة حديديّة… وأنظمة دفاعيّة تحميها من كلّ تهديد".
مُشكلات التكلفة والجدوى
في عودة سريعة إلى تاريخ القبّة الحديديّة و"مستويات الحماية" في المنظومة الدفاعيّة الإسرائيليّة، ما يمكن أن يُساعد على فهم الانتقادات التي طالت الأخيرة والنقاش الذي يتجدّد حولها مع كل ضربة صائبة تُنفذّها الصواريخ الفلسطينية.
تحدثت تقارير سابقة عن حاجة القبة الحديدية إلى ما بين 13 و 20 بطارية لتأمين غطاء جوي كامل... تُشير تقارير حديثة إلى وجود 10 بطاريات فقط في حالة الطوارئ
في عام 2007، اختار وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيريز نظام القبة الحديدية كحلّ دفاعي لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى. أتى ذلك بعد حرب الـ2006 وبعد الـ4000 صاروخ "كاتيوشا" تقريباً (قصيرة المدى) التي أطلقها "حزب الله" من لبنان باتجاه حيفا ومناطق أخرى في الشمال. كما أتى البحث حول تطويرها بموازاة آلاف الصواريخ (معظمها "قسّام") التي أُطلقت بين عامي 2007 و 2008 باتجاه مناطق الجنوب، وهي صواريخ يقع في مداها حوالي مليون إسرائيلي.
تولّت شركة "رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدّمة" تطوير النظام الذي هدف إلى اعتراض الصواريخ قصيرة المدى (بحدود 70 كيلومتراً) والقذائف المدفعيّة، ومنذ عام 2007 بدأ العمل على تطوير النظام بالتعاون مع "ريثيون" (Raytheon) الأمريكية، وتمّ اختباره للمرة الأولى عام 2008 وللمرة الأخيرة عام 2010، قبل أن يدخل في الخدمة منتصف عام 2011.
وكان مجلس النواب الأمريكي قد أقرّ، عام 2010، ميزانيّة بقيمة 205 مليون دولار لبناء وتفعيل القبة الحديدية، التي تشمل جهاز رادار (طوّرته شركة ELTA الإسرائيليّة) وبطاريات مُكوّنة الواحدة منها من 20 صاروخ اعتراضي من طراز "تامير".
كانت قد مرّت سنتان على بدء العمل بالمنظومة، حين بدا وكأن الأخيرة قد تحوّلت إلى أسطورة عمدت إسرائيل للتسويق لها بامتداح قدرتها الاعتراضيّة التي تتخطى الـ90 في المئة، بينما كان قد بدأ الطلب على شرائها من دول أخرى.
خلال الشهر الماضي، أُثير الجدل في الولايات المتحدة بعدما أكدت وزارة الدفاع الإسرائيلية شراء الأخيرة لمنظومة صواريخ القبة الحديدية المضادة للصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى (جرى الحديث عن شراء بطاريتين بمبلغ 373 مليون دولار).
"أكبر عمليّة احتيال"، "كلفة باهظة وفعاليّة متدنيّة"... بينما تُصرّ إسرائيل على الترويج لها، تستمر الانتقادات المُنهالة على القبة الحديدية منذ عام 2010، تاريخ اختبارها النهائي
عدا عن الاعتراض على مبدأ شراء أمريكا لنظام كانت قد دعمت تطويره بأموال طائلة، جرى الحديث عن مشاكل عديدة في المنظومة الدفاعية نفسها.
ومن ضمن ما طُرح كان التشكيك في فعاليتها، ففي حين من غير المستغرب أن تؤكد القيادة الإسرائيليّة على قدرة المنظومة الخارقة، فإن الانتقادات تُلمّح إلى نسبة حماية تصل إلى أقل بكثير من الـ90٪ التي يدعيها المسؤولون. ويتحدث هؤلاء عن نسبة تتراوح بين 30 و40 في المئة، بينما يذهب البعض إلى عدم تخطيها الـ10٪.
من ناحية أخرى، جرت الإشارة إلى التكلفة العالية للمنظومة، إذ تصل كلفة كل بطارية إلى 125 مليون دولار، إضافة إلى الكلفة التشغيلية إذ تتراوح كلفة صاروخ "تامير" بين 50 ألف و150 ألف دولار، علماً أن اعتراض هدف واحد قادم وتفجيره في الجو يحتاج إلى صاروخَي تامير. وبمعنى آخر، فإن اعتراض صاروخ آت من غزة، قد لا تكون تكلفة تصنيعه المحليّة تتعدى الألف دولار، تصل كلفته إلى 300 ألف دولار.
"الجعبري" يُعيد فتح النقاش: "أكبر عمليّة احتيال"
بخصوص الصاروخ الذي أُطلق من غزة أمس وسقط في مستوطنة موشاف شميريت فهو، حسب صحيفة "معاريف" الاسرائيلية، يُدعى "جي-80" وهو الحرف الأول من عائلة القائد العسكري السابق لحركة حماس أحمد الجعبري الذي اغتالته اسرائيل عام 2012، ويبلغ وزنه 12 كيلوغراماً بينما تمت صناعته محلياً ويصل مداه إلى أكثر من 100 كيلومتر.
وحسب الجيش الاسرائيلي، فإن الصاروخ أُطلق من رفح جنوبي قطاع غزة وتبلغ المسافة بين موقع إطلاقه ومكان سقوطه 120 كيلومتراً وزنة رأسه الحربية حوالي 125 كيلوغراماً، بينما تحدّث مسؤولون عن الصاروخ الذي لا يُحلّق في مسار مستقيم بل يسلك مساراً متعرجاً ما يُصعّب على القبة الحديدية اعتراضه.
في المقابل، أعلنت السلطات الإسرائيلية أن الجيش يحقق في سبب فشل منظومة القبة الحديدية في التصدي للصاروخ، وقالت إن الأخيرة لم تكن جاهزة للتعامل مع هجوم يستهدف وسط البلاد. من جهتها، قالت "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية إن خبراء ومحققين توجهوا إلى موقع سقوط الصاروخ، وباشروا التحقيق في سبب عدم تشغيل منظومة القبة الحديدية.
وبينما ذكرت مصادر قيل إنها من قِبل "حماس" اعتقادها أن إطلاق الصواريخ كان بسبب سوء الصيانة والأمطار والبرق الذي كان يسود سماء المنطقة في ذلك اليوم، لم يفت آلة الدعاية الإسرائيليّة التأكيد على أن القبة الحديديّة اعترضت عشرات القذائف الصاروخية التي أُطلقت باتجاه إسرائيل.
بعد مرور ثماني سنوات على بدء تشغيل القبة الحديدية، تُصرّ إسرائيل على الترويج لمنظومتها الدفاعية، بمستوياتها المختلفة (العصا السحرية 70 إلى 250 كيلومتر/ الحيتس من 600 إلى آلاف الكيلومترات وصولاً إلى منظومة الباتريوت لصدّ الصواريخ البالستية)، مع ذلك تستمر الانتقادات المُنهالة عليها منذ عام 2010.
ومن أبرز تلك الانتقادات ما قاله المحلل العسكري روفين بيداتزور عام 2010 حين وصف القبة الحديدية بأنها "أكبر عملية احتيال"، مشيراً إلى أن زمن رحلة "القسّام" إلى سديروت مثالاً هو 14 ثانية، بينما يحتاج نظام القبة كي يحدد الصاروخ ثم يعترضه إلى 15 ثانية، ما يعني أن النظام لا يمكنه اعتراض صواريخ ذات مدى أقل من خمسة كيلومترات.
انتقاد بيداتزور ردّ عليه آنذاك الرئيس التنفيذي للمشروع دوري غولد بالتذكير أن المنظومة حمت سديروت عام 2012، مركزاً على أن الصاروخ لا يتصرّف كالرصاصة، أي أنه ليس مستقيماً بل يرتفع قبل أن يسقط على الهدف، أي أنه يقطع مسافة 11 كيلومتراً عملياً ليستهدف نقطة تقع على بعد 4 كيلومترات.
تجددت الانتقادات حين دخل باحثون من "رايثون" و"رافائيل" على الخط عام 2013، وقالوا إن نسبة الاعتراض منخفضة جداً مقارنة بالنسبة التي تدعيها الحكومة الإسرائيليّة، فالاعتراض الناجح يعني القدرة على رؤية انفجارين (انفجار "تامير" وانفجار الصاروخ المستهدف)، لكن أشرطة الفيديو تُظهر عادة انفجاراً واحداً هو انفجار "تامير".
وقبل أشهر قليلة، كتب موشيه آرينز ينتقد القبة الحديدية قائلاً إنها ليست حلاً كاملاً مقارنة بكلفتها التشغيليّة العالية التي تجعلها أساساً غير قابلة للاستمرار على المدى الطويل. وشرح بالقول إن إنقاذها لأرواح كثيرة اليوم مقارنة بعدد القتلى قبل بدء العمل بها صحيح، لكنها لا تقوم بالوظيفة المنوطة بها وهي حماية الإسرائيليين، فبعض الصواريخ تخترقها وآلاف الصواريخ الأخرى تدفع بالمدنيين إلى الملاجئ وتُثير الهلع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم