قبل أكثر من ثلاثين عامًا، تحديدًا في يوليو 1979، كان الرئيس المصري محمد أنور السادات على مشارف إنهاء مدته الرئاسية الثانية، في وقت كانت القوى المعارضة جميعها مُتَّفقة على رفض سياساته، حتى هبّت نائبة بمجلس الشعب تُدعى فايدة كامل تطالب باستمرار السادات على سدة الحكم مدى الحياة، من خلال تعديل بسيط في المادة 77 من الدستور، بأن تُحذف التاء المربوطة من كلمة "مدة" ويُستعاض عنها بحرف الدال، لتصبح "مُدد"، وعلى إثرها يكون نص المادة: (مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء، ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخرى).
بعد ثورة 25 يناير 2011، رحلت فايدة في صمت لا يتفق مع رحلتها المثيرة، فلم تشعر نقابة المهن التمثيلية برحيلها إلا بعد مرور يوم كامل.
فايدة كامل.. ليست مجرد نائبة
سكان حي منطقة دار السلام الشعبية جنوب القاهرة، يعرفون شارع "فايدة كامل"، لكن القليل منهم يعرفون من تكون هذه السيدة التي يحمل الشارع اسمها، فهي ليست مجرد نائبة جلست تحت قبة البرلمان لأكثر من خمسة وثلاثين عامًا، فدخلت موسوعة جينيس كأقدم برلمانية في العالم، لكنها صاحبة تاريخ طويل في الفن المصري، من خلال تقديم مجموعة من الأغنيات الوطنية الذائعة الصيت في خمسينيات القرن الماضي، تحديدًا فترة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، فقلَّدها جمال عبد الناصر وسام العلوم والفنون، تقديرًا لدورها الوطني، تلك الأغنيات كانت سببًا في ضرب بريطانيا للإذاعة المصرية بـ"أبو زعبل" لوأد صوتها وهي تشدو بـ"دع سمائي فسمائي محرِقة.. دع قناتي فقناتي مغرِقة"، حسبما رُوّج في ذلك الوقت، وعلى إثرها تم بث الإرسال من دمشق.
في وقت كانت القوى المعارضة جميعها مُتَّفقة على رفض سياسات السادات، طالبت النائبة في مجلس الشعب فايدة كامل باستمرار حكمه مدى الحياة،الأغنيات الوطنية التي قدمتها فايدة كامل على مدار ثلاثة عقود جعلتها في نظر الجمهور، وبالتأكيد معارضي النظامين الحاكمين (عبد الناصر / السادات) مطربة السلطة، خاصة بعد أن حملت أغنياتها اسمي كلا الرئيسين، وليس مجرد الغناء للوطن بشكل عام، فنجد مثلًا أغنية بعنوان: "يا مرحبًا بك يا جمال"، وأخرى باسم "يا سادات يا حبيبنا".
مطربة السلطة تُعمِّق العلاقة بالزواج من "القبضة الحديدية"
في مستهلّ الخمسينيات تعرَّفت فايدة كامل على نقيب الشرطة محمد النبوي إسماعيل، وكُللت العلاقة بزواج يعد من أنجح الزيجات في الوسط الفني المعروف عن أصحابه عدم استمرارية العلاقات به، وعلى يد النبوي بدأت فايدة الانخراط تدريجيًا في عالم السياسة، فحصلت على ليسانس الحقوق بعد إتمامها الدراسة بالمعهد العالي للموسيقى، وتمر السنوات، ويتدرج هو في المناصب حتى عُيّن مديرًا لمكتب ممدوح سالم، رئيس الوزراء ووزير الداخلية عام 1971.دخلت المُغنّية المِصريَّة فايدة كامل موسوعة جينيس كأقدم برلمانية في العالم.
في العام ذاته، ترشحت فايدة أمام ثلاثة عشر رجلًا لدخول البرلمان عن منطقة قسم الخليفة بالقاهرة، وحصلت على 15 ألف صوت، بما يعادل 93% من جملة الناخبين، ثم أعلنت اعتزالها الفن نهائيًا والتفرغ للعمل السياسي، وخدمة أهل الدائرة ببناء مؤسسات خيرية، ومدارس، ومستشفيات، ومراكز للشباب.
حاولت فايدة حماية "عرش" السادات فانتفع مبارك
ويصف الكاتب وحيد حامد دستور 1971، وما طرأ عليه من تعديل حملت رايته فايدة كامل: " لم يكن سيئًا في مجمله، وكان ينصّ صراحة على أنَّ مُدَّة رئاسة الجمهورية فترتان لا ثالثة لهما، ومُدَّة كلّ فترة 6 سنوات، وبهذا يضمن الدستور تداول السلطة، وهذا ما يحدث في غالبية بلاد الدنيا، إلّا أنّ مصر المحروسة خرجت من هذه الغالبية بإرادة مجموعة من السيدات بزعامة السيدة فايدة كامل، وبمساندة الدكتورة زينب السبكي، والأستاذة فاطمة عنان".
يضيف "حامد" في مقاله المنشور في جريدة "الشروق" بعنوان "تعديل الهوانم"، وهو المصطلح ذاته الذي استخدمه معارضو السادات: " ويزعم البعض أن الأمر كله من تدبير السيدة الأولى في ذلك الوقت جيهان السادات، لأن السيدات الأوليات يفضلن الاستمرارية؛ والسيدة فايدة كامل مطربة شعبية ومن أغنياتها الشهيرة «يا واد يا سمارة» و«أنا بنت 16 سنة»، ثم صارت نائبة في مجلس الشعب الموقر، بالإضافة إلى أنها زوجة اللواء نبوي إسماعيل، وزير الداخلية في ذلك الوقت، وكانت ضمن حاشية السيدة الأولى".
في المقابل كان النبوي إسماعيل يزداد بأسًا وقوة في البطش بمعارضي السادات، الذين أصبحوا بالآلاف، زاد عليهم معارضو التعديلات الدستورية التي كانت زوجته أولى المناديات بها، فسُمّي حينها بالرجل ذي القبضة الحديدية، فيُذكر له أنه أشهر وزير داخلية شن حملة اعتقالات موسعة في تاريخ مصر، حين داهمت شرطته منازل 1536 شخصًا بحسب ما نشرته الجرائد وقتها، وثلاثة آلاف وفقاً لرواية الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في كتابه "خريف الغضب".
وبعد ثورة 25 يناير 2011، وإسقاط مبارك، تُوفّيت فايدة كامل عن عمر ناهز 79 عامًا، في الثاني والعشرين من أكتوبر بالعام ذاته، لتلحق بزوجها وزير الداخلية الأسبق، الذي وافته المنية في 2009، والغريب أنّها رحلت في صمت لا يتفق مع رحلتها المثيرة، فلم تشعر نقابة المهن التمثيلية برحيلها، إلا بعد مرور يوم كامل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين