شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
قصص الجنس المرعبة التي تربّت عليها الأجيال

قصص الجنس المرعبة التي تربّت عليها الأجيال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 26 يونيو 201703:32 م

"إذا ما بطلتش يا محمد هقول للنداهة"... هكذا صاحت رضوى، قريبتي القادمة لزيارتنا من الريف، على صغيرها محمد (4 سنوات)، الذي أحضر "ولاعة" من المطبخ محاولاً إضرام النار في شقيقه الصغير أحمد (عامان). لم أستوعب ما تقصده بالنداهة، وحين سألتها عن ذلك أجابت: "ألا تعرف حكاية تلك السيدة الجميلة التي تختفي في الغيطان (الحقول) وتنادي الرجال، فإذا استجابوا لها قتلتهم لأنها جنية؟". صدمتني الإجابة، فسألت مجدداً: "كيف تهددين صغيرك بقصة مرعبة كهذه، بل كيف تحكين له هذه القصة المرعبة من الأصل؟". ردّت رضوى، وهي أم ريفية مصرية (28 عاماً): "تربيت وإخوتي، بل تربى الجميع في القرية على هذه القصة ومثيلاتها من أمهاتنا وجداتنا، فهي طريقة فعالة للسيطرة على الصغار وإجبارهم على التخلي عن سلوك معين من خلال خوفهم من النداهة وأمنا الغولة ومثيلاتهما". وأضافت: "كما أن هناك فائدة أخرى لشخصية النداهة ومثيلاتها، فمن السهل إقناع الصغير بتجنب الحديث لأي شخص غريب بتحذيره من أن النداهة التي يمكن أن تظهر في أي صورة غير معروفة للطفل، وتخطفه وتعذبه وتقتله، كما أنها تخيف الأطفال من الخروج وحدهم ليلاً". في الواقع، ما قالته لا يقتصر على الريف المصري فحسب، فالجدات والأمهات في المغرب، حكين وما زلن حكين قصة النداهة تحت اسم عيشة القنديشة، وفي اليمن أم الصبيان، وفي الإمارات والخليج أم الدويس، وفي العراق وسوريا السعلاة. هذه كلها مسميات تشير إلى معنى واحد، وأسطورة واحدة، لها أصولها في الفلكلور الشعبي لدى الشعوب العربية. وكلها أيضاً لها المعنى نفسه، للمخلوقة الجميلة العجيبة، التي تفترس البشر في المناطق المقفرة.

ما هي هذه القصص بالتفصيل؟ وما هو أصلها؟ يجيب عن ذلك ياسر مصطفى الطبال في كتابه "أساطير عالمية مخيفة".

النداهة

النداهة من الأساطير الريفية المصرية، يزعم الفلاحون أنها امرأة جميلة جداً وغريبة، تظهر في الليالي الظلماء في الحقول، لتنادي باسم شخص معين، فيتبع هذا الشخص مسحوراً النداء، إلى أن يصل إليها، ثم يُعثر عليه ميتاً في اليوم التالي، أو يصاب بالجنون فقط، بحسب قدرته على احتمال جمالها. والنداهة يمكنها أن تأخذ أكثر من شكل. ويقول البعض إن سبب وفاة ضحية النداهة أو جنونه، هو تخليه عن عالمها السفلي، فتنتقم بقتله حتى لا يفشي أسرارها. لذلك يموت البعض في اليوم التالي لعودته أو يصاب بالجنون أو يختفي تماماً. وتعتبر النداهة من المحاولات القديمة للفلاح المصري لتفسير الظواهر الغامضة، التي ليس لها تفسير، مثل خروج أحدهم إلى الحقول ليلاً والعثور على جثته طافية في النهر في الصباح من دون معرفة سبب وفاته. ويفسر علماء النفس مسألة وقوع النداهة في حب المنادى عليه بالكبت العاطفي لدى الشخص، الذي تناديه، ومحاولته جذب الاهتمام والتنفيس عن مشاعر الكبت، في صورة هلوسات إرادية أو لا إرادية تعبر عن اهتمام النداهة به. وككل الأساطير ذات المنطق الثعباني، فإن من يرى النداهة لا يعيش ليحكي ما يراه، وبالتالي لا يمكن وصف النداهة بالتحديد، وهذا ما طبع في الأذهان صورة أنها امرأة جميلة جداً وغريبة الأطوار، لتتوافق هذه التفاصيل مع منطق الأسطورة.

عيشة القنديشة

عيشة قنديشة أو سيدة المستنقعات من أكثر شخصيات الجن شعبية في التراث المغربي. وهي تفتن الرجال بجمالها وتستدرجهم إلى وكرها، حيث تمارس معهم الجنس ثم تقتلهم، وتتغذى على لحوم ودماء ضحاياها. وكتب عالم الاجتماع بول باسكون عنها، في كتابه أساطير ومعتقدات من المغرب. فتتداول أوساط العامة أسطورة تحكي كيف أن أستاذاً أوروبياً للفلسفة في إحدى الجامعات المغربية، كان يحضّر بحثاً حول عيشة قنديشة، فوجد نفسه مضطراً إلى حرق كل ما كتبه حولها وإيقاف بحثه، ثم مغادرة المغرب، بعدما تعرض لحوادث غامضة ومتلاحقة. ويعتقد أن هذه الأسطورة لشخصية حقيقية، وهي امرأة تنحدر من الأندلس، من عائلة موريسكية نبيلة، عاشت في القرن الخامس عشر، وأسماها البرتغاليون "عائشة كونديشة"، أو الكونتيسة عائشة. وقد تعاونت مع الجيش المغربي حينها لمحاربة البرتغاليين الذين قتلوا أهلها، وكانت تستدرج الجنود وتذبحهم في الأماكن المقفرة، حتى ظن البعض، وعلى رأسهم البرتغاليون، أنها ليست إنساناً إنما جنية.

من هذه الوقائع، تحولت الشخصية بمرور السنوات إلى أسطورة لامرأة فاتنة الجمال، بقدمين تشبهان حوافر الماعز أو الجمال أو البغال. تغوي الرجال لتستدرجهم إلى منزلها حيث تأكلهم، والهروب منها يكون عن طريق حرق أي شيء أمامها.

أم الدويس

أم الدويس من الأساطير الخليجية، وهي امرأة جميلة من الجن، يشاع أنها ذات جمال أخاذ ورائحة زكية، تلاحق الرجال في الليل، وتجعلهم يفتنون بجمالها، فتقتلهم وتأكلهم. ويشاع أنها تخاف النساء وتظهر فقط للرجال. هذه الأسطورة منتشرة في مناطق الخليج العربي، ولا سيما الإمارات. والدويس تصغير داس، وهو آلة قتل تشبه منجل الحصاد. وبحسب الأسطورة، فإن لأم الدويس قدمي حمار، ويديها عبارة عن زوج من الدويس (المناجل)، وعينيها عينا قط.

السعلاة

السعلاة أو السعلوة، وتنطق أيضاً سلعوة من الأساطير الشعبية في العراق وسوريا. شكلها غريب ومخيف، وجسمها مليء بالشعر كأنها قرد، لكن لديها قدرة على التحول إلى شكل امرأة جميلة، تغري الرجال، ثم تقتلهم. وفي روايات أخرى يقال إنها إذا أعجبت برجل تخطفه تحت النهر وتتزوجه وتنجب منه. والسعلاة لا تكتفي فقط بقتل ضحاياها، بل تقوم بامتصاص دمائهم أيضاً، فهي مصاصة دماء وتمثل المعادل العربي لأسطورة مصاصي الدماء في الغرب.

أم الصبيان

أم الصبيان من الأساطير الشعبية في اليمن. تشيع حكاياتها في مناطق اليمن الجبلية، كما في المناطق الساحلية بصيغ مختلفة، وتوجد أيضاً في بعض دول الخليج العربي خصوصاً في المناطق السعودية على حدود اليمن. وأم الصبيان أنثى غول شديدة البشاعة، لها أرجل بقرة. تتنكر غالباً في شكل امرأة جميلة تظهر ليلاً أو قبل الفجر، وتخطف الرجال وتمارس الجنس معهم، وتؤذيهم إذا رفضوا ذلك. وتنسبها بعض الحكايات الشعبية إلى الجن، كما تنسب لها أعمالاً كثيرة غير خطف الرجال. فلها صرخة قد تسبب الموت أو الجنون، كما قد تظهر بشكلها الحقيقي البشع للبعض في الظلام، فتتسبب بجنونهم أو موتهم، وفي بعض الأحيان تأكل البشر، خصوصاً الأطفال الذكور، لذلك عرفت بأم الصبيان، كما ترتبط بأعمال السحر.

الأصل السومري

من الواضح أن كل تلك القصص المتشابهة، أصلها الأسطورة السومرية ليليتو. وهي جنية ارتبطت بالرياح، وكان يعتقد أنها حاملة للمرض والموت ومسببة لهما. ظهرت لأول مرة في فئة شياطين الرياح وعواصف في سومر، نحو الألفية الثالثة قبل الميلاد. كما ظهرت كجنية ليلية في التراث اليهودي باسم ليليث، وتعود جذور الكلمة لكلمة الليل في اللغات السامية. وتقول الأسطورة السومرية إنها كانت تجوب الطرقات ليلاً لتغوي الرجال للذهاب إلى المعبد وممارسة طقوس التخصيب المقدسة ثم تقتلهم.

البيئة

وحول سبب استمرار هذا النوع من القصص في المناطق الريفية والبدوية في عصر ثورة الميديا، قالت الدكتورة هالة منصور أستاذة علم الاجتماع: "الأمهات والجدات في تلك المناطق ينقلن خبرة الحياة اليومية المحدودة التي منحتها لهن أمهاتهن، هناك حيث لا يوجد أحداث يومية سريعة متلاحقة كما هو الحال في المناطق الحضرية". وأضافت: "بالطبع فإن الخيال في تلك المناطق مرتبط بالطبيعة، وقصص الرعب مثل النداهة وغيرها مرتبطة ببيئتها، وتحاول من خلالها الأمهات والجدات نقل رسائل معينة للأطفال بصورة يسهل عليهم استيعابها. وربما كان ضعف تأثير ثورة المعلومات والإنترنت والتكنولوجيا في الريف مقارنة بالمدن، عاملاً كبيراً في استمرارها في تلك البيئة، لأن أطفال الجيل الحالي في المدن لا يتأثرون بهذه القصص".

تحذير

حذر الدكتور هشام ناصف استشاري الطب النفسي من الأضرار النفسية التي قد تسببها مثل هذه القصص على الأطفال. قال: "هذه القصص تسبب ذعراً للأطفال، فضلاً عن مشاكل النوم والكوابيس، وربما تسبب عقدة مزمنة مثل الخوف من الظلام، فقد تجد رجلاً يعاني رهاب الظلام ويكون سبب مشكلته مثل هذه القصص في الطفولة". وأضاف: "في فترة الطفولة، تتكون الأفكار والتخيلات في عقل الطفل، ونشأته على مثل هذه الأساطير يجعله يميل في المستقبل للتفكير غير المنطقي وغير العقلاني".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image