شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لهذا السبب لم ألتقِ “السلطان”

لهذا السبب لم ألتقِ “السلطان”

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 30 مايو 201702:38 م

ليس من السهل أن تكون كردياً وتعمل صحافياً في الشرق الأوسط، خاصة في دول اقتطعت كردستان التي تحمل هم قضيتها. وليس من السهل أن تتمسك بمبادئ المهنة، في أجواء تعج بأنظمة دكتاتورية ظالمة تحيط بواقعك. حكماً، أنت في هذه الحالات معرضٌ للمخاطر.

عشت 28 سنة من عمري مجرداً من الجنسية في سوريا لأنني كردي، قبل أن أنتقل بعد حصولي على الجنسية عام 2012 مجبراً إلى تركيا، لأقيم فيها خمس سنوات، قبل أن يتم ترحيلي.

ترحيلي من تركيا تم بتاريخ 12 مايو الجاري، أثناء عودتي في الصباح الباكر من "هولير" (أربيل) في كردستان العراق إلى إسطنبول التركية.

استوقفني عند خروجي من ممر الطائرة ضابط أمن تركي (مدني) من "الاستخبارات" يقوم بالاطلاع على جوازات سفر القادمين قبل وصولهم إلى مكان التأشيرات فيتركهم وشأنهم، إلا أنا.

فحص جواز سفري "السوري" وطلب مني الوقوف جانباً، (أملك جواز سفر ساري المفعول وقانونياً، كما أملك إقامة "سياحية" في الأراضي التركية تخولني التنقل من تركيا وإليها بشكل قانوني بدون فيزا، إضافة إلى أنني أدرس الماجستير في جامعة "ماردين").

قبل الوصول إلى غرفة الأمن، طلب المحقق أن أفتح هاتفي الخليوي بطريقة لم تترك لي أي خيار بالرفض، خاصةً أن عائلتي داخل تركيا ولا أريد أن أُرحّل، ثم طلب مني فتح حساب فيسبوك الخاص بي، وهو ما قمت به بعد محاولة اعتراض غير ناجحة. أخبرته أنني صحافي ومن الطبيعي أن يكون على صفحتي أصدقاء لديهم توجهات متعددة. لكن ذلك لم ينفع.

كانت كل تصرفات عناصر الأمن تشير إلى أنهم يبحثون عن أمر ما لديهم إخبارية مسبقة عنه، وهو ببساطة مواقفي مما يجري في سوريا ومن بعض الأمور المتعلقة بالقضية الكردية.

بدأت الأسئلة عن عملي ومهنتي، وماذا أعلم عن علاقة الكرد بالتحالف الدولي في شمال سوريا، حتى أن أحد المحققين طلب أن أدلي بأسماء أناس يعملون لصالح "الإدارة الذاتية الديمقراطية" و"حزب الاتحاد الديمقراطي" من تركيا، وأنني لو منحته أسماء البعض ربما يتم القبول بدخولي إلى تركيا بشكل اعتيادي، فأجبت أنني صحافي لا "مخبر".

بعد هذا الجواب تم إخباري بالتحضير للترحيل والطرد من تركيا.

انتظرت ساعة ونصف الساعة حتى انتهت التحقيقات والتفتيش بين مقتنياتي، إذ جرى فحص كل ما أملك من أجهزة، مقابل ذلك يتم الإعداد لترحيلي بإعادتي إلى إقليم كردستان العراق، المكان الذي جئت منه.

من حسن حظي أنني أملك إقامة في كردستان العراق، وإلا لكانت خيارات ترحيلي انحصرت بدولتين هما (ماليزيا والسودان) اللتان تستقبلان حاملي جوازات سفر سورية دون المطالبة بتأشيرة.

أو أنني أمام الخيار الثاني وهو الترحيل إلى سوريا عبر معبر "باب الهوى"، الذي تسيطر عليه فصائل إسلامية، تُغذي نموها تركيا منذ بداية الصراع في سوريا.

قالوا لي إنني لو منحتهم أسماء البعض ربما يقبلون بدخولي إلى تركيا، فأجبت أنني صحافي لا "مخبر"
حتى أن عشرات المؤسسات الإعلامية السورية العاملة من تركيا لن تستطيع الكتابة عن طرد صحافي خشية غضب "السلطان"

فور انتهاء التحقيق وأخذ صورة شخصية لي، قال المحقق "أنني شخص غير مرغوب به في تركيا وعليّ الرحيل، فتم سحب الإقامة التركية مني"، دون أن أستطيع المطالبة بحق تأمين مترجم أو الدفاع عن نفسي، إذ حُكم على مصيري بتركيا من قبل عنصرين من الأمن.

لم تشفع لي المطالبة بحقوقي على أنني طالب ماجستير في تركيا، بل كان الجواب من قبل أحدهم "اِنسَ كل ما يربط وجودك بتركيا". الأمر الذي لم يكن سهلاً ما دامت عائلتي في تركيا، كما لدي فيها ارتباطات والتزامات.

تم بعدها تسليمي إلى شرطة المطار ووضعي في نظارة الاحتجاز بمطار "أتاتورك" لمدة ساعتين، قبل ترحيلي بطائرة موجهة إلى "أربيل".

في الساعة الثانية عشرة ونيف كان موعد ترحيلي، عشت بعدها أوقاتاً عصيبة. التفكير بعائلتي. وعدم استطاعة رؤية أهلي مجدداً، كل تلك كانت أمور تلح علي وأنا أعيش تجربة الترحيل القسري... وتراودني فكرة أن الخلاص من تركيا أيضاً حل جيد ربما إذا أعدنا النظر بمصير صحافيين سوريين فقدوا حياتهم أو اعتقلوا في تركيا سابقاً.

ما حصل ربما لم يكن مستغرباً مع التغيرات الحاصلة مؤخراً في السياسة التركية، وتطبيعها العلاقات مع روسيا والنظام السوري، لكن لم يكن لحد أن تغامر دولة تدعي "الديمقراطية" و"القانون" بسحب إقامة منحتها لي بشكل قانوني، وهي من حقي مثل أي أجنبي مقيم في الأراضي التركية، وترحيل صحافي، إلا في حال استثناء أن تركيا تعيش في حالة قانون الطوارئ الذي شرعن بعد "الإنقلاب" في تركيا كل شيء.

صحيح أن تركيا ترى نفسها بلداً فتح أبوابه للسوريين، وآواهم، لكن بالنسبة لي ولعائلتي وأهلي لم تكن تركيا خيارنا، بل النزوح إلى تركيا فُرض علينا، عندما دعمت تركيا فصائل راديكالية تحت مسمى "الجيش السوري الحر".

في نهاية عام 2012 فتحت الحدود لهم، وقوامهم 48 فصيلاً وأدخلتهم إلى مدينة "سري كانيه- رأس العين" (مسقط رأسي). وعملت تلك الفصائل على نزوح أهلي.

أثناء عودتي إلى أربيل لم يكن من السهل استيعاب الشعور الذي أعيشه، مع قرار الطرد والترحيل، وأنا أفكر بأهلي وبسنين خمس قضيتها في تركيا.

فبرغم شعوري خلال السنوات الماضية بالقسوة والقوة نتيجة ما عشناه في سوريا، واعتيادية الواقع بحكم عملي الصحافي اليومي في الشأن السوري والمراقب للحظات الحرب السورية، فلأول مرة كان الضعف يهزني.

ظلم آخر جديد يضاف لظلم الأنظمة السورية علينا، هو ظلم الأتراك، الذي أدركته جيداً بحكم أن موعد رحيلي وعودتي في الطائرة صادف بدء قراءتي للصفحات الأولى لكتاب نور الدين زازا بعنوان "حياتي ككردي".

ومن قرأ الكتاب يعلم أن الصفحات الأولى تظهر مدى الظلم الذي لاقاه زازا وعائلته في "مادن"، مسقط رأسه على يد الجمهورية التركية (الكمالية) الأولى في بداية عهدها، وسيجد تشابهاً مع ما يمارسه "أردوغان" الآن وهو يبني الجمهورية التركية الثانية.

بالعودة إلى عنوان المقالة، فقبل نحو عام ونيف، في 22 ديسمبر 2016، التقى الرئيس التركي "أردوغان" في قصر يلدز بمدينة إسطنبول مع مجموعة من الصحافيين والناشطين الإعلاميين السوريين، في لقاء كان قد أعد له مسبقاً، وكنت آنذاك من بين المرشحين لحضور لقاء "السلطان الجديد"، على أنه لقاء مفتوح سيتم خلاله سماع هموم الصحافيين السوريين وحل مشاكلهم.

كنت أمام قناعتين ولم يكن لدي رغبة في الحضور، الأولى: أنني ككردي لا استهوي جلسات كهذه لا فائدة منها مع زعيم دولة يهضم حقوق الكرد. والثانية: كصحافي ليس من السهل أن أتقبل اللقاء برئيس دولة في عهده بدأ خنق الحريات، والتضييق على العمل الصحافي ونشر الرقابة وسجن الصحافيين في الجمهورية التركية الثانية.

فكيف سأقتنع بأن رئيساً سيهتم بشأن صحافيين سوريين، بينما أطلق العنان لاستخباراته لكم أفواه صحافيي بلده؟ هنا حاولت أن أقنع الشخص المتصل بي بمنحي الوقت في محاولة للتهرب من الموضوع بطريقة غير مباشرة.

خلاصة القول إن ما حصل لي كصحافي هو مؤشر حقيقي على أن تركيا لم تعد مناخاً مناسباً لعمل الصحافيين، على عكس ما يتم الترويج له، وذلك أن تركيا اليوم تعمل على تحقيق مصالحها، فمن سيوافق على مساوماتها على حقوق السوريين سينجو، ومن سيخالف ذلك سيتم ترحيله.

حتى أن عشرات المؤسسات السورية الإعلامية الجديدة العاملة من تركيا لن تستطيع الكتابة عن حالة طرد صحافي خشية غضب "السلطان".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image