شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
شظايا حرب

شظايا حرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 22 مايو 201709:28 ص

اشتريتُ في بداية العام علبة كبيرة من الوقت 

عُلبة تتّسع لأشيائي المبعثرة وأفكاري المتراكمة المتمردة

علبة فارغة!

كتبتُ عليها من الخارج عدد الأيام المتاحة أمامي، ورسمتُ العديد من الأشكال التي تغزو دماغي لبساطتها وجمالها..

رسمتُ أشخاصاً، وساعة صغيرة خالية من الوقت الكثير، ومئات الطرقات، وأبواباً مفتوحة يمرّ عبرها الريح، وآلاف الابتسامات، وليلاً شاحباً ..

علبتي هذه كوكب بديل يمكن العيش فيه.

في بؤرة المسافة يسيل لعاب الطريق، يغدو الأفق جرح النظر، يسقط الغد في متاهة الاعتياد، المستقبل حديث الوقت.

بعد الحرب تولد الأيام بجينات مشوهة، الدقائق تتزحلق إلى العدم والأحاديث تأويلها الفراغ، تنمو غابات من السنديان بهيئة قبور، ظل الحب امرأة بالأسود ورجل بالكفن ..

القناص على شرفة يدي يصيب كل مبادرة بالفعل، الشارع يلونه الأحمر والجنازات تقام في رؤوسنا، الأصوات خائفة تحتشد في بئر الحنجرة، نحن نتزوج الجدران، مهابة عنوسة الارتجاف، والموت ببغاء يكرر حياتنا على شكل نهاية، والحياة سلحفاة غبية لم تقتنص نوم الأرانب .

لا نسد جوعنا بالطعام، نحن نسده بالحلم، لذلك كلما غفونا أصابتنا التخمة ولم نستطع الاستيقاظ، نحن خائفون كفكرة، نمشط الطريق ذهاباً وإياباً، نراوغ المطبات ولا نصل لشيء، تدهسنا أول شاحنة مسرعة تحمل بغالاً على ظهرها...!

لا نموت مرة واحدة، نكمل جولة الآلهة في اللعبة، نسقط كأحجار الشطرنج على الأرض، وعندما ينهزم أحد الملوك يقومون بحشدنا على الرقعة ويقتلوننا مرة أخرى، لأن الموت هو المهنة الوحيدة التي تشغل العالم، وكأنها احتراف للكون، كل يوم يمارسها المجهول في شوارعنا دون أن يكنس بقايا تجاربه عن أجسادنا.

منذ حرب ونيف ونحن نكرع الظلام، لم نسع لهذه الظلال النازفة، لكن كلما تفيأنا بشجرة سنديان كان هناك منشار من الخلف يقطعها.

كثيرٌ من الصمت هو ضجيج يبرحُ أذنيك ضرباً من صخبه! و كثير من اللاشيء هو الوجودُ بعينه، وكثيرٌ من الشيء هو العدمُ، بعض الأشياء متناقضات لا محسوسة نخفيها بين القلب وشغفه لتتساوى مع اللاوجود فتموت قبل أن تحيا. لكن! كلُّ شيء له قيمةٌ بشكل او بآخر ... لا أحد يصمت طواعيةً .. داخل كل منّا عالمٌ يحوّرُ الأحداث والمحسوسات تبعاً لنمط تفكيره ورغباته وغاياته لمواساة ذاته أحياناً وأحياناً أخرى نفضل الاستغباء لراحةٍ لامتناهية ..

تعترينا غرابةٌ، والكثير من الأسرار والكثير الكثير من الكلمات المرصوفة دونما معنى كبوحٍ صامت وروحٍ تناجي ذاتها علناً.

إن الطريق هبوط طويل حد الموت لكنك استطعت تجاوزه والارتطام عميقاً في بعدك الآخر، كم أنت وحيد على رصيف الموت حتى الصدى لا يردد خطواتك، كم أنت منفي، لا جواز سفر يستطيع العودة بك، وهويتك لا تملك القدر الكافي من "الدبلوماسية ". فتنتقل بك نحو الرصيف المقابل، جميع الإشارات حمراء، كل التقاطعات صامتة حد السواد، كل الحدود تختنق بألغام  النهايات، إن الطريق للأعلى لم يعد كما كان في الاتجاه المعاكس للحياة، هبوطك كان جارحاً كاسراً، كان قاتلاً حد الزوال.

أقولُ كلَّ هذا وأعلمُ أنني على الأقل لديَّ رفاهية التفكير في كل ذلك والتعبير عنه. لا أقول هذا تسخُّطاً أبداً، بل على العكس، أنا أستمتع بهذا النوع من الرضا المصحوب بالقليل من العدمية الذي لا يؤدي لليأس والقنوط إنما يؤدي للقبول بالواقع كما هو، واقعٌ دون قعود وسكون ودونَ مبالغة في أحلام النهوض كذلك.

لذا وكما يريد هذا العالم منك أن تفعل أمام كل هذا الخراب، لم يعد في وسعك سوى أن تفتح عينيك بنفسك وتلملم عجزك حتى تزداد أغصانك نمواً وتغدو ثمارك أكثر نضجاً ليقوم هو بدوره كأي مزارعٍ كسول بقطف الثمار ويبقيك عارياً، غير مكترث بك أو بغيرك.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image