شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
حكايات صغيرة من مدارس سوريا الأسد

حكايات صغيرة من مدارس سوريا الأسد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 21 مايو 201701:41 م
كانت المدارس في سوريا، أيام كنت طالباً فيها (حتى اليوم ما زال الشكل نفسه وإن اختلفت بعض التفاصيل)، أشبه بالسجون، جدران عالية ونوافذ مسيّجة ومعلمون يضربون طلابهم بالعصي مختلفة الأشكال وأساتذة تدريب عسكري أشبه بالضباط يعاقبون الطلاب عقوبات عسكرية. لكن ورغم ذلك كنّا قد خلقنا لأنفسنا بعض الذكريات الجميلة، مثل كلّ السوريين في دولة الأسد الذين كانوا يحاربون كلّ شيء في كلّ يوم من أجل الحصول على حياة، طموحها أن تكون حياة عادية. عشت مع عائلتي حين كنت طفلاً في مدينة القامشلي، صدفة الشمال السوري، لمدة ست سنوات ومن ثم عدنا إلى دمشق بعدها. كنت حينها في الصف الخامس الإبتدائي. سُجلت كما معظم أفراد عائلتي، التي عاشت في دمشق، في مدرسة الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي. وكان في المدرسة أستاذا تربية رياضية، أحدهما كان هادئاً وتشعر بإنكساره طوال الوقت. كانت الإشاعات تقول إنّه بعد دوام المدرسة يعمل بواباً لشركة كبيرة؛ يفتح باب المصعد للمدير. بينما الأستاذ الآخر، والذي كنّا نظن بأنّه على علاقة بآنسة في المدرسة، كان عصبياً جداً. كان كلّما سمع صوتاً عالياً في صفٍ ما يذهب إلى هناك ويضرب الجميع بعصا كان يحملها دائماً بيده. في نفس المدرسة وفي الصف السادس، أي حين كان عمرنا أحد عشر أو اثنا عشر سنة، كانت إحدى الآنسات تضرب الطلاب الأطفال بشكل جنوني. مرة ضربت طالباً في صفنا، ولا أذكر السبب الآن، بشكل وحشي. ضربته بيديها ورجلها ومن ثم لفت ذراع الصبي خلف ظهره و"طعجت" جسمه بركبتها. انكسرت يد الطالب. ذهب إلى المستشفى وربط يده وفي اليوم الثاني أتى إلى المدرسة واعتذر من المعلمة. حين انتقلت إلى المرحلة الإعدادية انتقلت إلى مدرسة الشهيد محمد أحمد ناصيف في نفس المنطقة من العاصمة السورية دمشق.
كانت مدراس سوريا بجدرانها العالية أشبه بالسجون...
أنت لا تفتخر بعروبتك؟ فأقول له: كيف لي أن أفتخر بعروبتي وأنا لستُ عربياً؟ أحاديث من مدارس سوريا
كان هناك موجّه مدرسي، والموجّه هو الاسم الذي يُطلق على المسؤول عن الأمور التنظيميّة والإداريّة لعدد من الصفوف، يضرب الطلاب بأيّ شيء يحمله: عصا، حديد مقعد مكسور، طاولة… أيّ شيء. ذات مرة كان مربي الأجيال هذا يحمل عصا كاراتيه، كنّا نسميها "عصاية نيشاكو"، ويضرب الطلاب بها. تلقيت حينها ضربة عابرة على ركبتي التي بقيت توجعني لأسبوع على الأقل. في الصف الثامن لسبب ما بدأ طلاب المدرسة بحرق الكتب المدرسيّة بعد الانتهاء من الدوام، فخرج هذا الرجل من المدرسة ظناً منه أنّ الطلاب سوف يخافون منه ويتوقفون عن حرق الكتب. خرج من المدرسة ووقف في منتصف الساحة المواجهة للباب الخارجي للسور، وبدأتْ حينها ما يشبه الثورة. بدأ الطلاب برمي الأستاذ بالكتب. كان الأمر أشبه بمشهد سينمائي. هو في المنتصف والكتب تنزل عليه من كلّ حدب وصوب. في اليوم التالي، في الصباح الباكر دخل إلى الصفوف واحداً تلو الآخر منادياً على اسمين أو ثلاثة من كلّ صف. يبدو أنّ جواسيسه من الطلاب قد أعطوه بعض أسماء المشاركين في الحملة. كانت حصة صفنا طالبين. بدأ ضربهم وشتم أمهاتهم في الصف أمام المعلمة الخائفة التي تخفي وجهها خلف الكتاب. أخرج الطالبين من الصف ضرباً وحين عادوا بعد قليل كانت وجوههم غارقة بالدماء. لم يسمح لهم حتى بأن يغتسلوا. في سنيني المدرسية الأخيرة كنت طالباً في ثانوية التجهيز الأولى، مدرسة جودة الهاشمي، أشهر مدارس دمشق. وفي بداية سنتي الأخيرة كان الموجه ومعاون مدير المدرسة يوزعون الطلاب على الصفوف المختلفة، كانا يدخلان كل صف ويتلوان بعض الأسماء مع رقم الصف. بعد عدد من الأسماء أسمع أحدهما يقول اسم: وليد يوسف. فأصحح له: إنه دلير يوسف. ينظر إلى الورقة مرة أخرى ويقول بأنّ ذلك شخص آخر فأقول له أن لا "يوسف" غيري هنا ولا بدّ أنّه خطأ بالإسم. فيصرخ بي ويطلب مني الجلوس. يتوزع الطلاب على الصفوف المختلفة وأبقى أنا بلا صف. ذهبت إلى مكتب معاون مدير المدرسة وكان عدد من الطلاب حينها يتجمهرون حول طاولته لحلّ بعض مشكلات توزيع الطلاب. اقتربُ بصعوبة من طاولته وأقول له أنّني بلا صف. فيسألني عن اسمي. دلير يوسف أقول له. فيقول: دلير هممممم، اقترب. يأخذني إلى زاوية بعيدة عن الطلاب ويسألني بلهجة دمشقيّة: أنت من إخواتنا المسيحيين، لأنه عم نحط المسيحيين كلهم بالشعبة الأولى. فأقول له: لا أستاذ، لست مسيحياً واسمي كردي. تتسع حدقتا عينيه ويقول بصوت من تفاجأ بصاعقة حلّتْ به منذ قليل: كردي. ثم تحلّ دقيقة صمت بيننا. بعدها يقول لي اذهب إلى ذلك الصف لنرى ما سيحدث لاحقاً. ويشير بيده إلى أحد الصفوف. أكملت سنتي الدراسيّة في ذلك الصف. في نفس السنة وفي حصة التربية الإسلامية يوجه الأستاذ حديثه إليّ ويقول إنّني عربي وإنّ ديني عربي، فأقاطعه وأقول له إنّني لست عربياً، وإنّ عائلتي كرديّة. يقوم أحد الطلاب ويتحدث إلي بصوت عال: ألست سورياً؟ أقول نعم أنا سوري ولست عربي. فيزداد صوته ارتفاعاً: كيف يعني مو عربي… مو سوري أنت... سوري يعني عربي. فأقول له لا، لست ضد العرب لكن عائلتي كرديّة وسوريّة في نفس الوقت. فيتسع النقاش بين طلاب الصف وبمشاركة الأستاذ. بعد قليل يسألني نفس الطالب بصوت عال قاطعاً كلّ الهمسات والنقاشات الجانبيّة: إذاً أنت لا تفتخر بعروبتك؟ يصمت الطلاب والأستاذ وتتجه العيون نحوي. فأقول له: كيف لي أن أفتخر بعروبتي وأنا لستُ عربياً؟ يعمّ الصمت في الصف إلى أن يقرر الأستاذ العودة إلى درس العقيدة الإسلاميّة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image