شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
السيف، السلاح الذي اشتهر به العرب وتفننوا بصناعته عبر العصور

السيف، السلاح الذي اشتهر به العرب وتفننوا بصناعته عبر العصور

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 17 يوليو 201711:04 ص

 "لا تزالُ العربُ عرباً ما لبست العمائمَ، وتقلدت السيوفَ، ولم تعدُد الحلم ذُلا"، كما قال الأحنف بن قيس، سيّد تميم في الجاهلية.

تفنن العرب قديماً في صياغة وصناعة أمضى أنواع الأسلحة وأبدعها، ومن بينها السيف الذي استطاع على طول التاريخ العربي والإسلامي أن يحفر لنفسه مكانة متميزة بين الأسلحة الأخرى. واعتمد عليه العرب وبه أقاموا ممالك ودولاً، وهدموا حضارات كبيرة كانت قائمة حولهم. وقرّب العربي السيف منه واعتبره قوته الذي يحمي به نفسه، ويدافع به عن عرضه، ويقهر به خصمه، وقام بزخرفته وتزيينه، وهذا المقال يطلّ على ملامح تطور السيف عند العرب، وأبرز صفاته، والأسماء التي ارتبطت به، وأهميته كتحفة فنية احتفظت لنا بمعلومات وافية عن تاريخ العرب الطويل الذي امتد لقرون. INSIDE_Sword4INSIDE_Sword4

لمحة تاريخية عن السيوف

بحسب كتاب تأريخ ما أهمله التاريخ: أبحاث وأحداث لمؤلفه قتيبة الشهابي (2006)، فإن تاريخ السيوف ترقى إلى العصر البرونزي، أي الألف الثالث قبل الميلاد، والتي صنعت وقتها من معدنيّ النحاس الأحمر، والبرونز، وهو عبارة عن سيف بنصل رقيق طويل مستقيم له مقبض في نهاية النصل. وفي القرن العاشر قبل الميلاد صَنع الإغريق، والآشوريون، واليابانيون، وسكان جنوب شرق آسيا السيوف من الحديد المطرَّق، وتطور شكل السيف في العصر الروماني حتي أصبح للسيف مقبض مميز عن النصل فخف وزنه وسهل حمله وكان أسهل في القتال. أما العرب فقد عرفوا السيوف المستقيمة ذات الحدّين القاطعين، وقد اشتهرت منها السيوف اليمانية المصنوعة في اليمن، ومع بزوغ فجر القرن الثالث عشر الميلادي انتشرت في البلدان الإسلامية السيوف المنحنية ذات الحد الواحد.

أشكال ومواصفات السيف العربي

تطورت صناعة السيوف في التاريخ العربي تطوراً كبيراً منذ العصر الجاهلي، مروراً بالفتوحات الإسلامية، والسيف الدمشقي، كذلك السيف الذي صنع في مدينة طليطلة أثناء الوجود الإسلامي في الأندلس. فيقول القلقشندي في كتابه صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، عن السيوف ونسبتها: إن من أنواع السيف: "سيف الفولاذ" وهو المصنوع من حديد ذكر يسمى الفولاذ، أما إذا صنع من حديد أنثى قيل له "سيف أنيث"، وإن صنع متنه من حديد أنثى وحدآه من حديد ذكر قيل عنه "سيف مُذكر" وإذا صنع من الصفيح العريض قيل عنه "صفيحة". وإنْ كان محدقاً لطيفاً قيل عنه "قضيب" وإن كان السيف قصيراً يُحمل تحت الثياب قيل عنه "مِشمل"، وإن كان له حد واحد وجانبه الآخر جاف قيل عنه "صمصامة". وتارة ينسب السيف إلى بلد الصنع فيقال للسيف الذي يصنع في الهند "سيف هندي" أو "مهند" والذي صنع في اليمن يقال له "يمانٍ" والذي صنع في المشارف بريف العراق يقال له "مشرفي"، كما ينسب السيف إلى صانعه أو المصنوع له فيقال "سيف السريجي" أي نسبة إلى سريج وهو من حدادي العرب الذين عرفوا بحسن صناعة السيوف.

أشهر الأسماء التي ارتبطت بالسيف عند العرب

أورد كتاب معجم أسماء سيوف العرب وأصحابها: معانيها، ما قيل فيها أو في أسمائها من الشعر والنثر القديم لزيد عبد الله الزيد (2009) أكثر من مائة وتسعة وثمانين اسماً ولقباً ارتبطت جميعها بالسيف عند العرب منذ العصر الجاهلي حتى استخدام أسلحة متطورة في الحروب. وكان لرسول الإسلام عدة سيوف مشهورة جمعها زيد عبد الله الزيد في كتابه أسماء سيوف الرسول صل الله عليه وسلم: صنفها، معانيها وما قيل في هذه الأسماء (2009)، وهي: المأثور، البتار، الجراز، الحتف، الحيف، المخذر، الرسوب، الصمصامة، المعصوب، اليماني، القلعي، القضيب، ذو الفقار، العضب. أما عن أشهر أسماء السيوف عند العرب: الأبتر: هو السيف القصير؛ الإبريق، هو السيف الأبيض الناصع شديد البريق، وقيل كثير الماء (أي متعدد التموجات أو الجوهر)؛ والأذود هو السيف القاطع؛ وأمّا الأرقب، هو السيف غليظ النصل؛ والإصليت، هو السيف الصقيل أو الصارم، المجرد من الغمد، وقيل: الذي لا يعلق به دم المضروب. أمّا الأقلف فهو السيف بحد محزز واحد، وقيل الذي له حد واحد وحزز طرف ظبته، والأنيث هو السيف المصنوع من حديد غير ذكر (أي الذي صنع من الحديد لا الفولاذ)، كما أنّ الباتك أو البتوك هو السيف القطاع (وهو اسم سيف لملك بن كعب الهمذاني). بقيت أسماء سيوف الفرسان الذين اشتهروا في التاريخ العربي، فمن أشهر سيوف التاريخ العربي، "ذو الفقار" كان سيف علي بن أبي طالب؛ والأخيرس، هو اسم لسيف الحارث بن هشام؛ والأفل وهو اسم سيف عدي بن حاتم الطائي؛ وأمّا الأولق فهو اسم سيف خالد بن الوليد، وأخيراً، العماري هو اسم لسيف أبرهة بن الصباح الحميري.

السيف الدمشقي وتميزه في التاريخ العربي

[caption id="attachment_113897" align="alignnone" width="700"]INSIDE_Sword5INSIDE_Sword5 صور سيف السلطان محمد الفاتح 1451-1481م[/caption]

تميز السيف الدمشقي "المصنوع من معدن فولاذ الصلب المرن الذي كان يعتبر أشهر أنواع المعادن" بأشكاله المختلفة وزخارفه المتموجة، اعتمد في تصنيعه على تفحيم الحديد Carburization إلى درجة الحرارة الحمراء بتماس مع مواد كربونية شبيهة بالفحم في أوعية مغلقة، ينتج عنه خليط ما بين الحديد والفحم.

[caption id="attachment_113893" align="alignnone" width="700"]INSIDE_Sword1INSIDE_Sword1 صانع سيوف في دمشق، 1900[/caption]

وقد تميز الفولاذ الدمشقي بقساوة استثنائية، وبصفاء مظهره المتموج المخطط.

العناية بفتل ولحام صنفين من الحديد أو الفولاذ أعطت هذا السيف القدرة على القطع الفائق، كذلك تمّ تطعيم مقبضه بزخارف جميلة من الذهب والفضة، وتشتهر مدينة دمشق منذ القدم بتطعيم وتخريم وتزيين المعادن.

أكثر من مائة وتسعة وثمانين اسماً ولقباً ارتبطت عند العرب بالسيف الذي تفننوا بصناعته
تحوّل السيف من سلاح للحروب إلى قطعة مادية فنية تؤرخ للتاريخ الطويل للعرب

ومع غزو تيمورلنك لدمشق سنة 803هـ/1400م انهارت صناعة السيوف بسبب قيامه بإرسال جميع صناع السيوف المهرة من دمشق إلي مدينة سمرقند، ففرغت منهم المدينة وتدهورت الصناعة.

ولمكانة هذه الصناعة التي اشتهرت بها بلاد الشام أقيم للسيف الدمشقي نصب تذكاري في قلب ساحة الأمويين بالعاصمة السورية دمشق ليشكل معلماً أساسياً لها.

فالسيف الشهير الذي كان يمثل في العصور القديمة أداة حرب، ووقف وراء العديد من الانتصارات حيث يعتقد بوجود سرِّ كبيرٍ وراء صناعته، وظل لعهود كثيرة محافظاً على بريقه الخاص الذي مكنه من اكتساب صفة السلاح الأسطوري الفعّال في المعارك والذي يصعب كسره، وتحول إلى رمز.

وتغنت السيدة فيروز بالسيف الدمشقي في أغنيتها الشهيرة "شام يا ذا السيف": شام يا ذا السيف لم يَغِبِ يا كلام المجد في الكُتُبِ قَبْلَكِ التاريخُ في ظُلْمَةٍ بَعْدَكِ استولى على الشُهُبِ

اهتمام العرب بتزيين وزخرفة السيوف

اهتم العرب على مدار تاريخهم الطويل بتزيين وزخرفة سيوفهم، فتارة ترصع بالجواهر، وتارة أخرى يحلونها بالذهب، وتارة يحلونها بالفضة، وكذلك تفنن العثمانيون في صناعة وزخرفة وتزيين السيوف.

ولكن يعدّ العصر المملوكي الأشهر في التاريخ العرب والإسلامي في صناعة السيوف، وبالرغم من ذلك لم يصل إلينا من مقتنيات العصر المملوكي إلا مجموعة قليلة من سيوف الأمراء والسلاطين.

كان سبب ذلك الحروب: من استيلاء تيمور لنك على دمشق عام 1400م وقيامه بنهب وحرق كل ما تشمله قصور السلاطين والأمراء من تحف ومنها السيوف، إلى احتلال العثمانيين لبلاد الشام بين عامي 1516 و1517 ونقل كنوز ومقتنيات الشام إلى إسطنبول.

وتشهد على ذلك ما تشمله المتاحف الأوروبية من تحف ومقتنيات، وكانت السيوف أيام العثمانيين لا تصنع بغرض الحرب بل ليتقلدها الأمراء في البلاط العثماني في المناسبات العامة أي بغرض الزينة، فقاموا بزخرفتها وتأنيقها بالذهب والأحجار الكريمة.

ويعتبر سيف السلطان العثماني بايزيد الثاني (1481–1512) من أشهر وأهم السيوف العثمانية المزينة وأقدمها، وهو مصنوع من الصلب ويزين بزخارف نباتية جميلة، وكتابات عربية مرصعة بالذهب.

أما السيوف العربية في الأندلس تستحقّ الاهتمام فتعتبر شاهداً على العلاقات بين سلاطين غرناطة والملوك المسيحيين هناك، حيث أهدى السلطان أبو الحجاج يوسف عام 1409م سيوفاً من الفضة الخالصة إلى دون خوان الثاني.

ويعتبر سيف الملك أبي عبد الله محمد الثاني عشر آخر ملوك غرناطة المحفوظ في متحف الجيش الإسباني من أروع السيوف الإسلامية على الإطلاق، فمقبضه من العاج تكسوه زخارف دقيقة، ومزين بتوريقات، وكتابات منها البسملة، وآيات قرآنية، استولى عليه الملك الكاثوليكي فرديناند والملك إيزابيلا عندما سقطت غرناطة على يديهما. خوذةخوذة خوذة آخر ملوك غرناطة المسلمين، أبو عبد الله محمد الثاني عشر، الملقب بالغالب بالله (1460–1533)، محفوظة في متحف الميتروبوليتان في نيويورك.

انتقل السيف من أداة للحرب والدمار إلى قطعة مادية تؤرخ للتاريخ الطويل للعرب، الحافل بالانجازات والإخفاقات. 

فنجد السيف بارزاً في المتاحف الكبرى في العالم لا سيما متاحف الدولة العثمانية في تركيا التي تضم بين جنباتها عدداً كبيراً من السيوف العربية التي جلبوها من الشام ومن مصر، يأخذ مكانته ويأتي إليه الناس من كل مكان ليتعرفوا على تاريخهم وتاريخ الحضارات التي وجد فيها.

ويضم متحف محمد علي بالعاصمة المصرية القاهرة، خاصة في القاعة الرابعة، سيوف وخناجر عربية وعثمانية تؤرخ لفترة حكم محمد علي لمصر وبعض من التاريخ العربي والإسلامي.

[caption id="attachment_113894" align="alignnone" width="700"]INSIDE_Sword2INSIDE_Sword2 سيوف السلطان محمد الثاني، سليم الأول، . بيازيد الثاني وقسطنتين[/caption]

كما تدخل السيوف في عروض الشرف العسكرية كما في معظم الجيوش، وتستخدم أيضاً في المناسبات الوطنية وخاصة في منطقة الخليج العربي التي يهتم أهلها دائماً بتقلد السيف وإظهاره باعتباره معلم من معالم التراث العربي القديم.

 فنجد المواطن العماني والبحريني واليمني خاصة دائماً ما يميل إلى تقلد السيف في جميع مناسبته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image