شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الحضارة الإسلامية تحفة العالم"، كتاب بقلم أهم خبراء الإسلام في أمريكا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 13 ديسمبر 201607:59 م

 "الحضارة الإسلامية في ثلاثين شخصية" هو الكتاب الجديد لتشيس روبنسون، صاحب عدد من أهم الكتب المرجعية عن التاريخ والثقافة الإسلامية، يضم 30 صورة لشخصيات إسلامية متميزة في التاريخ الإسلامي، وفيه تغطية رائعة للمظاهر الإبداعية والتكنولوجية المتنوعة التي ألهمها النبي محمد من قرنه السابع في شبه الجزيرة العربية. من هذه الشخصيات، في طبيعة الحال، المحاربون والملوك: بداية بمحمد، حتى الشاه إسماعيل بعد 900 سنة، الذي يشكل خاتمة الكتاب، ولكن في رواية روبنسون تبدو فنونهم القتالية ثانوية قياساً بأعمالهم الفنية الجمالية. والاحتفال بمحمد لم يكن بسبب انتصاراته في ساحات المعارك؛ بل لسحر الآيات الرائعة التي جاء بها. الخليفة عبد الملك الذي فتح قبرص كان مشهوراً لدى مؤرخي العمارة الإسلامية ببنائه لقبة الصخرة المهيبة في القدس، رغم أن رائحة فمه كانت كريهة لدرجة قاتلة.

محمود الغزنوي (971 ـ  1030 م) الجهادي الذي غزا الممالك الهندوسية في شمال غرب الهند كان محط إعجاب لقيامه بتزيين شرق الإمبراطورية الإسلامية بالحدائق. (في مديح أحد شعراء  البلاط، مخاطباً الغزنوي: "أنت نظمت الوردة البرية مع اللؤلؤ"). والمغولي تيمورلنك "سارق الأغنام وفاتح العالم" بنى أبراجاً من الجماجم، ولكنه أيضاً بنى مساجد رائعة في سمرقند. والسلطان محمد الثاني العثماني الذي فتح القسطنطينة، كان "رجل نهضة". كانت الشخصيات التي ترعى البلاط ساحرة مثل المقاتلين العظماء. وتشمل الشخصيات التي اختارها روبنسون أطباء، وعلماء أحياء، وخطاطين، ورسامي خرائط، ومؤرخين وشعراء من ذوي التفكير الحر، من بينها محمد الإدريسي (المنشورة إحدى خرائطه مع هذه المقالة). وعلى الرغم من أن محمداً نفسه كان أميّاً، فقد دونت أحاديثه وعلومه في الكتب، وإحدى السور القرآنية اسمها سورة "القلم"، وبحسب التراث الإسلامي، فإن آدم أبو البشر هو من صنع أول قلم، وعلي صهر النبي، وخليفته، صاغ مبادئ نحو اللغة العربية. وفي صفحات الكتاب أيضاً قسم لكبار رجال الأعمال. في القرن التاسع، كما هو الحال الآن، كان رجال الصناعة يشكون من وجود أدوات المطبخ المصنوعة في الصين بكميات ضخمة في السوق. وكان للنساء حضور أيضاً كصوفيات، ومحظيات، وعالمات. فقد كانت كريمة المروزية تقود دائرة دراسات قرآنية تحت أقواس مسجد مكة للرجال والنساء. وبالإجمال، ربما لاحظت أن هناك الكثير من الصحابيات حافظات، وراويات أحاديث عن النبي.

كتاب فيه تغطية رائعة للمظاهر الإبداعية والتكنولوجية المتنوعة التي ألهمها النبي محمد في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع
أهم خبراء الإسلام في أمريكا يقول: العالم الإسلامي عند نشأته جسّد "عولمة قبل الآوان"، و"ثقافة كونية"...
إن ما ظهر هو حضارة كانت سوقاً للأفكار كما كانت في الوقت نفسه سوقاً للسلع. يقول روبنسون: "لقد قيل إن التحضر ومحو الأمية يعتبران ظاهرة تميز العصر الحديث"، "ولكن هذا خطأ". وبدلاً من ذلك، يقول روبنسون إن العالم الإسلامي جسّد "عولمة قبل الآوان"، و"ثقافة كونية"، و"عالماً من التلاقح" والرأسمالية. الغنى الذي حصل عن طريق التجارة بنى مدناً هي الأجمل في العالم. لقد امتدت بغداد في القرن التاسع بشكل سريع مثلما امتدت فيما بعد مانهاتن بعد الألفية، وكانت المكائد والجنس والخلاعة مكوناً أساسياً من تركيبتها، وكان هناك 30,000 قارب تعمل في نهر دجلة، وقرطبة العاصمة الإسلامية الأخرى كانت المدينة الأعظم في أوروبا، وقد قدمت بعض أعظم العقول: مع الفيلسوف العقلاني ابن رشد في القرن الثاني عشر الذي دافع عن فلسفة أرسطو ضد رجال الدين المتشددين، أثّر بمن بعده مثل توما الأكويني، وكان دفاعه عملاً تنويرياً لم يحصل من قبل أبداً. من خلال هذه الشخصيات ينقض روبنسون أسطورتين عن الإسلام: السلفيون، المتشددون الذين يسيطرون على الخطاب الإسلامي في القرن 21، معتبرين أن قدوتهم النبي محمد كمؤسس أول للإيمان الموحد الذي يجب على كل مسلم أن يطمح لإعادته كما كان في برهته المحمدية. حسب رؤية روبنسون، فإن الإسلام الذي قدمه النبي لم يكن متبلوراً. وفي غياب النبي المؤسس، لم يحتدم الجدل في المجتمع المسلم حول أدق تفاصيل التشريع؛ بل حول من يجب أن يحكم، وكيف، ولقد خاضت زوجته المفضلة "عائشة" معركة ضارية ضد صهره "علي" على خلافته. وكان الإيمان توفيقياً على نحو عميق: لقد توسع من خلال تقاليد الشعوب التي خضعت لسيطرة المسلمين. ولم ير الحكام الأوائل أي تعارض بين وجود الإسلام الصحيح وشرب الخمر. وكثيراً ما كانت المصادر لا تعطي إجابات كافية على الأسئلة الأساسية. وعلى سبيل المثال، جادل المتدين الملتزم والسياسي ابن حزم الأندلسي ضد عقوبة الموت للمثليين قائلاً بأن القرآن لم يشرع لها البتة. (واقترح بأن عشر جلدات يمكن أن تكون مناسبة كعقوبة). وبعد عدة قرون تالية فقط تبلور الإيمان وأصبح قريباً مما هو عليه في أيامنا هذه. الأسطورة الثانية التي دحضها روبنسون والتي غالباً ما طرحها المستشرقون: وهي أن تشديد القبضة العقائدية أدت إلى إسلام عقائدي متشدد. كتب أبو بكر الرازي الكيميائي الفارسي والطبيب في القرن العاشر رسالة بعنوان "حيل المتبنيين"، يؤكد فيها تقديم العقل على الوحي، ويسخر من مدعي النبوة كدجالين وحكواتية. وقد حماه قوله بأن العقل هبة من الله اتهامه بالتجديف. وفي القرن التالي أصدر البيروني أعظم كتاب في الدين المقارن، وقد أخذ أمثلة من اليونان، والفرس، والسنسكريتية جنباً إلى جنب مع أقوال النبي. وقد كتب ابن الطفيل (1105 _1185 م) قبل دانيال ديفو (1660 _1731 م) بخمسة قرون قصة حول فتى نشأ في جزيرة متصحرة، (قصة حي بن يقظان). أبرزت استعارته أن البشر، بدون وحي، يتطورون ككائنات عقلانية.

قبل كولومبوس بثلاثة قرون وجدت نسخة من خريطة العالم التي رسمها محمد الإدريسي في "كتاب روجر" عام 1154

مع حلول القرن الرابع عشر الميلادي، انتقل مركز العالم الإسلامي إلى اسطنبول، ولكن بلاطها استمر في جذب كبار العلماء في العالم، وجذب الفنانين، وبقيت في الطليعة من حيث التقدم الطبي، والتكنولوجيا العسكرية. بعد دورة من الدمار، بدأ مع الحكم المغولي اهتمام جديد في مجال العلوم، بصورة خاصة في مرصد مراغة الذي يستند كوبرنيكوس في تصوره للكون على النتائج التي توصل إليها ذلك المرصد. وقد بقيت التعددية الثقافية، وربما حتى التعديدية العقائدية، ميزة مألوفة في الحكم الإسلامي. لقد ترك إيمان المغول الذي تناوب بين السنة والشيعة آثاراً متميزة. كان راشد الدين اليهودي الإيراني المولد، الذي اعتنق الإسلام، وعمل وزيراً لـمحمد أولجايتو (حاكم تبريز 1280 - 1316 م)، هو الذي أقام مجمعاً عالمياً للعلماء قرب تبريز في القرن الرابع عشر، وعينهم للعمل على تاريخ شامل للعالم، هو "جامع التواريخ". إن اتساعه الموسوعي هو تركيب لمواد مأخوذة من علماء باللغة العبرية (يبدو أن راشد الدين هو الذي ترجمها بنفسه)، ومن رهبان كشميريين، ومبعوثين صينيين، وربما النصوص الأكثر تعاطفا لبوذا في نص غير بوذي. وعلى بعد أكثر من 2000 ميل في تونس، كتب ابن خلدون التاريخ الاجتماعي الذي لم يعتمد مصنفات البلاط، لأول مرة، ليستكشف الأسباب الكامنة وراء الأحداث التاريخية. هناك بالطبع شخصيات أقرب إلى شخصيات الأصوليين الإسلاميين في أيامنا الحديثة. تقي الدين بن تيمية الذي كان قاضياً في دمشق والإسكندرية في القرن الرابع عشر وقف ضد المغول بسبب تفضيلهم للشيعة، وبسبب تطبيقهم قانونهم الخاص وليس الشريعة، واعتبر ذلك إثماً وارتداداً منهم عن الإسلام. وعندما تغاضت سلطات المماليك السنية، التي كان يفضلها، عن شتائم رجل مسيحيين للنبي، حرك الغوغاء للمطالبة بقطع رأسه. هذا اللاعب الثانوي في زمنه رفعه السلفيون المعاصرون إلى مركز الصدارة، وهم يضعون تعاليمه جنباً إلى جنب مع تعاليم النبي في المناهج التعليمية الأساسية في المملكة العربية السعودية.

ترجمة للمراجعة التي نشرت في مجلة الإكونوميست في تاريخ 5 ديسمير، تحت عنوان: The People who Shaped Islamic Civilisation، للكاتب Nicolas Pelham.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image