"إن لم تتمكنّ من تطبيق ما نتعلمه هنا في حياتكنّ العملية، فلن يكون لتدريباتنا أي معنى. ثقن بأنفسكنّ وبقدراتكنّ على مواجهة أي موقف مهما كان صعباً ومؤلماً واربطن ما نتعلمه هنا بتلك المواقف".
بهذه الكلمات تخاطب مدربة الفنون القتالية، عزة عطورة، مجموعة فتيات اخترن القدوم وتعلم فن الدفاع عن النفس في نادي تشرين الرياضي الواقع في منطقة البرامكة وسط العاصمة السورية دمشق.
وتستمر المدربة ومساعدتُها في شرح وتطبيق الحركات القتالية، كضربة الفأس، أو ضربة المرفق وغيرهما في حث الفتيات على الثبات وعدم الاستسلام وضبط إيقاعهن الداخلي، مع زرع قدر من الابتسام والمرح في نفوسهن.
الجريمة والشارع السوري
مع ارتفاع نسبة الأخطار والحوادث التي قد تتعرض لها الفتيات والنساء في سوريا التي تعيش حرباً منذ أعوام، كان تعلّم أنواع الفنون القتالية المختلفة، وعلى رأسها الدفاع عن النفس، ملاذاً لجأت إليه العشرات من الجنس اللطيف بقصد رفع قدرتهن على مواجهة مختلف المواقف التي يمكن التعرض لها في الشارع أو المنزل أو أماكن الإقامة المؤقتة. ومن خلال تقارير مختلفة نُشرت خلال الأعوام السابقة، تؤكد العديد من المصادر الصحفية السورية ارتفاع نسبة الجرائم في البلاد عما كانت عليه قبل العام 2011. ومن هذه التقارير، ما نشره الموقع السوري سيريان تلغراف قبل ثلاثة أعوام حول وصول أعداد جرائم القتل ضد النساء في سوريا إلى 400 جريمة، منها نحو 100 في دمشق. ونقل الموقع عن نقيب المحامين السوريين نزار سكيف قوله "إن أكثر الجرائم انتشاراً في الشارع السوري هي سرقة السيارات والمحلات التجارية وتهريب البضائع والعنف وعمليات خطف المواطنين". وفي العام نفسه، نشر موقع صوت روسيا تقريراً يتحدث عن ارتفاع معدل الجرائم في الشارع السوري، مؤكداً ضرورة العمل على "الحد من تفاقم هذه الظاهرة وحلها بشكل جذري وإيجاد بدائل تتناسب مع الظروف الراهنة". بدورها، اقتبست جريدة تشرين السورية عن المحامي العام الأول في سوريا أحمد السيد ما صرح به عن "انتشار ظواهر سلبية جديدة لم تكن شائعة أو معروفة كسرقة الأعضاء البشرية والنشل والاحتيال وإساءة الأمانة، وازدياد عدد الدعاوى عموماً، والجزائية والمدنية منها خصوصاً"، وذلك في تقرير نشرته العام الفائت.الدفاع عن النفس ضرورة
دفعت هذه الحاجات المتزايدة التي فرضها الواقع الجديد في سوريا عطورة، وهي بطلة العالم في رياضة الكيك بوكسينغ للعامين 2000 و2010 إلى تأسيس مبادرة عزتي في العام 2014، بهدف تدريب السيدات على الوقاية والدفاع السلمي عن النفس ودعم من يتعرضن لاعتداءات مختلفة. تشير عطورة إلى أنها بدأت منذ العام 2007 بوضع منهج لتعليم السيدات مبادئ الحماية الذاتية والدفاع عن النفس نتيجة الأسئلة المتكررة التي كانت تتعرض لها من سيدات يرغبن في تعلم كيفية مواجهة الاعتداءات. وقد تحوّل تعلم السيدات وكافة فئات المجتمع لآليات الحماية الذاتية والدفاع عن النفس إلى ضرورة ملحة خلال الأعوام المنصرمة، وذلك بحسب عطورة التي تؤكد ارتفاع نسبة العنف في المجتمع السوري.فن الدفاع عن النفس وسيلة الفتيات لمواجهة العنف في سوريا
السيدات يعتبرنه خشونة والرجال يسعون لحجبه عن محيطهم من النساء، لكن الدفاع عن النفس بات ضرورة في شوارع دمشقانتسبت غزل مخللاتي (24 عاماً) إلى دروس الدفاع عن النفس منذ نحو سنة. تقول إن ازدياد العنف المجتمعي ضد المرأة، وسيادة قيم اجتماعية سلبية خلال الحرب نتيجة عوامل مختلفة على رأسها الضغط والوضع الاقتصادي المتردي، كانا وراء رغبتها في الالتحاق بتلك الدروس. وترى غزل الحائزة إجازة في الهندسة المعمارية من جامعة دمشق وشهادة بالموسيقى الكلاسيكية من جامعة "يال" في الولايات المتحدة الأمريكية، أن الدفاع عن النفس يجب أن يُدرج مادةً تثقيفيةً في المدارس شأنها شأن الموسيقى أو المواد الترفيهية الأخرى. "فالجميع، وخاصة المرأة، بحاجة ليكتسبوا قدراً من الوعي تجاه المشاكل التي يمكن التعرض لها بشكل يومي. إذا أردنا إحلال السلم فعلينا الإعداد والتأهب للحرب"، تضيف مخللاتي. وقد ساعدها إتقان فن الدفاع عن النفس على قراءة الإشارات المحتملة لأي حادث وذلك بمراقبة الجو العام "المشحون أكثر من ذي قبل"، بهدف تجنب أي مواقف عنيفة يمكن أن تتعرض لها.
الدفاع عن النفس ليس خشونة بل ضرورة
إن نشر هذه الثقافة على نطاق واسع لا يزال غير كافٍ برأي عطورة، ولا يخلو من العراقيل، ولعل أولها الوعي غير الصحيح لهذا المفهوم. "السيدات يعتبرنه خشونة والرجال يسعون لحجبه عن النساء. كما أن التعليم غير الممنهج والرامي إلى تحويل المرأة من شخص مدافع لشخص هجومي هو من علامات سوء الفهم لهذا الفن". وتقول عطورة إنها تعمل من خلال تدريباتها على ربط التقنيات الدفاعية بتدريبات عملية ونفسية وسلوكية وتوعوية، ترفع الثقة، ما يحولها إلى إنسانة مدافعة عن نفسها وعمن حولها دون أن تتحول لشخص مبادر أو مهاجم. وتتحدث عطورة عن العديد من التجارب الناجحة لنساء استطعن الوقوف بوجه عنف محيطهن العائلي الذي استشعر تغيراتهن النفسية وثقتهن المتزايدة بأنفسهن. وتضيف: "تدفع تلك الثقة الأفراد المعنِفين لإعادة التفكير وتعديل السلوك العنيف إلى آخر مبني على الحوار".علاج لأزمات نفسية
تتفق إقبال القادري، التي تعمل مستشارة نفسية مع جمعية تنظيم الأسرة السورية، مع هذا الرأي، إذ ترى أن هذا النوع من الرياضة قادر على معالجة حالات نفسية متأزمة وقضايا عنف قائم على الجنس دون اللجوء للعلاج الدوائي في كثير من الأحيان. وتؤكد القادري التي تحمل درجة الماجستير في علم الاجتماع انتشار حالات العنف المنزلي والعنف القائم بين الذكور والإناث والاعتداء خاصة على المراهقات والأطفال في المجتمع السوري أخيراً، الأمر الذي يدفع الفتيات أكثر فأكثر لتعلم تقنيات الدفاع عن النفس. ومع اقتناعها بأهمية هذه التقنيات، تعمد هذه الخبيرة النفسية لتحويل حالات تعاني من رهاب وقلق ومخاوف اجتماعية إلى دروس الدفاع عن النفس قبل الدخول بمرحلة العلاج الدوائي. وترى القادري أن فن الدفاع عن النفس يعمل على محورين متوازيين: فهو يبني الجسد ويزيد قدرة تحمله، ويساعد الفتيات على مواجهة مخاوفهن وضبط أعصابهن ورفع استعدادهن لمواجهة مواقف العنف المحتملة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...