فارقت الفنانة السورية نجاح حفيظ الحياة عن عمرٍ يناهز الستة وسبعين عاماً. قلب "فطوم حيص بيص"، الذي اكتوى يوماً بحب "حسني البورظان" توقف عن النبض ظهر يوم السبت.
الشخصية الطريفة، بلكنتها الشامية المحببة، ومفرداتها في الحديث كـ "ريجاءن.. ريجاءن".. "فطوم حيص بيص تتكلم"، توقفت عن الكلام.
هكذا اختتمت "فطّومة" مسيرة ستين عاماً من العمل الفني كممثلة، كانت خلالها من أوائل المنتسبات لنقابة الفنانين السوريين، تلك النقابة التي توجهت إليها بالعتب في آخر حواراتها الصحافية لجريدة "الأنباء الكويتية" قبل عامين تقريباً، قائلةً: "ليس هناك أي نوع من التواصل معي من قبل النقابة أو المخرجين، وكثير من الفنانين لا نراهم على الشاشة أمثال الفنانة إغراء، وفنانين لم نسمع عن سيرتهم الفنية إلا بعد وفاتهم عندما يكرمونهم لمدة نصف ساعة على الشاشات وينتهي الأمر."
حققت نجاح حفيظ شهرة واسعة على امتداد العالم العربي، بدور "فطوم" كنموذج للمرأة الدمشقية القوية، المستقلة، والتي أدارات "أوتيل صح النوم" بكل اقتدار، في "حارة كل مين إيده إله".
وسط مجتمعٍ ذكوري، كانت فيه نداً للرجال، معلمة، أختاً، وحبيبةً مشتهاة، لكنها اضطرت آخر المطاف لاختيار الأضعف "ياسينو" زوجاً لها، نكاية بـ"حسّونتي" الصحافي الذي أحبته الشخصية في المسلسل ولم يكن على قدر المسؤولية، وهرباً من "غوّار"، العامل المحتال الذي كان يعتبر نفسه ملاذها الآمن من غدر الزمن.
فهل صدقت نبوءته حينما غنّى لها: "فتحي عين وغمضي عين بتصيري عالعكّازة.. طقم سنان وحردبّة ... وبتبقي من دون جوازة"؟المرأة الدمشقية القوّيّة المستقلة، والتي أدارات "أوتيل صح النوم" بكل اقتدار في "حارة كل مين إيده إله"
هل تذكرون "ريجاءن.. ريجاءن... فطوم حيص بيص تتكلم"؟تلك كانت مختصر حكاية "فطوم حيص بيص" إحدى الشخصيّات الخالدة، في تاريخ الدراما السوريّة، والتي استطاعت نجاح حفيظ من خلالها أن تحجز مكاناً راسخاً إلى جانب الكبار، دريد لحام، والراحلين نهاد قلعي، عبد اللطيف فتحي، ياسين بقوش، وغيرهم من أبطال المسلسل الشهير "صح النوم" (1969). حينها اختارها المخرج الراحل خلدون المالح، لأداء هذا الدور، في مرحلةٍ مبكرة من مسيرتها الفنيّة التي بدأتها أواسط ستينيات القرن الماضي. وقد بقي اسم وصورة "فطوم.. فطومة" في ذاكرة أهل سوريا الجمعية، نموذجاً للبساطة، والحس الفكاهي، والاستقلالية، قبل أن تدّمّر سطوة الشخصيات الذكورية في أعمال البيئة الشاميّة اللاحقة، صورة المرأة الدمشقية الحقيقية. لم تكن "فطّوم" أسيرة بيتها، أو تنتظر رجلاً ينفق عليها، لم تسدل المنديل على وجهها طيلة الوقت خارج البيت، بل كانت تكتفي بغطاء رأس أبيض تنسدل منه غرتّها فوق حاجبيها الرقيقين، وتتصدر الفندق الذي تديره، "أوتيل صح النوم" آمرة ناهية. بدأت مسيرتها الفنية بعمر الـ25، ورغم أنها لم تنجب في حياتها الشخصية لكنها أدت دور الأم الطيبة في أعمال تنوعت بين المسلسلات التلفزيونية والإذاعية، والسينما. قدمت عشرات الأدوار التلفزيونية نذكر منها، إلى جانب صح النوم، فوزية، وملح وسكر ، تلاها الكثير من الأدوار التلفزيونية المميزة خلال مراحل صعود الدراما السورية، حيث شاركت في مسلسلات : لك ياشام، هجرة القلوب إلى القلوب، دمشق يابسمة الحزن، نهاية رجل شجاع، الخوالي، أهل الراية، وغيرها الكثير من الأعمال مان آخرها الجزء الثاني من مسلسل أهل الغرام، (2016)، والذي عُرض قبل أشهر قليلة، تناقل بعدها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي صورتها، تحت عنوان كيف أصبحت صورة "فطوم" بعد سنواتٍ من الغياب؟ وقد كانت إحدى الوجوه النسائية للسينما التجارية، خلال ستينيات، وسبعينيات القرن الماضي، ومن بين الأفلام التي شاركت بها لعبة الشيطان، اللص الظريف، خياط السيدات، الثعلب، امرأه تسكن وحدها، قطط شارع الحمراء، زواج بالإكراه وغيرهم. وكان فيلم "حراس الصمت" 2009 آخر عمل سينمائي شاركت به أخرجه سمير ذكرى، عن رواية "فسيفساء دمشقية" للأديبة السورية غادة السمّان. وبقدر ماعاشت "فطوم حيص بيص" في ذاكرتنا. ستبقى في ذاكرة السوريين الجمعية أيضاً صورة نجاح حفيظ تغني للراحل رفيق سبيعي الذي كان يؤدي دور زوجها في مسلسل "دمشق يا بسمة الحزن" (1992) : "بالي معاك بالي... يابو الجبين عالي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه