شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
زوجك يعنّفك؟ اُخرجي عن صمتك وشاركي قصتك للعلن هنا والآن

زوجك يعنّفك؟ اُخرجي عن صمتك وشاركي قصتك للعلن هنا والآن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 20 أبريل 201704:03 م

"وجهها الصغير المكتنز تغير لونه الخمري للون الأصفر، وعيناها الزائغتان تنبئان بكارثة وشيكة، تصورت أنها مجرد نزلة برد، لكن بعد قليل تحققت أكبر مخاوفي، فقد ابتلعت صغيرتي قطعة كبيرة من الحشيش تركها والدها في متناول يديها، حاول منعي هو وأخته من الذهاب بالطفلة للمستشفى حتى لا يتعرض للمساءلة القانونية، ويُعرف أنه تاجر ممنوعات، فاضطررت للهرب بها حتى أنقذها، فلحق بي، قلت له، "فقدت طفلة حرقاً ولن أخسر هذه أيضاً"، فتركني بعد أن ضربني وأهانني أمام الجميع وفر هارباً خشية أن يسأل عما حدث".

جاء هذا الكلام على لسان إحدى بطلات العرض المسرحي التفاعلي "الاسم متجوزة"، والمستند إلى قصص واقعية لنساء تعرضن للعنف الأسري، تم عرضه قبل نحو أسبوعين. ومنذ تلك الليلة والبلبلة تعمّ بين النساء عن التغييرات التي قد يحمله ذلك العمل للمجتمع الأنثوي في مصر.

قررنا أن نتوجه إلى المشرفات على ذلك العمل الإنساني والتعبيري، لنفهم أكثر أين ستتجه الأمور بعد اليوم.

بدأ العرض بالإشارة للوح خشبي مفرغ معلق عليه عدد من المقتنيات التي تخص السيدات، بطلات القصة الحقيقية، فوجدنا عليه حقيبة نسائية صغيرة، مصحفاً، مجموعة من الأساور، مفكرة، وردة بلاستيكية، كريماً للبشرة، فستاناً أحمر وغيرها. وتوجهت مخرجة العرض بنداء للجمهور ليتقدم أحدهم ويختار أحد هذه الأشياء، ويجلس قبالة اللوح الخشبي منتظراً حكاية صاحبة ما اختاره. وتبدأ الحكايات تباعاً منطلقة من أفواه نساء يحتجبن وراء ستارة بيضاء فلا يظهر منهن سوى خيال، كدلالة على المجتمع الذي يحجب المرأة عن الحياة.

كان من اللافت تقدم أكثر من شاب للمشاركة فى عملية الاختيار، فضلاً عن تفاعل الجمهور وخصوصاً النساء مع تصاعد وتيرة الكلام والغوص فى تفاصيل كل شخصية.

17834900_1364216123624348_1365239017315342470_o17834900_1364216123624348_1365239017315342470_o

شاي الصباح بقرص الترامادول

أن تحكي لتشفي ألمك، ليصل أنين ذلك الألم إلى الآخر، فتشعر أنك لست بمفردك، وترى نفسك في عيونهم، هكذا توضح "سندس شبايك" مخرجة العرض، ومؤسسة مشروع "بصي". الهدف من العرض، كما ترى، أنه محاولة لتقديم الدعم والتحية لشجاعتهن في مواجهة العنف الموجه لهن.

العرض هو نتاج ورشة حكي نظمها مشروع "بصي" بالتعاون مع "مؤسسة قضايا المرأة المصرية"، مع سيدات تعرضن للعنف الأسري من أزواجهن من منطقة "بولاق الدكرور"، ومررن بتجربة الانفصال على أثر ذلك. الورشة فى إطار مشروع بالشراكة مع مؤسسة دروسوس واحتضان جمعية الفن للتنمية.

ترى "شبايك" أن لا مجال هنا سوى للتفاعل والتوحد مع الآخر بهدف التغيير والإفصاح عما هو مسكوت عنه. تقول: "تفاعلت بشدة مع الحكايات خصوصاً تلك السيدة التي عملت خادمةً منذ كان عمرها ست سنوات، حتى أصبح عمرها خمسة عشر عاماً، تعمل ولا تحصل على راتب. لا يزورها أحد حتى والدتها، التي ألحقتها بهذا العمل بلا أدنى إحساس بالذنب، ثم قررت الخلاص مما هي فيه بالزواج.

وما إن تزوجت حتى وجدت نفسها في ورطة كبرى، لم تستيقظ منها إلا عندما مرضت، وأخبرها الطبيب أن في جسدها النحيل كمية كبيرة جداً من المخدرات، واكتشفت المسكينة أن زوجها كان يضع لها قرصاً من مخدر "الترامادول" يومياً طوال ستة أشهر في كوب الشاي ليضمن أن تعمل كالحصان ليلاً ونهاراً وتأتي له بالأموال وهو جالس في البيت أو في المقهى. وانكشف أمره عندما نسي مرة أن يضع لها القرص اليومي المعتاد فانهار جسدها في بيت من تقوم بخدمة أهله وانكشف المستور".

"بصي" هو مشروع فني يهدف إلى خلق مساحة حرة للسيدات والرجال في مصر، لحكي التجارب الشخصية المسكوت عنها. 

يقوم المشروع أيضاً بتوثيق وعرض القصص الحقيقية في شكل عروض مسرحية، في مجتمعات مختلفة في مصر، وتحاول مقاومة القيود المجتمعية من خلال المسرح. السيدات من شتى المجتمعات والمدن يقفن على خشبة المسرح لمشاركة حكاياتهن عن التحرش والاغتصاب، والتمييز، وجرائم الشرف، والزواج القهري، والختان، والأمومة، والعنف الأسري، والاعتداء الجنسي على الأطفال، والاعتداء الجنسي الجماعي، وغيرها من الموضوعات التي يصنفها المجتمع كتابوهات ممنوع الكلام عنها.

14525063_1169241586455137_1859567442531589116_o14525063_1169241586455137_1859567442531589116_o

تفاعل العنصر الذكوري مع العرض

"جلس على ظهري بكامل جسده وفتح فمي حتى تقطعت شرايينه من الجانبين، وأنذرني قائلاً: "لو فكرتي في الشغل تاني مش هخلي الدكتور يعرف يخيطلك بقك أصلاً"، تروي نورا محمد مديرة برناج مناهضة العنف ضد المرأة في مؤسسة قضايا المرأة المصرية عن إحدى الحالات.

وتكمل: "مثلاً صاحبة هذه القصة ارتبطت بالمؤسسة لدينا منذ سنوات، فزوجها لا يريد الإنفاق عليها وعلى ابنتها ولا يسمح لها بالعمل كذلك، فلجأت لمؤسستنا  CEWLA، وهي مؤسسة أهلية تهدف إلى تقديم الدعم والمساندة القانونية للمرأة المصرية، وتسعى إلى تزويد المرأة بالمهارات التي تمكنها من ممارسة حياتها والتغلب على مشكلاتها".

تأسس مركز قضايا المرأة المصرية كمبادرة في مجال التصدي لانتهاك حقوق المرأة من خلال تنمية الوعي القانوني لديها، ومساندتها في الحصول على حقوقها القانونية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

وتستطرد محمد: "تحمسنا لمشاركة تجارب النساء اللاتي نتعامل معهن، وارتبطن بالمؤسسة مع الجمهور من خلال مشروع "بصي"، فيستعملن أدوات مختلفة للتداوي والعلاج النفسي مما اعتدناه، عن طريق الحكي وإلغاء الوصم ورفع الإحساس بالذنب عن السيدات المتضررات من العنف الأسري.

ستة أشهر استغرق التأهيل النفسي عن طريق مهارات الحكي والتمثيل المسرحي بإشراف "بصي" مع السيدات المعنفات، وكن من الشجاعة لدرجة لم يمانع معظمهن عرض تجاربهن على الجمهور، شرط ألا يظهرن بشكل معلن، إنما فقط على لسان الراويات اللاتي لم يقابلهن سوى يوم العرض في اجتماع مغلق، ليتشاركن جميعاً التعليقات على العرض ومدى تعبيره عنهن.

وتشير محمد إلى إعجابها بتنوع الجمهور بين شباب جامعي من الجنسين، وسيدات من مرجعيات مختلفة، وتفاعل الجميع مع العرض، ما يدل على أن هناك أملاً في أن تسترد المرأة حقوقها على يد مثل هؤلاء المؤمنين بحقها في العيش بكرامة.

فقدت عذريتها على يد أشقائها

زهرة عبدالله تبلغ 31 عاماً، تخرجت من كلية الآداب، وكانت إحدى راويات العرض. تقول: "شاركت في ورشة حكي بمشروع "بصي" وتم اختياري أنا وبعض الزملاء لنشارك في العرض المسرحي "الاسم متجوزة"، وقتها لم أكن أتصور وجود مثل هذه الوقائع العنيفة في مجتمعنا. بالطبع أعرف مدى سوء وضعنا كفتيات لا يملكن كامل حريتهن حتى في أبسط شؤونهن، لكن ما عايشته مع "بصي" كان مفاجئاً".

واختيرت قصة "صباح"، التي انتهكت كرامتها وعذريتها وهي طفلة لم تتعد الأربع سنوات على أيدي أشقائها كما حدث مع شقيقتها الكبرى، فرأتها صباح مكبلة اليدين والقدمين بالجنزير ويعتدي أشقاؤها عليها، وكامرأة صعيدية تخاف حتى من ظلها على الحائط، تكتمت على أحداث الطفولة المشؤومة حتى تزوجت من رجل استغلها وقهرها وتفنن في إذلالها.

 تضيف عبدالله: "أثناء البروفات، تأثرت أنا ورميلاتي لمياء يونس، رشا سلطان، دينا أحمد، آية الحسيني، وفي يوم العرض كنا في أوج تفاعلنا مع الشخصيات، ما أرهقنا نفسياً لأيام عدة.

على الرغم من فداحة ما روي في الحكايات، فإن الدلائل كلها تشير إلى أن ما لم يرو أكثر بكثير. وكما يقال: "أول الغيث قطرة". فمثلما تحدثت هؤلاء النسوة عن أوجاعهن وسمع العالم قصصهن عن طريق الحكي والمسرح، نتوقع أن تخلق المرأة مساحتها الإبداعية الحرة، لتفصح عن جرائم تفنن المجتمع في إخفائها، وعندها لن تفلح كل وسائل المجتمع الذكوري العقيمة في إسكاتها مرة أخرى.

 

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image