في الوقت الذي تنوي فيه السيدة شيماء فتحي، 23 عاماً، التقدم إلى العمل كمجندة في الشرطة النسائية بقطاع غزة، تواجه مئات السيدات الأخريات عوائق في الانضمام إلى الوظيفة ذاتها، نظراً للاشتراطات التي وضعتها وزارة الداخلية.
شيماء التي تزوجت قبل عامين على الأقل، تجد في فرصة العمل في الشرطة النسائية فرصة كبيرة لتحسين دخل أسرتها، خصوصاً وأن زوجها عامل في قطاع الإنشاءات ولا يحظى بفرصة عمل مستقرة.
هذه هي المرة الأولى التي تضع فيها وزارة الداخلية في الحكومة التي تديرها حركة حماس في غزة، شروطاً مقيدة نسبياً لقبول المجندات، علماً أنها قامت باستقطاب 330 سيدة، 100 منهن يعملن في جهاز الشرطة، منذ إدارتها للقطاع عام 2007.
وللوهلة الأولى، حظيت هذه الخطوة باستحسان الكثيرات من الإناث اللواتي فضلن الالتحاق بالشرطة على البقاء في حالة البطالة، غير أنهن يواجهن معضلة كبرى، تتعلق باشتراط ألا يكون أزوج السيدات موظفين، سواء في الحكومة، أو وكالة الغوث، أو في القطاع خاص، واشترطت على غير المتزوجات ألا يكون والد أيّ منهن أو أحد إخوانهن أو أخواتهن غير المتزوجين موظفين أيضاً.
وشكل هذان الشرطان حاجزاً أمام الكثيرات من الأناث اللواتي أردن الانخراط في العمل الأمني، على اعتبار أنهما يحملان شيئاً من التعجيز، فيما تبرر "الداخلية" ذلك، بأنه عائد إلى محاولة لتحقيق العدل في المجتمع والمساواة في فرص التوظيف بين الأسر.
تعترض منى سلامة، 30 عاماً، على هذه الشروط، وتعتبر أنها تتعارض مع حالتها كونها متزوجة من موظف حكومي يتقاضى 50% فقط من راتبه في ظل سياسة التشقف التي تتبعها الحكومة.
وترفض سلامة، وهي أم لأربعة أطفال، الشروط التي وصفتها بـ"التعجيزية"، قائلة: "أتفهم أن الحكومة تحاول ضم الفتيات أو السيدات اللواتي لا يعمل أي من أفراد أسرهن في القطاع الحكومي أو الخاص أو وكالة الغوث لأجل تحسين الدخل، لكننا نحن كزوجات موظفين حكوميين بسطاء من حقنا أن نحظى بفرص عمل أيضاً لنعيل أسرنا".
شرطة من النساء في غزة... ولكن شروط تعجيزية للانضمام
شرطيات غزة
وبرغم الجدل الذي أثارته شروط العمل كمجندات في وزارة الداخلية، إلا أن عمل الشرطة النسائية عموماً في غزة، لا تحيط به هالة مقارنة بحال رجال الشرطة الذين يعملون في أكثر من مجال أمني، وذلك عائد إلى أن مجتمع غزة ذكوري، وما تزال تطغى عليه العادات والتقاليد، وفق ما قالته مدير عام الشرطة النسائية ناريمين عدوان، لرصيف22.
انطلق عمل الشرطيات في قطاع غزة بمهام وأعداد محدودة عقب تشكيل السلطة الفلسطينية عام 1994، لكن بعد سيطرة حركة حماس على غزة، جرت الاستعانة بهن كضرورة لمشاركة رجال الأمن في مهمات تفتيش منازل المتهمين حفاظاً على "حرمتها".
وتميّز العاملات في شرطة حماس أنفسهن باعتمار قبعات زرقاء داكنة، تشبه قبعة "البيسبول" يتوسطها نسر فضي اللون، ويرتدين الجلباب الكحلي والحجاب الرمادي كزي رسمي.
وتتسع دائرة عمل الشرطة النسائية، وفق إفادة عدد من السيدات اللواتي تلقين تدريبات عسكرية قاسية، بين متابعة القضايا الجنائية، وتنفيذ عمليات ميدانية متعددة كالاقتحام والتفتيش للقبض على المتهمات بارتكاب جنايات، بما يعني أن دورهن غير مقتصر على العمل الإداري داخل المؤسسات الشرطية.
أم محمد، التي تعمل في سجن النساء منذ أكثر من ثلاثة أعوام، تلفت إلى أنها تلقت تدريبات على استخدام سلاح الكلاشنكوف، والمسدس، وتتمتع بلياقة بدنية عالية، موضحة أنه على الرغم من قسوة العمل مع المجرمين إلا أنها فخورة بالعمل في المجال الشرطي.
توجز عدوان التحديات أمام فريقها بالقول "إنه يواجه الجهة السوداء من المجتمع"، مؤكدة أن الفريق النسائي يساند كل من المباحث العامة في عملها، وشرطة مكافحة المخدرات، والشرطة القضائية، وشرطة المعابر والحدود، والبلديات، والعديد من إدارات الشرطة التي تتطلب مهامها تواجد الشرطة النسائية.
ووفقاً لإحصاءات صادرة عن جهاز الشرطة، فإن الشرطة النسائية شاركت في نحو 898 مهة تفتيش خلال عام 2016، فضلاً عن التحقيق في تسع قضايا قتل، إضافة إلى حل مئات قضايا الخلافات العائلية، وترحيل السجينات، واستقبال الشكاوى وضبط الأمن في الاحتفالات الجماهيرية.
وتشير عدوان إلى أن النقص الكبير في الكادر وضغط العمل الذي يتطلب أحياناً الاستنفار على مدار 24 ساعة، كان محفزاً وراء فتح باب الانتساب أمام الإناث للعمل كمجندات، للتخفيف من حدة هذه الأعباء المتراكمة على كاهل الشرطة النسائية.
وفي أفضل الأحوال، فإنه سيتم اختيار 50 جندية للعمل، ذلك بعد إلحاق المقبولات لدورة تدريبية لمدة شهر ونصف، ومن ثم يجري تعيين الناجحات برتبة جندي تحت الاختبار لمدة ستة أشهر، بما لا يغطي نسبة العجز الحاصل، إذ تشير عدوان إلى أن دائرة الشرطة النسائية بحاجة إلى فريق مكون من 300 امرأة كحد أدنى.
وعلى الرغم من نقص الكادر، تقول المديرة العامة للشرطة النسائية: "عملنا يضاهي عمل الإخوة، رجال الشرطة، البالغ عددهم تسعة آلاف رجل، فنحن مختصون بالمجال النسائي بكافة المجالات ونخوض في قضايا كبيرة، لكننا نعيش في مجتمع ذكوري وينظر فيه للرجل على أنه مقدم على المرأة ولو تساوت الكفاءة".
ولكنها عادت وعبّرت عن رضاها عن هذه الثقافة، بقولها: "يبقى الرجل قواماً على المرأة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...