شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هكذا تعرفت على آلاء العنزي: الناشطة السعودية التي تم إيقافها

هكذا تعرفت على آلاء العنزي: الناشطة السعودية التي تم إيقافها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 5 مارس 201805:20 م
“أهلاً يا رائعة"! هكذا بادرني الصوت الحيوي الذي قاطعني أمام المرآة في بيت مضيفتي، التفت ليساري لأرى وجهاً مدوراً مبتسماً، ويداً مصافحة. استجمعت ما لدي من لباقة لأرد التحية الجميلة بمثلها، مع ابتسامة وردود مرتبكة: “أهلاً ..شكراً لكِ.. هل تعرفينني"؟ استمرت المحادثة القصيرة الأولى، والأخيرة حتى الآن، والتي مدت الخطوط بين "البيرسونا" الواقعية و"البيرسونا" الافتراضية وصورة "البروفايل" على حسابات السوشال ميديا، للشخصية التي عرفتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، آلاء العنزي. كان ذلك الأسبوع الماضي، الإثنين 10 إبريل. التقيت آلاء، طالبة الطب التي عمرها 24، والناشطة التي دافعت عن ضحايا العنف الأسري ودعمت مطالب المرأة السعودية بحرية التنقّل وتركت بصمة واضحة في كلتا القضيتين. تم إيقاف آلاء في مطار الرياض بعد لقائنا بيوم. واليوم، الثلاثاء، “طلعت آلاء". وصلني هذا الخبر خلال تحريري المسودة الأخيرة لهذه السطور.

عن دينا

حينما التقيت بآلاء كنت في رحلة إلى الرياض بصحبة أمي لزيارة الأقارب والأصدقاء. في ذلك اليوم، وقبل اللقاء، وصلتني تغريدة عنوانها "ساعدوها"، وفي ذلك إشارة لقضية دينا علي السلوم، الشابة السعودية التي حاولت الهجرة لاستراليا للفرار من زواج قسري وأوقفت في مطار مانيلا في الفليبين. ‎كان الزخم قد بدأ في التصاعد حول قصتها بعدما سجلت رسالة فيديو وهي تستنجد من عائلتها قائلة: "حياتي ستكون في خطر لو عدت للسعوديّة، رجاءً ساعدوني، أنا أسجل هذا الفيديو ليعلم العالم أنني حقيقيّة، وأنني هنا،لقد أخذوا جواز سفري وكل أوراقي الرسمية، واحتجزني موظفو المطار المتعاونون مع السفارة السعودية في الفليبين لثلاث عشرة ساعة هنا في مطار مانيلا حتى تأتي عائلتي، وهم يريدون قتلي، لو حدث لي أي أذى فأنا أحمل الحكومةالسعودية والخطوط الجوية الفليبينية المسؤولية وقد وجه الناشطون في هاشتاغ #استقبلوا_دينا_في_المطار دعوة للداعمين لقضيتها للذهاب إلى المطار واستقبالها عند وصولها يوم الثلاثاء، 11 إبريل، لإظهار الدعم لها. في صباح اليوم ذاته، وبعد لقائي بآلاء، وصلتني رسالة منها عبر إحدى وسائل التواصل الإجتماعية. تسألني فيها عن تفاصيل مقابلة عمل أخبرتها عنها، لتساعد إحدى السيدات في بحثها عن وظيفة. أجبتها في المساء،لكنها لم تقرأ الرد حتى الآن، فقد تم إيقافها في المطار في المساء ذاته.

متى ذهبت آلاء إلى المطار؟ وماذا حدث لها؟

تحدثت مع صديقة للعائلة، أمسك عن ذكر إسمها، عبر الواتس آب والتلفون. أخبرتني أن آلاء ذهبت إلى المطار مساء الثلاثاء في سيارة يقدها سائق العائلة لتستقبل دينا. عاد السائق للبيت الساعة 8 ونصف صباح الأربعاء، وأبلغ شقيقتها أن آلاء لم تخرج من المطار.
تم إيقاف آلاء بعد لقائنا بيوم واحد، واليوم “طلعت آلاء". وصلني هذا الخبر خلال تحريري لهذه السطور
لا يزال هناك أسئلة حول إيقاف آلاء ووضعها. فهل أسقطت عنها التهم التي ذكرتها الصحف؟
ذهبت شقيقة آلاء بصحبة صديقة العائلة، التي تحدثت إليها، إلى المطار الساعة 10 ونصف من صباح اليوم نفسه، وتكلمت مع شرطة مطار الملك خالد. أبلغوها أن آلاء دخلت مكتب شرطة المطار مستفسرة عن بوابة خروج دينا، وقد صادف دخولها مع وصول "شاب من شباب تويتر"، بحسب قول الشرطة، لا تعرفه شخصياً لكنه جاء ملبياً دعوة استقبال دينا أيضاً. بعد قليل، أوقفت الشرطة آلاء والشاب، لأنهم التقطوا صوراً في المطار. "التقطت صورت لوحة الرحلات"، أخبر الشرطي شقيقة آلاء، وأعلمها أنه تم تسليمهتا إلى الشرطة العليا، التي أنكرت بدورها ذلك بعدما راجعتها العائلة. تواصلوا مع هيئة حقوق الإنسان السعودية التي أبلغت والد آلاء أن ابنته في مؤسسة رعاية الفتيات، وأن عليه مراجعة هيئة التحقيق والادعاء العام صباح الخميس.

من كان في المطار تلك الليلة؟

كان سيف (30 عاماً)، والذي يعمل طبيباً عاماً ورفض ذكر اسم عائلته من ضمن الذين ذهبوا إلى المطار لاستقبال دينا. تواصلت معه عبر تويتر في محادثة خاصة، أخبرني أنه وصل إلى المطار عند الساعة الحادية عشرة، ليجد في استقبال دينا 5 أشخاص، سيدتان وثلاث شباب. لكن صحيفة رويترز قدرت عدد الأشخاص بعشرة، من بينهم الصحافية لدى وكالة بلومبيرغ، فيفين نيريم. طلب أحد موظفي الأمن من سيف مرافقته إلى مركز شرطة المطار. هناك، تم تفتيش هاتفه، وحذف المقاطع التي صورها لسيارات الأمن، ووقع تعهّد بعدم التصوير. احتجز في سجن المطار حتى السابعة والنصف من صباح اليوم التالي، ثم أطلق سراحه. لكن آلاء، وبعكس حالة سيف، لم تصور الدوريات أو رجال الأمن، رغم قول الصحف أنها كانت تنوي تصوير دينا. وهكذا فإن التهمة الأخرى، حسب مانقلته الصحف أيضاً عن الناطق الإعلامي لشرطة الرياض، هي نيّة التصوير، بدون إيضاح كيف توصلوا تحديداً إلى كشف هذه النوايا، ناهيك عن كيف اعتبرت تهماً تبرّر الاحتجاز. غردت فيفيان نيريم مؤكدة مشاهدتها لآلاء العنزي في المطار تلك الليلة، وأكدت أيضاً في تغريدة أخرى أن آلاء رأتها. لكنها عادت وحذفت التغريدات. تواصلت معها عبر الرسائل الخاصة في تويتر، وعلى الرغم من أنها لم توضح أسباب حذف التغريدة إلا أنها أكدت صحتها.

كيف غطّت الصحافة السعودية اعتقال آلاء؟

نقلت تقارير الصحافة السعودية خبر اعتقال شاب مع آلاء، وأوضحت أن عمره 27 عاماً، لكنها لم تنقل هويته ولا مصيره، ولا نعرف أين احتجز تحديداً، وهل يتواصل مع أفراد أسرته أو محامي موكل. عبدالله البرقاوي هو الصحفي الذي نقل عبر صحيفة سبق الالكترونية عن الناطق الإعلامي لشرطة الرياض، دون أن يتواصل مع عائلة آلاء، أو يسأل الناطق الإعلامي أي أسئلة. بل اكتفى بنقل المعلومات من الشرطة تحت عنوان: "ضبط شاب وفتاة صورا رجال الأمن بمطار الرياض بالتزامن مع عودة مواطنة من الفلبين”. وأضاف التقرير: “محاولة تصوير رجال الأمن المناوبين في المطار خلسة بعد قيامها بتصوير المركبات الأمنية المتواجدة بالقرب من صالة القدوم، بقصد توثيق الإجراءات المصاحبة لقدوم مواطنة سعودية قادمة من الخارج برفقة ذويها". وقال: "بضبطهما وسماع أقوالها أقرت بالتعرف على مرافقها عبر أحد برامج التواصل الاجتماعي بغرض استقبال المواطنة القادمة داعمة لأفكارها عبر نشرها للصور الملتقطة لمجموعة أنشأتها في تطبيق الواتس أب بقصد تداول تلك الصور وإعادة نشرها عبر مواقع التواصل كافة، فضلاً عن رغبتها في توثيق الإجراءات المصاحبة لقدومها وجاءت أقوال مرافقها مطابقة لما أدلت به". ونقلت صحيفة عاجل الالكترونية عبر صفحتها في تويتر ذات النص. أما خالد العبدالله فنقل بدوره ذات الخبر في صحيفة تواصل الالكترونية بتحرير بسيط، تحت عنوان “إيقاف فتاة وشاب حاولا تصوير مواطنة بمطار الرياض أثناء عودتها من الخارج”. وانضمت صحيفة عكاظ وهي صحفية ورقية والكترونية سعودية عريقة، للصحف السابقة وزادت تفصيلاً جديداً فنشرت الخبر تحت عنوان: “إطاحة شاب وفتاة صور رجال الأمن بمطار الملك خالد". ورغم أن نص الخبر والمنسوخ من ذلك الذي كتبه الصحفي عبدالله البرقاوي لا يحوي أي معلومة تفيد بتصوير رجال الأمن فعلاً، لكن “بالنيّة” أو ”المحاولة” فقط. وقد لا يفهم القارئ لم تمّ التركيز على هذا الشاب دون ذكر هويته والتركيز على جنسه فقط، خصوصاً وأنه لو صحّت ادعاءات الصحافة بإن آلاء قابلت شاباً تعرفه عبر السوشال ميديا فتلك ليست فضيحة. لكن هذه الصحف نفسها هي التي كانت قبل فترة قصيرة تنشر انتصارات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمداهمات كشف الخلوة، حتى انقطعت بسبب نزع صلاحياتها التنفيذية. ويبدو أننا شهدنا عودة لذات الأخبار في سياق دخول شاب وفتاة مكتب شرطة المطار في نفس الوقت بطريقة اختلاطية لو صح التعبير، لكن لا يبدو أن تهمة خلوة، والتي تعتبر تهمة جنائية في السعودية، هي إحدى التهم الموجهة لآلاء أيضاً. ولذا فهو تفصيلٌ مضلّل آخر تضيفه وتضخمه الصحافة، أو الصحفي الوحيد بالأحرى عبدالله البرقاوي الذي نسخت باقي الصحف نقله الكسول لتصريحات الناطق الإعلامي باسم شرطة الرياض.

من هي آلاء؟

من هي آلاء العنزي؟ كيف تراها صديقاتها والناشطات في السعودية؟ "آلاء إنسانة رائعة وواثقة بنفسها ومتميزة، وعندها حس إنساني قوي بمشاكل الناس"، تقول الناشطة السعودية عزيزة اليوسف. وأضافت الناشطة مناهل العتيبي أنها "واثقة أن الاعتقال ماراح يكون له أي تأثير سلبي عليها، على العكس أعتقد أنه سيزيدها قوّة". لا تربط مناهل وآلاء أي معرفة شخصية لكن قبل أسابيع، ولدعم مطالب قيادة السيارة وحرية التنقل، نشرت مناهل فيديو لتوثيق رحلتها بالسير من المنزل حتى الجامعة. تضامناً مع مناهل نشرت آلاء فيديو يوثق ذهابها هي أيضاً للجامعة سيراً. أما ولاء آل شبر، فقد التقت آلاء في عزاء خديجة الظفيري، والتي توفت بعد إصاباتها بشلل نصفي ناجم عن اعتداء زوجها عليها بالضرب. "لقد كانت آلاء المتطوعة الأولى التي شاركت في تنظيم العزاء لتخليد ذكراها، وللتضامن مع عائلتها وشقيقتها، وللتوعية عن العنف الأسري"، تضيف ولاء.

"آلاء طلعت"

عرفت لتوي أنه تم الإفراج عن آلاء. لا يزال هناك أسئلة حول إيقافها ووضعها الآن. فهل أسقطت جميع التهم التي ذكرت الصحف أنها أحالتها لهيئة التحقيق والادعاء العام؟ ماذا عن الشاب الغامض الذي ذكرته الصحف السعودية؟ ولم نعرف لمَ حذفت فيفيان نيريم تغريداتها التي أكدت فيها تواجد آلاء بالمطار، لكن كل مانعرفه أن آلاء حرة الآن، وعادت إلى منزلها بعد أن عوقبت بقسوة لمحاولتها مساعدة امرأة أخرى. ولا يزال مصير تلك المرأة مجهولاً.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image