شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الموظفون يكافحون

الموظفون يكافحون "هوس التارجت" بالسخرية اللاذعة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 2 أبريل 201711:23 ص
لم تعد اللفظة الإنجليزية Target وتعني "الهدف"، أو "القيمة المستهدفة" أو "المستهدف المبيعي"، غريبة على السوق المصرية بخاصة على العاملين في القطاع الخاص منه، فاللفظة كما هي قد تم دمجها باللهجة المصرية الدارجة حتى إنها غدت متداولة كتابة بحروف عربية "تارجت". وبرغم أن الاصطلاح يستخدم في مجال التسويق والمبيعات، فإننا نجده نجح كذلك في غزو مجالات أخرى ذات علاقة بالميديا، والسوشيال ميديا والترجمة بالإضافة إلى خدمات النقل الخاصة (السيارات التابعة لشركات خاصة التي يتم تنسيق عملها بتطبيقات الهواتف الذكية والتي تحولت مؤخراً إلى ركن ركين من فعاليات  الشارع المصري)، ليغدو بذلك "التارجت" والفروغ منه الشغل الشاغل والهم المقيم بل وهدفا في ذاته يستحق اللهاث اليومي من أجل تحقيقه!

جنون "التارجت" في شوارع القاهرة... المجنونة ابتداءً

تقول الآنسة "ع"، خريجة حديثة في كلية طب قصر العيني، وسائقة على سيارتها الخاصة التي تُسيّرها بالأجرة عدة ساعات يومياً تحت مظلة إحدى شركات النقل الخاصة: "لا أحد يستهين بالتارجت! التارجت يحرّك سائقي الشركة والشركات المنافسة بقوة كبيرة، حتى بالنسبة لواحدة في مثل ظروفي، لا تعمل لتزجية وقتها وزيادة دخلها دون أن يكون بها عوز حقيقي... لكن الحقيقة أن الشركة تحفّز السائقين على زيادة ساعات خدمتهم بوضع Bonus (بونس) أو هامش من الزيادة الربحية على تحقيق "تارجت" بعينه من توصيلات العملاء... فمثلاً إذا حقق السائق ما معدّله 29 توصيلة في الأسبوع، فإنه يحقق هامشاً من "البونس" يصل إلى 200 جنيه مصري (حوالي 10 دولارات) وإذا حقق "تارجت" معدله من 59 - 88 توصيلة في الأسبوع فإنه يحقق "بونس" يصل إلى 500 جنيه مصري (حوالي 25 دولاراً). أما تحقيق "تارجت" يزيد على 89 توصيلة في الأسبوع فتصل "البونس" إلى 1100 جنيه مصري (حوالي 60 دولاراً). وطبعاً فإن الشركة تأخذ أيضاً التقييم الدوري للسائق عبر تطبيق الهاتف الذكي الخاص بها بعين الاعتبار، لذا فلا دهشة أن بعض السائقين سيطلبون من العميل بإلحاح أن يقيّم خدمتهم بإعطائه النجوم الخمسة التي تمثل قمة الجودة، وإلا فإنه مهدد في ربحه... لكن على أي حال وبالنظر لجنون مدينة القاهرة وازدحامها الذي لا يكاد يهدأ، فإن تحقيق "التارجت" المتمثل في عدد التوصيلات الأسبوعية يكون تحدياً حقيقياً للسائق".

في الميديا... حين يصبح "التارجت" سيد المشهد

في مجال مختلف بالكامل، هو مجال الترجمة والسوشيال ميديا، تعمل السيدة "أ" بأحد المكاتب الخاصة حيث لا تتقاضى أجراً ثابتاً. فإدارة المكتب قد وجدت أن كفاءة العاملين لديها يزيدون من كفاءتهم إذا ما ارتبطت رواتبهم بتحقيق "تارجت" معين يُحسب بعدد الكلمات المترجمة يومياً من اللغة العربية إلى الإنجليزية أو العكس. تقول السيدة "أ": "في بداية التحاقي بالمكتب كانت لدينا رواتب ثابتة بغض الطرف عن عدد الكلمات المترجمة التي نقوم بإنجازها. ثم ما لبثت إدارة المكان أن أدركت أنها لن تنجز هدفها المتمثل في عمل أرشيف مترجم من مادتها ليتم رفعه على موقعها الإلكتروني في الوقت المحدد، وبالتالي فإن اعتمادات المكتب ستتأثر سلباً، وعليه قرر مدير المكتب أن يكون العمل بنظام "التارجت". ومنذ تلك اللحظة انقلبت أجواء المكتب إلى جحيم مهني! فبعد أن كان فريق العمل أقرب إلى "شلّة" أصدقاء يعملون في جو مرح وينجزون كماً معقولاً من المادة المترجمة يومياً بينما يتخلل يومَ العمل وقتٌ للمسامرات الإنسانية والوجبات الجماعية وصلاة الجماعة أو تناول أقداح القهوة في مطبخ المكتب مع قليل من الثرثرة الباسمة، تحول المكتب إلى خلية عمل محمومة لا يكاد ينظر الواحد منّا في وجه زميله خشية أن يفقد بعضاً من الوقت الذي يمكن أن يستثمر في تحقيق "التارجت" اللعين! غدا المكان صامتاً واجماً، و"التارجت" هو سيد الموقف!" صمتت السيدة "أ" قليلاً ثم قالت ضاحكة: "أذكر زميلتي على المكتب المجاور لي، وكنا نجلس واجمتين في محاولة تحقيق التارجت، ثم إذا بي تنتابني حالة من السعال القهري، فقامت زميلتي تربت ظهري وتطمئن عليّ، لكن حين طالت نوبة السعال عليّ أكثر من اللازم، نظرت زميلتي في ساعتها وقالت ضاحكة: اعذريني يا "أ"... إن كان من المقرر أن تصعد روحك إلى السماء في نوبة السُعال هذه فلتفعلي ذلك في هدوء، فإن لدينا "تارجت" علينا أن ننجزه!".

شعار العاملين في مجال التسويق والمبيعات: "ملعون أبو التارجت"

مع هذا، فإن "هوس التارجت" لا يبلغ أقصى قممه وأكثر مراتبه قسوة كما يفعل في مجال التسويق والمبيعات. ولأن مصر أرض "المبكيات المضحكات"، فإنه لم يكن من المستغرب أن يسخر العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي العاملين بمجال التسويق باستخدام الكوميكس للتعبير عن أزمتهم مع تحقيق "التارجت"، وهي الكوميكس التي سرعان ما يتم تناقلها وإعادة نشرها على الصفحات الشخصية على فيسبوك وتويتر، الموقعين الأكثر شعبية في مصر. ومن بين الكوميكس التي تطالعها على الصفحات العامة والشخصية المهتمة بقضية "التارجت" والاحتجاج على حالة اللهاث المنهك التي خلقها في سوق العمل المصرية، صورةٌ مقتبسة من فيلم "الناصر صلاح الدين"، وتحديداً من المشهد الذي دار فيه حوار مؤثر بين الناصر صلاح الدين الأيوبي وريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا، حيث وضع مصممو الكوميك عبارة على لسان صلاح الدين الأيوبي يخاطب بها الملك ريتشارد وهو في فراش الموت قائلاً: "ريتشارد... أنت تغامر حول حلم كاذب... ليست دعوة التارجت هي ما تحارب من أجله، إنما هي عظمتك أنت... إني أحذرك يا ملك الإنجليز... أنت تدفع بالموظفين والحطابين إلى الموت لتكون أنت ملكاً على أورشليم"! كذلك فقد كان لافتاً أن ينشىء عدد من مندوبي المبيعات (العاملين بمجال الـSales المصريين صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يسخرون فيها من "التارجت" وهمومه، وهي الصفحة التي تحمل اسم "حملة السلزجية لمكافحة التارجت". ويتصدر الصفحة الساخرة توصيفٌ لمجمل محتواها وتعريفٌ بأهدافها لخصه مدير الصفحة في العبارة التالية: "جا اليوم اللي لازم نقول فيه كفاية... كفاية تحكم وقرف وكفاية تارجت وكفاية ذل عشان نحققه... ملعون ابو التارجت"، بينما تتخذ الحملة شعاراً لها تضعه مكتوباً على صورة غلاف الصفحة (الـCover photo) ونصّه: "عشانك يا سعا... التارجت زاد"! INSIDE_target1INSIDE_target1وتتضمن الصفحة الكثير من الكوميكس المقتبسة من الأفلام التي يعد بعضها من كلاسيكيات السينما والتلفزيون المصريين وقد تم إقحام "التارجت" في حواراتها وعلى لسان أبطالها بصورة هزلية. للمثال، نجد لقطة من الفيلم المصري الشهير "البيه البواب" يقف فيها الفنان الراحل أحمد زكي (القائم بدور البواب في الفيلم) وهو يعدّل من هندامه أمام المرآة في شيء من الكبرياء محدّثاً زوجته التي تقف إلى جواره، وقد وضع مصممو الكوميك عبارة على لسان أحمد زكي يقول فيها: "عايزك تهتمي بنفسك شوية يا زينب... جوزك خلاص حقق التارجت"! INSIDE_target2INSIDE_target2وفي كوميكس آخر نجد صوراً متعاقبة مقتبسة من فيلم "اللي بالي بالك" للممثل المصري محمد سعد، وفيه يقوم سعد بدور مأمور السجن الذي يخاطب السجناء بعجرفة وقسوة. في اللقطات المقتبسة وضعت على لسان محمد سعد (مأمور السجن) عبارات التهديد الموجهة للسجناء مع إقحام "التارجت" في السياق: "تحقق التارجت تبقى صاحبي وحبيبي وكفاءة... متحققش التارجت، أعصرك أنزل منك سيلزجية صغيرين"! وعن بداية إنشاء الصفحة والهموم التي تحتجب وراء سخريتها، يقول "م.ك" ، شاب مصري عشريني يعمل بمجال التسويق والمبيعات بإحدى الشركات الخاصة وهو منشئ الصفحة ومديرها: "الهم الذي نكابده في هذه المهنة بسبب "التارجت" كبير وطاحن حتى إنك لن تجدي منا نحن العاملين في هذا المجال من هو في العقد الثالث من العمر... فهذه مهنة الموت المبكر! إما أن أغير عملي بمطلع الثلاثين من عمري أو أموت مندوباً للمبيعات دونها" ويضيف مدير الصفحة التي أنشأها في 2013 والتي يزيد عدد متابعيها على الـ46 ألفاً: "الشركات المصرية تستنزف مندوبي مبيعاتها دون رحمة من الألف إلى الياء، ففي البداية يضع مدير التسويق والمبيعات لموظفيه "تارجت" ضخماً بصورة جزافية غير مبنية على حسابات علمية، وذلك بخلاف ما يحدث في الشركات المتعددة الجنسيات، ثم يلزمهم بهذا الهدف ملوّحاً طيلة الوقت بالفصل من الشركة، ناهيك عن أنه لا يتم مجازاة المندوب عن ساعات العمل الزائدة بنظام الـOvertime، حتى وإن أنفق يومه بالكامل في إتمام المكالمات الهاتفية والمقابلات الشخصية من أجل تسويق منتجات الشركة... المحك ليس عدد الساعات التي أقضيها في العمل، بل المحك هو تحقيق "التارجت"... وبحسب حديث "م.ك" الذي رفض الإفصاح عن اسمه الحقيقي مؤكداً أن صفحته تتلقى الكثير من التعليقات والرسائل المهاجمة والمهددة، مبيناً أنه يفضل أن يظل يدير الصفحة متخفياً على طريقة "عليّ الزئبق"، الشخصية التراثية المعروفة بمراوغتها، بحسب حديثه ومن خلال احتكاكه بمجتمع مندوبي المبيعات فإن أزمة المندوبين آخذة في التفاقم بشكل ملحوظ منذ اتخاذ إجراء تعويم الجنيه المصري. "منذ تعويم الجنيه، ومجالس إدارات الشركات تجتمع بشكل دوري بالعاملين بقسم التسويق لديها للضغط عليهم لزيادة بل مضاعفة "التارجت" التسويقي، وذلك دون أن تلزم نفسها بزيادة الرواتب أو البونس... لقد استحال الأمر بالنسبة لمندوب المبيعات أشبه بمطاردة مخيفة، يطارده فيها غول يتمثل في مدير التسويق، بينما يلهث المندوب أمامه ممسكاً بتارجت هزيل رغماً عنه".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image