في العام 2009، أعلنت الإمارات تدشين برنامج السلاح النووي السلمي. وما لم يحدث أي تأخير في موعد الإطلاق، ينتظر أن يبدأ المفاعل الإماراتي الأول عمله في مايو المقبل.
بعد قيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالكشف على المفاعل وضمان استخدامه للأغراض السلمية وحسب، تصبح الإمارات رسمياً أول دولة عربية تمتلك برنامجاً نووياً في مفاعل أطلق عليه اسم "بركة".
في الوقت الحالي، يسير المشروع بحسب المقرّر من ميزانية وجدول زمني، بينما يستمر العمل على المفاعلات الثلاثة المتبقية والتي يُنتظر أن يمد كل واحد منها البلاد بحوالي 1400 ميغاوات من الطاقة الكهربائية.
وكانت الإمارات قد أعلنت في وقت سابق أن الهدف الأساسي من البرنامج هو تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، بعدما أظهرت التقارير أنه سيتضاعف في العام 2020، فضلاً عن دعم التنمية الاقتصادية وتوفير فرص عمل جديدة.
وعليه يُفترض أن يتم ربط المفاعلات، التي كانت قد صُممت بمشروع تشغيل مشترك مع كوريا الجنوبية يمتد لـ60 عاماً، تدريجياً بشبكة الطاقة بحلول أيار العام 2020.
مخاوف غربية/ إسرائيلية وسباق عربي
منذ البداية، حرصت الإمارات على مبدأ "الشفافية" في مشروعها النووي، كما صرّح لمجلة "ذا ناشيونال" المسؤول في البرنامج كريستر فيكتورسون. مع ذلك، فإن التقدم الذي تحققه اليوم ترافقه مخاوف من قيام الدول العربية باستخدام قدراتها النووية لامتلاك سلاح نووي مستقبلاً.
في العام الماضي، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون قائلاً إن دول العالم العربي ليست على استعداد للتحلي بالهدوء وهي ترى إيران تتقدم اتجاه امتلاك قنبلة نووية، وهو ما وافق عليه وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس حين تخوّف من أن الاتفاق النووي الإيراني سيحفز دولاً أخرى لامتلاك السلاح، وقد يكون على رأسها المملكة العربية السعودية.
هذه المخاوف من انطلاق سباق تسلح في منطقة الشرق الأوسط، أثاره الكاتب في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي يوئيل غوزانسكي، في تقرير نشرته مجلة "فورين آفيرز" الأمريكية.
ذكّر غوزانسكي، الذي يتابع البرنامج النووي الإماراتي منذ البداية، بأحد خطابات هيلاري كلينتون في العام 2013 أمام مؤسسة "غولدمان ساكس"، والتي تمّ تسريبها في وثائق "ويكيليكس". حينها حذرت كلينتون قائلة "السعوديون لن يكتفوا بالمشاهدة، وهم يسعون بحثاً عن وسيلة لامتلاك هذا السلاح. هكذا سيبدأ السباق النووي".
وكان الكاتب، في تقرير له منذ عامين في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، لفت إلى أن دوافع الإمارات ليست فقط زيادة الطاقة بل أيضاً اكتساب مكانة دولية وإقليمية بموازاة الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي.
وقال غوزانسكي حينها إن الإمارات ستعمل على مراجعة التقييدات التي التزمت بها في خطتها النووية أمام الولايات المتحدة، وستحافظ على مكانة إقليمية هامة بالنسبة لإيران ووسط جاراتها من دول الخليج، كونها أول دولة عربية تنضم إلى "النادي النووي".
نووي الإمارات "مقنع"
يشرح غوزانسكي في تقريره اختلاف وضع الإمارات في هذا السياق، حيث أوضح أن الأخيرة قدمت براهين مقنعة بخصوص حاجتها للطاقة النووية من أجل تأمين الطاقة مستقبلاً والحد من اعتمادها على الوقود الأحفوري وتوفير كمية أكبر من النفط للتصدير.
ومنذ العام 2008، كانت أبو ظبي قد تعهدت بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم لتهدئة المخاوف المتزايدة حول نواياها النووية. الأمر نفسه أشارت إليه في "معاهدة 123" للتعاون النووي مع الولايات المتحدة والتي تمنع تخصيب وتصنيع اليورانيوم، بناء على ما يُعرف بـ"المعيار الذهبي لمنع انتشار السلاح النووي".
بعد ذلك فتحت أبواب التعاون الدولية أمام الإمارات التي وقعت اتفاقيات مع الأرجنتين وأستراليا وفرنسا وروسيا وبريطانيا واليابان بخصوص تبادل الخبراء والمواد النووية، وفي العام 2009، فازت شركة كوريا للطاقة الكهربائية بمناقصة بناء المفاعلات النووية.
في تقريره الأخير لـ"فورين آفيرز" يقول غوزانسكي إن الإمارات تمتلك حجة منطقية لمشروعها النووي، فهي على الرغم من تفضيلها لخليج عربي خال من السلاح النووي، إلا أنها بدأت تشعر بضرورة تنويع مصادر طاقتها وحماية الموارد الطبيعية لديها.
ومن المتوقع أن تغطي المفاعلات ربع حاجة الإمارات للكهرباء فور الانتهاء من بنائها، في وقت يحظى المشروع بتأييد شعبي لجهة توفير مزيد من فرص العمل وتقليل التلوث، إذ تعد الإمارات في المرتبة الثامنة عالمياً لقائمة الدول حسب كمية انبعاث ثاني أوكسيد الكربون لكل فرد.
وحسب استطلاع للرأي العام الإماراتي، يعود للعام 2012، فضل 82% تطوير الطاقة، وأيد 89% بناء محطة نووية، كما رأى 89% أن الاستخدام السلمي للطاقة النووية "مهم للغاية" أو "شديد الأهمية" أو "مهم" بالنسبة للإمارات.
قلق الإمارات
بينما أعلنت دول الخليج العربي دعمها الحذر للاتفاق النووي الإيراني، بدا الإماراتيون في أحد استطلاعات الرأي أكثر خوفاً من السعوديين من الاتفاق إذ عبر 91% عن معارضتهم له، ورأى 71% أنه جيد لإيران لكنه سيء للدول العربية. وطالما أن إيران لها الحق في استئناف تخصيب اليورانيوم فللدول الأخرى مبرراتها للتخصيب أيضاً.
إيران ليست السبب الوحيد الذي يجعل المنطقة على مشارف سباق تسلح نووي..
يعيد غوزانسكي التأكيد في تقريره الأخير على أن الإمارات قد تكون راغبة بإعادة التفاوض بشأن "اتفاقية 123" بعد الاتفاق النووي الإيراني، في ظل شعورها أن اتفاقيتها مع واشنطن كانت بمزايا أقل من تلك التي عقدتها طهران. وكانت اتفاقية الإمارات مع واشنطن قد حصدت انتقادات عدة لهذا السبب.
ويشير الكاتب إلى اتصال أجراه سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة في العام 2015 مع نائب الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا، وجاء فيه "لقد حصل ألد أعدائكم على حق تخصيب اليورانيوم، وهو حق سيرغب أصدقاؤكم بالحصول عليه، ولن نكون الدولة الوحيدة".
لكن إيران ليست السبب الوحيد الذي يجعل المنطقة على مشارف سباق تسلح نووي. كما جاء في التقرير، بدأت السعودية في تنفيذ خطة نووية طموحة، تشمل بناء 16 مفاعلاً نووياً لقدوم العام 2030. وقد وقعت الرياض للغاية اتفاقيات تعاون مع الصين وروسيا وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول، وأعلنت اختيار موقع لمحطتها النووية "قريباً جداً".
كما تخطط كل من مصر والأردن وتركيا لتطوير مشاريع نووية، يُضاف لذلك خطر أن تشارك الإمارات خبراتها النووية مستقبلاً مع دول أخرى تكون أقل التزاماً بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. يعزّز هذه المخاوف إعلان مسؤولين إماراتيين في مناسبات عدة استعدادهم مشاركة خبرات بلادهم النووية مع منضمين جدد إلى النادي كتركيا والأردن.
إعادة التفاوض؟
يمتلك المجتمع الدولي كافة الوسائل لمكافحة خروج البرنامج النووي عن طريقه السلمي. يطمئن التقرير إلى اعتماد الإمارات الأساسي على الخبرات الأجنبية من بنى تحتية وأيدي عاملة، إذ أن 57% فقط من العاملين في هيئة الرقابة النووية هم من الإماراتيين. في المقابل، يشير إلى انتباه الإمارات للأمر وبدء اعتماد سياسة "الأمرتة" في كافة قصاع العمليات.
وبحسب التقرير، يعتمد قرار امتلاك الإمارات للأسلحة النووية على عوامل عديدة أبرزها التزام واشنطن وطهران بالقيود النووية المنصوص عليها في اتفاقية "خطة العمل الشاملة المشتركة"، ومنسوب مراعاة واشنطن لمخاوف حلفائها في المنطقة على الصعيد الأمني.
في مطلق الأحوال، لا يبدو أن الإمارات ستستفيد حالياً من إعادة التفاوض، أو تعمد للتخلي عن التزاماتها، لأن ذلك سيعيق تقدم برنامجها النووي السلمي في مرحلته الأولى. من هنا يطمئن التقرير إلى أن مشروع الإمارات الحالي لا يشكل خطراً على مسألة انتشار السلاح النووي، فهي "تحتاج إلى عقد على الأقل قبل التفكير بامتلاكه". عدا ذلك، يجب انتظار الإجراءات التي قد يتخذها دونالد ترامب مستقبلاً بخصوص الاتفاقية النووية الإيرانية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.