شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الحلم الأمريكي، وما أدراكم ما الحلم الأمريكي؟

الحلم الأمريكي، وما أدراكم ما الحلم الأمريكي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 30 يناير 201701:41 م
فجأة، تهتم الشعوب بأمر أمريكا. اليوم، الجميع خائف على "الحلم الأمريكي"، واصبحت شؤون الولايات المتحدة الداخلية شؤوننا جميعاً، وكأننا مواطنون افتراضيون في هذه الامبراطورية التي تنازع في أيامها الأخيرة. وكل قرار تأخذه الإدارة الجديدة، يتفاعل العالم معه، من أقصاه إلى أقصاه، وكأنه خبر محلي. على مدى عقود، كانت الشيزوفرينيا تحكم علاقة سكان عالم الجنوب مع الولايات المتحدة. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أخذت أمريكا دور شرطي العالم. أقامت قواعد عسكرية في كل قارة تقريباً. أرسلت جنودها في حروب عديدة. تدخلت في الشؤون المحلية لأغلب الدول. ساهمت بالإطاحة بأنظمة، وقيام أخرى. وهذا ما جعل الولايات المتحدة مكروهة من شعوب الجنوب. وسؤال "لماذا يكرهوننا؟" كان محور النقاشات السياسية والأكاديمية والفكرية في الولايات المتحدة بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول عام 2001، التي شنتها مجموعة من الإسلاميين من تنظيم القاعدة. في السنوات الأخيرة، تراجع هذا الدور كثيراً. الولايات المتحدة التي عاشت نشوة الانتصار بعد 1990، وتدخلت في صراعات عديدة ما بين 1990 و2003  ليست هي ذاتها في عام 2016. وإن كانت قد أرسلت في السابق مئات الآلاف من الجنود ليحاربوا في مغاور تورا بورا وشوارع بغداد. فهي في السنوات الأخيرة، لم تعد ترسل أكثر من  1000 جندي إلى أي معركة، تفرقهم على الخارطة ما بين العراق وسوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، واستبدلت الاجتياحات البرية بالغارات الجوية والطائرات بلا طيار في كل من باكستان، افغانستان، العراق، سوريا واليمن. ليتحول دورها إلى دور ثانوي في صراعات الجنوب. عدا أن دخول الدب الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط بهذه الطريقة الاستعراضية، وتحوله للاعب أساسي ومباشر في الصراع. هو أكثر ما يدل على تخلي الولايات المتحدة عن دورها كشرطي العالم، وانكفائها إلى الداخل.
الولايات المتحدة تتخلى عن دورها كشرطي لهذا العالم، ولم يعد لديها "حلم تقدمه" حتى لشعبها
ومن ناحية اخرى، نظر سكان عالم الجنوب إلى الولايات المتحدة كمكان لتحقيق الأحلام التي لا يمكن لهم أن يحققوها في بلدانهم التي تعيش في دوامات من الأزمات والنزاعات. وأصبح "الحلم الأمريكي" حلم الجميع. عام 2015، أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب في خطاب ترشحه الرئاسي أن "الحلم الأمريكي مات". هذا المصطلح برز للمرة الأولى عام 1931 في كتاب للمؤرخ الأمريكي جيمس تراسلو ادامز. من المفارقة أن هذا الحلم هو وليد حقبة "الاكتئاب العظيم" (The Great Depression)، أزمة الكساد الكبير الذي عصف في العالم، وأدى إلى انهيار اقتصادي واسع. هذه الحقبة بقيت حتى بدايات الأربعينيات. تشابه كبير ما بين تلك الحقبة واليوم، مع فارق وحيد هو أن "الحلم الأمريكي" مات، وأصبح من الماضي، وحتى الرئيس الأمريكي الجديد لم يعِد حتى باستعادته. ولد "الحلم الأمريكي" في فترة كانت معدلات الانتحار الأعلى في تاريخ البلاد، إذ وصلت نسبة الانتحار إلى 22.1 لكل 100 ألف شخص. أما عام 2014، وبحسب دراسة تحليلية لنسبة الانتحار صدرت عام 2016، فتبيّن أنّ البلاد سجلت أعلى نسبة انتحار منذ ثلاثة عقود، وهي 13 لكل 100 ألف نسمة. أما فيما يتعلق بنسبة الفقر، فنحو 13.5% من الأمريكيين يعانون من الفقر حسب إحصاءات العام 2015، أي ما يعادل 43 مليون شخص، وإلى جانب ذلك، ظاهرة التشرد آخذة في التوسع في المدن الأمريكية وضواحيها الفقيرة، إذ وصل عدد المشردين، حسب احصاءات عام 2016، إلى نحو نصف مليون ينامون في الطرقات، والسيارات، أو الأماكن المهجورة. في هذا الوقت، كانت نسبة التوتر ترتفع ما بين الإثنيات والعرقيات، خصوصاً ما بين الأمريكيين البيض وذوي الأصول الأفريقية، وهي تعتبر الأعلى في البلاد منذ إنهاء التمييز العنصري عام 1964. واليوم، يعود الاستقطاب داخل الولايات المتحدة، وتعود إلى الواجهة تشكيلات عسكرية كانت قد اختفت منذ عقود طويلة، أبرزها "البلاك بانثر" (Black Panther) ومجموعات "أفريقية أمريكية" تتسلح من أجل حماية نفسها في وجه أعمال الشرطة، إلى جانب الميليشيات الكلاسيكية البيضاء التي تعمل في ولايات مختلفة من البلاد. كما أنّ أخبار إطلاق النار على الشرطة من قبل "أفارقة أمريكيين" أو الاعتداءات عليهم من قبل البيض، أصبحت من الأخبار اليومية والعادية. هذه الأرقام إن كانت تشير إلى شيء، فهي تأكيد للمقولة بأن "الحلم الأمريكي مات". *** الحلم الأمريكي أصبح مرادفاً لطريقة العيش الأمريكية القائمة على الحريات الليبرالية، والترفيه والاستهلاك، والحصول على منزل ووظيفة وتأسيس عائلة إضافة إلى كلب أليف يلعب دائماً ببهجة في الحديقة الخلفية للمنزل. هذه الحديقة التي يحلم بها أبناء عالم الجنوب دائماً. وقد عززت هذا الحلم الصناعة الهوليوودية وديزني عبر الآلاف من الأفلام السينمائية والكرتونية التي رسخت لدى سكان عالم الجنوب بأن فكرة "الحلم الأمريكي" حلمهم أيضاً. وهو كان كذلك لفترة لا بأس بها من الزمن. هذا الحلم ينتمى لعالم قديم يعيش مخاضه الأخير. الولايات المتحدة تتخلى عن دورها كشرطي لهذا العالم، تنكفىء نحو الداخل لتعالج أزماتها اللامتناهية، في وقت لم يعد لديها "حلم تقدمه" حتى لشعبها. أما ردة فعل العالم على وصول الرئيس الشعبوي دونالد ترمب إلى الرئاسة، والبدء بتنفيذ وعوده ببناء الجدار على الحدود مع المكسيك ومنع لاجئين من سبع دول جنوبية من دخول أمريكا، فهي تأتي من باب النظرة القديمة لبلاد العم سام، بأنها مكان "لتحقيق الحلم"، ورفض للواقع الجديد الذي أصبحت تعيشه تلك البلاد منذ فترة طويلة. عالم الجنوب يتصرف وكأن أمريكا تتخلى عنه وعن طموحاته في حياة أفضل. على العالم أن يتصالح مع فكرة أن الولايات المتحدة لم تعد كما كانت في السابق، وهي دولة كأي دولة أخرى من عالم الجنوب، ولا يوجد فيها حلم لتحقيقه. وما ينطبق على الولايات المتحدة، ينطبق أيضاً على القارة العجوز التي رسمت في وعي أهالي الجنوب بأنها "أرض الأحلام". لم يعد هناك "عالم جنوب" و"عالم شمال". اليوم، الكوكب كله أصبح "عالم الجنوب".
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image