شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
المحكمة العسكرية في لبنان تحاكم الموتى

المحكمة العسكرية في لبنان تحاكم الموتى

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 30 يناير 201712:14 م
بمنزلٍ دون أبوابٍ أو بلاط، وبوجبةٍ واحدة، تحوّل يوسف الجردي إلى أيقونة ثورية متواضعة. ظروف يوسف الاقتصادية المزرية دفعته للانضمام لإضرابٍ عن الطعام، أعلنه بضعة شبابٍ من الحراك المدني في لبنان، احتجاجاً على أزمة النفايات. يوسف رأى في الاحتجاج متنفّساً يعبّر فيه عن حنقٍ ترعرع معه، وعن فقرٍ دفعه للعمل مبكراً وترك المدرسة. ثورة يوسف خمدت، فتوفي الشاب العشريني بعد صعقةٍ كهربائية، كانت كفيلة بتقويض ثورته، نعاه رفاقه، بكاه من أحبّه، وتحوّل لذكرى طيبّة عن شاب ناقم على غياب العدالة الاجتماعية. لكن المحكمة العسكرية اللبنانية كان لها رأي آخر. يوسف توفّى منذ أشهر، ولكنه يحاكم الإثنين، بالإضافة إلى 14 شخصاً احتجوا على عجز الحكومة عن حل أزمة إدارة النفايات في 2015. العقوبة تصل إلى 3 سنوات في السجن، أو غرامة مالية في حال ردّ الدّفوع أو عدم الحكم بالبراءة، علماً بأن نظام المحكمة العسكرية نظام قضائي منفصل تابع لوزارة الدفاع. فالمحكمة لها ولاية قضائية واسعة على المدنيين، بما يشمل قضايا التجسس، أو الخيانة، أو التهرب من الخدمة العسكرية، أو الاتصال غير المشروع مع العدو (إسرائيل)، أو حيازة الأسلحة؛ الجرائم التي تضر بمصلحة الجيش أو قوى الأمن أو الأمن العام؛ وكذلك أي نزاع بين مدنيين من جهة وأفراد الجيش أو الأمن أو الموظفين المدنيين في هذه الأجهزة من جهة أخرى. وقد حوكم 355 طفلاً أمام محاكم عسكرية عام 2016 وفقاً لـ"الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان". علماً أن محاكمة الشّباب أمام المحكمة لا تندرج ضمن أي بند من صلاحياتها، وهو خارج نطاق اختصاصها. ليوسف رفاقٌ أيضاً، إذ كتب الناشط وارف سليمان على صفحته عن عرضه على المحاكمة أيضاً، فوارف هو من أعلن بدء إضرابه عن الطعام أمام مبنى وزارة البيئة في اللعازارية خلال حراك صيف العام 2015.
اعتُقل سليمان حينها، وأُدخل المستشفى، وبدل أن تدفع وزارة الصحة تكاليف علاجه، دفعها هو، وبعد دفعه 300 ألف ليرة لبنانية، أي ما يعادل 200$ أمريكي، يواجه اليوم دعوى قضائية بتهمة الاعتداء على قوى أمن وتشكيل عصابات شغب، لتضاف إلى ظبط قدره 39 مليون ليرة، غُرّم به سليمان و8 شباب، كبدل "قمع"، وثمنٍ لذخيرة استهلكتها قوى الأمن إبّان قمعها المحتجين من حراك "طلعت ريحتكم". محاكمة الشباب شهدت اهتماماً لافتاً، إذ تطرّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" للقضية وطالبت المحكمة العسكرية بالسّماح للممثلين عنها بحضور الجلسة، وأطلق ناشطون هاشتاغ #لا_لمحاكمة_المتظاهرين على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما علّق النّاشط في حملة طلعت ريحتكم، وديع الأسمر، على استدعاء الشباب واصفاً إياه بغير العادل، فبحسب الأسمر، "المحاكم العسكرية محاكم استثنائية تناقض العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والشرعة الدولية لحقوق الإنسان اللذين صدّقهما لبنان. وإحالة متظاهرين طالبوا بحقوقهم على المحكمة العسكرية غير العادلة هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، للحق في التظاهر والتعبير. كما هو خطوة أولى نحو الديكتاتورية ويذكرنا بتصرف المخابرات والأجهزة الامنية أيام الاحتلال السوري". وتوجّه الأسمر بسؤالٍ لرئيسيّ الجمهورية والحكومة، "هل يريدان تحويل العهد الجديد إلى صورة طبق الأصل عن عهد عضوم - غازي كنعان؟ محاكمة المتظاهرين توحي أنه نعم". المحامي فاروق المغربي أكّد أن المواد 346 و348، التي تستند إليها المحكمة ليست من اختصاصها، وهناك سوابق عدّة شبيهة، خاصةً إبّان الحراك، اذ تم تحويل بعض المتهمين للرئيس زياد أبو حيدر، وهناك عدة أشخاص تم الظن بهم بموجب هذه المواد فقط. المغربي سيقّدم دفوعاً شكلية عن المتهمين، وستتضمن دفوعه موقفاً مبدئياً من أن محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية هو مخالف للاتفاقيات الدولية التي تمنع هذا النوع من المحاكمات، الذي يعتبر انتقاصاً من حق الدفاع. السلطة اللبنانية، والمحاكم العسكرية ضمنها، تثير الاستغراب، فبينما تستمرّ أزمة النفايات، بفشلٍ تلو فشل، وآخرها فضيحة مطمر الكوستا برافا، ومذبحة طيور النورس، وتحويل لبنان لجمهورية يتولاها متعهّدٌ نافذ، يصبح من الطبيعي أن يُحاكم من يطالب بحقوقه. أما الحاكم، فيتحكّم بالصفقات كيفما شاء، بخلاف المواثيق والشرائع الدولية.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image