بعض المال في جيب موظف في بلدية أو وزارة عربية، سيكون كافياً كيّ تظفر بترخيص بناء دون عناء أو طول انتظار. لكن ماذا لو فكرت في الحصول عليه عبر الطُرق النظامية؟
قطعاً ستتعرض لصعوبات إدارية في سبيل ذلك، وسيكلفك خسائر فادحة من الجهد والوقت ويمكن أن تذعن أخيراً وتدفع رشوة لتسريع المعاملة أو تسلم أمرك وتلغي المشروع يأساً من البيروقراطية ومسالكها الطويلة والصعبة.
فعملية استخراج تراخيص البناء تعكس مدى سهولة أو تعسر نشاط الأعمال في أي دولة حول العالم، إذ يصنف البنك الدولي ذلك ضمن المؤشرات التي يعتمدها في تقريره السنوي حول ممارسة أنشطة الأعمال في العالم، والذي يعتمد عليه المستثمرون الأجانب في البحث عن أماكن تقدم لهم تسهيلات إدارية مالية للاستثمار فيها من خلال بيانات 190 اقتصاداً عبر العالم.
ويُعتمد هذا المؤشر لترتيب الدول حسب سهولة ممارسة أنشطة الأعمال، مع الأخذ في الاعتبار مؤشرات أخرى تتعلق بـ: بدء النشاط التجاري، والحصول على الكهرباء، وتسجيل الملكية، والحصول على الائتمان، وحماية المستثمرين الأقلية، ودفع الضرائب، والتجارة عبر الحدود، وإنفاذ العقود، وتسوية حالات الإعسار، التي يمكن أن تجابه المشاريع.
من 49 يوماً في الإمارات إلى 270 يوماً في السودان، هذا ما نحتاجه في العالم العربي لاستخراج رخصة بناء
بعض المال في جيب موظف سيكون كافيا كي تظفر بترخيص بناء في العالم العربي.. من دون ذلك ما عليك إلا الانتظار
أين العرب في الترتيب العالمي؟
تختلف الدول العربية كثيراً في مؤشر سهولة استخراج تراخيص البناء، إذ تحتل أربع دول عربية مراكز متقدمة عالمياً وتأتي ضمن العشرين دولة الأولى في العالم. ومجموعة ثانية من الدول تأتي ضمن الــ100 دولة الأولى في العالم، في حين نجد 10 دول عربية في ذيل الترتيب العالمي، يواجه فيها المواطن والمستثمر عوائق إدارية ويهدر فيها وقتاً طويلاً للحصول على ترخيص بناء. ووفقاً للمنهجية المُتبعة في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال، فإن التقرير يأخذ عملية بناء مستودع كمثال ويبحث من خلال إجراءات منفصلة في الاستبيان ويستجدي البيانات لاحتساب الوقت والتكلفة اللازمين لإتمام كل اجراء. وتشمل تلك الإجراءات: الحصول على جميع المستندات المتعلقة بالمشروع المعني وتقديمها كالخطط والتصاميم وخرائط الموقع وشهادات التمدن إلى الأجهزة المختصة. والحصول على جميع الموافقات والتراخيص والتصاريح والشهادات اللازمة. وطلب وإتمام عمليات المعاينات الضرورية. ويسجل التقرير أيضاً الإجراءات المتعلقة بتوصيل المياه والصرف الصحي. ويتم كذلك احتساب جميع الإجراءات اللازمة لتسجيل المستودع بحيث يمكن استخدامه كضمانة أو لأغراض نقل الملكية إلى جهة أخرى. ولكي تصبح البيانات قابلة للمقارنة بين مختلف الاقتصادات، يجري استخدام عدة افتراضات حول منشأة الأعمال، ومشروع بناء المستودع، والتوصيلات الخدماتية المرافقة.كم يوماً تحتاج لاستخراج ترخيص بناء؟
يحتاج المواطن العربي لأكثر من 129 يوماً للحصول على ترخيص بناء. لكن الفترات تتباين بشكل كبير بين الدول العربية. فالإمارات، التي تحتل المركز الأول عربياً في سهولة ممارسة نشاط الأعمال، لا يحتاج فيها المستثمر لأكثر من 49 يوماً للحصول على ترخيص بناء، فيما يمكن أن يبقى مستثمر أخر ينتظر لسنوات كي يحصل على الترخيص نفسه في ليبيا مثلاً وفي السودان، حيث تناهز المدة التسعة أشهر. أما في السعودية فتصل مدة الانتظار إلى 106 أيام وفي المغرب 88 يوماً وفي قطر 58 يوماً. أما في البحرين فيمكن أن تُجاوز 146 يوماً. ويُعتمد على طول وقصر فترة انتظار الحصول على ترخيص البناء في تحديد مؤشر سهولة الحصول على ترخيص كأحد العوامل، ولكنه ليس عاملاً محدداً في ذلك. فنيوزيلاندا، وهي الدولة التي تُعتبر الأكثر سهولةً في ممارسة نشاط الأعمال في العالم وفقاً للبنك الدولي وتحتل المركز الأول في مؤشر سهولة الحصول عل تراخيص البناء، يمكن أن تصل فيها مدة الانتظار إلى 93 يوماً، ولكنها لا تفرض الكثير من الإجراءات الإدارية والفنية ولا رسوماً مالية عالية من أجل ذلك، كما تتميز تراخيصها بالجودة الفنية العالية.فإلى جانب مدة الانتظار، تؤخذ في الاعتبار لتحديد مدى سهولة الحصول على تراخيص البناء في كل دولة، الإجراءات والوثائق التي تطلبها هذه الدول وقيمة الرسوم المالية التي تفرضها، والتي تحسب كنسبة مئوية من متوسط الدخل القومي للفرد في البلد المعني، وقيمة الترخيص من حيث الجودة الفنية، الذي يقاس بمؤشر رقابة جودة البناء ويُسند له عدد من 0 إلى 15 في المؤشر العام، ويستند إلى 6 مؤشرات أخرى.50 مليون مواطن عربي دفعوا رشوة للحصول على إحدى الخدمات العامة عام 2015
مدخل للفساد
يدفع التخفيف من الإجراءات الإدارية المعقدة لاستخراج ترخيص البناء وتقليص فترات الانتظار الطويلة، والتي تناهز التسعة أشهر في دول كلبنان والسودان، المستثمرين ورواد الأعمال على المُضي في تنفيذ مشاريعهم ويسهل من نشاط الأعمال، والأهم أنه يقلل من معدلات الفساد التي تنتعش بوجود العراقيل البيروقراطية التي يتجنبها البعض بدسّ بعض المال أو الكثير منه في جيوب الموظفين. ووفقاً لمؤشر مدركات الفساد العالمي لسنة 2015، الذي نشرت نتائجه منظمة الشفافية الدولية في يناير 2016، فإن 50 مليون مواطن عربي دفعوا رشوة للحصول على إحدى الخدمات العامة، من بينها استخراج تراخيص بناء. ويأتي الحصول على التراخيص والوثائق في الخدمات العامة في المرتبة الرابعة ضمن أكثر الخدمات التي تتأثر بالرشوة في الدول العربية بنسبة 23%، وترتفع النسبة أكثر في لبنان ومصر والسودان واليمن. ويأتي المسؤولون الحكوميون وأعضاء المجالس المحلية، وهم المسؤولون عن منح تراخيص البناء، على رأس قائمة المتورطين في قضايا الفساد في المنطقة العربية بنسبة تتجاوز الــ 40%، بحسب تقرير المقياس الدوليّ للفساد لعام 2016، الخاص بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وتصل النسبة في لبنان واليمن إلى 79%.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 16 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت