شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
كيف لغير المسلمين أن يدخلوا مكة المكرمة؟

كيف لغير المسلمين أن يدخلوا مكة المكرمة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 29 أغسطس 201704:36 م

من المعلوم أن مكة المكرمة هي المدينة المقدسة الأولى للمسلمين، وقبلتهم في صلاتهم، والمقصد الذين يقصدونه في حجهم وعمرتهم، وهي أيضاً مدينةٌ لا يسمح بدخولها لغير المسلمين. من البديهي أن تكون مكة المكرمة مثاراً للفضول بالنسبة للكثيرين من غير المسلمين، الذين يودون أن يتعرفوا إلى هذه المدينة عن كثب، ولربما تمنى بعضهم أن يتجول بين معالمها ويغوص في شعابها ويراها بأم عينيه. لكن هل حدث أن تحولت هذه الأمنية إلى حقيقة؟ الجواب: نعم، رغم أن دخول غير المسلم إلى مكة مغامرة حقيقية.

على سبيل المثال، يذكر مالكوم إكس في سيرته الذاتية، التي أملاها على الصحفي "أليكس هالي"، أنه لما قدم إلى السعودية لأداء مناسك الحج، اصطحب معه كتاباً من أحد الوجهاء المسلمين في الولايات المتحدة، والذي كان معروفاً لدى الحكومة السعودية، ورغم ذلك احتجز مالكوم إكس في المطار بضع ليال، للتحقق من شأنه، ورغم أن الحكومة استضافته لاحقاً، كان مضطراً لمقابلة قاض ليتحقق من إسلامه، نظراً لجنسيته الأمريكية. وفي ذلك الزمن القديم، كانت تزداد صعوبة الأمر في حال كان المغامر بالدخول إلى مكة أوروبي السحنة، أشقر الشعر وأزرق العينين، هنا يكون المرء بحاجة إلى مبررات مقنعة بكونه مسلماً يحق له أن يدخل مكة.

لذا كان على من يريد دخول هذه المدينة أن يتظاهر بالإسلام، وأن يندمج وسط المجتمع المكي بوصفه مسلماً، وهو أمر ليس بالهين، لكنه حدث عدة مرات منذ القرن السادس عشر الميلادي، إذ تمكن المستشرق الإيطالي "فارثيما" من دخول مكة، بوصفه واحداً من حراس ركب الحج المصري، عام 1503 للميلاد، كما تمكن المستشرق السويسري بوكهاردت من دخول مكة المكرمة بعدما اعتنق الإسلام، أو نجح ببراعة في التظاهر به. فقد أعلن إسلامه في حلب، وسمى نفسه "إبراهيم بن عبدالله"، وجلس إلى علماء حلب يتعلم العربية والعلوم الدينية، ثم سافر إلى مصر ثم الحجاز، حيث أدرك مناسك الحج، ووصف مكة بدقة في كتاب نشر عام 1830.

والقائمة تطول لتشمل أشخاصاً لا تزال حقيقة دخولهم في الإسلام مثار جدل بين الباحثين، مثل الإسباني دومنغو ليلش، الذي زار مكة مطلع القرن التاسع عشر تحت اسم "علي بك العباسي". كما تشمل القائمة بعض الأرقاء الذين تمكنوا من دخول مكة برفقة أسيادهم من الأثرياء المسلمين، مثل البريطاني "بيتس" الذي اختطف في البحر وبيع لثري من أثرياء تونس، وبعد أن تظاهر بالإسلام، أو أجبر عليه، سافر للحج برفقة سيده الذي أعتقه بعد موسم الحج، ليعود إلى إنكلترا ويكتب مذكرات نشرت عام 1704.

غير أن المستشرق الهولندي ستيفيان سنوك هورخرونيه يظل الأغرب والأكثر إثارة للدهشة. فقد تعلم اللغة العربية في جامعة "لايدن" وأتقنها، وكان بحثه للدكتوراه عن "الحج عند المسلمين". ودرّس واشتغل في تلك الجامعة أستاذاً للدراسات الإسلامية، قبل أن يسافر إلى جدة عام 1884، ويتعلم اللهجة الحجازية الدارجة، تمهيداً لاختراق "قلعة الإسلام الغامضة"، مكة، ويدرس المجتمع المكي من الداخل. أعلن هورخرونيه إسلامه، وسمى نفسه “عبد الغفار”، ذلك الاسم الذي سيظل يلازمه ثمانية عشر عاماً. ودخل مكة، وأقام بها، مسلحاً بلهجته الحجازية، وثقافته الواسعة، وأخذ يدوّن أدقّ تفاصيل مكة ومجتمعها وبنيانها وديموغرافيتها. يقول هورخرونيه: "لقد أقمتُ علاقات ومعارف مع علية القوم، من أفراد المجتمع المكي، وسمعت بأذني ما يتعلمه سكان المدينة العالمية، وما يعلمونه لطلابهم، وكيف يتحدثون في أمور السياسة والفكر والثقافة. درست النظم المثالية والحياة الواقعية، كما درست أصول العقيدة الإسلامية والصراع من أجل البقاء، درست ذلك كله وخبرته وتعلمته في المسجد والديوان، والمقهى، ومن واقع الحياة اليومية".

وألّف هورخرونيه كتابه الشهير "صفحات من تاريخ مكة المكرمة"، الذي ضمّنه مشاهداته الدقيقة عن مكة المكرمة، والجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، والفولكلور الشعبي وعادات الناس في الأعراس والمآتم والطعام والشراب... لكنه طُرد من مكة بعد أن صار محلاً للشبهة لدى الحكومة العثمانية، فانتقل إلى جاوة ليصير المفتي والفقيه “عبدالغفار” الشيخ الشافعي، الذي تلقى العلم في المسجد الحرام، قبل أن يعود إلى هولندا ليكمل عمله في جامعة "لايدن" حتى وفاته عام 1936. وتظل قصص محاولات تجاوز لافتة "للمسلمين فقط"، التي يواجهها الداخل إلى مكة، قصصاً ملأى بالمغامرة، وتصلح مورداً حقيقياً لأعمال سينمائية مدهشة، يمكن لنا، لو لم نشاهدها على الشاشات، أن نطالعها في صفحات الكتب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image