التجربة والإحساس والكاريزما… هذه هي أسس التمثيل بالنسبة للممثل المصري عمرو سعد. صفات لا شك أنها ليست بعيدة عنه، هو الذي بات في رصيده عشرات الأفلام، منذ انطلاقته قبل عشرة أعوام، وأصبح يجذب كل من يراه على الشاشة الكبيرة أو التلفزيون بطلته وأدائه.
صفات كانت واضحة عندما التقيته على شرفة أحد فنادق دبي، على هامش مهرجان دبي السينمائي الدولي، لحديث مطوّل عن مسيرته وأفلامه، حتى لو كانت بداية اللقاء متوترة قليلاً. فعند وصولي إلى الموعد المحدد والاتصال بسعد مرات عدة، فوجئت برده "نحن ما عندناش مقابلة دلوقتي"، وبعد إصراري على أن موعدنا بتمام الخامسة، وأنني أنتظره في فندقه، عاد ليلاقيني واكتشفت أنه ليس من كبار المعجبين بوسائل الإعلام، وأن ما حصل هو لغط في تعيين المقابلة. لكن سرعان ما تخلى عمرو عن "فظاظته" (كما شعرتها) على الهاتف، ليظهر رجلاً مصغياً، متواضعاً، شغوفاً بعمله وبأدواره، وبعيداً عن العجرفة، التي تطبع العديد من الممثلين عادة.
الديكور للقمة العيش
حتى لو يعتبر عمرو سعد أن مسيرته الفنية لم تكتمل بعد، إلا أنه قطع مشواراً طويلاً منذ أن انتابه شغف التمثيل للمرة الأولى. ويقول: "تعلمت الكثير منذ بداياتي. إذ كنت لا أستطيع التحكم بمزاجي، وهذا ما كان ينعكس على أدائي". ويضيف: "الخبرة مهمة جداً. عندما نكون صغيري السن، لا نعرف قيمتها ونعوّل على الموهبة. أنا لست صاحب تاريخ ولكن تراكم الأفلام يمنحك بعض الخبرة". لم يبدأ سعد مشواره مع التمثيل، بل من قسم الديكور في كلية الفنون التطبيقية في القاهرة. يقول: "عندما تكون في الثانوية العامة وتحصل على معدل جيد، وإذا كنت من الطبقة المتوسطة، يقول لك أبوك إن عليك دخول الجامعة ودراسة تخصص يؤمّن لك العيش. كنت أحب التمثيل، لكنني فكرت بالعقل، لا سيما أنني لا أملك الواسطة وكان يجب أن أفكر بمستقبلي. فدخلت ودرست الديكور". ويعترف مبتسماً: "كنت أود دخول كلية الإعلام، لكنني عدلت عن الفكرة لأنني فكّرت أنني لن أصبح يوماً مذيعاً لأكسب جيداً حياتي". ويتابع سعد أنه منذ دخوله الجامعة وهو يحب التمثيل، وقد لعب دوراً للمرة الأولى على خشبة مسرح الجامعة، إلى أن تحوّل التمثيل إلى هوس. ويضيف: "عندما رأيت تفاعل الناس معي على المسرح، أصابني هوس التمثيل والتأثير في الناس". وعلى الرغم من أنه حاول التقدم إلى معهد التمثيل، إلا أنه رسب! ظل سعد لسنوات طويلة يعمل في عالم الديكور، مشيراً إلى أنه اشتغل منذ أن كان طالباً لجني المال، هو الذي لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب. اضطر سعد أن يترك كل شيء ويخسر الكثير، للمضي قدماً لتحقيق شغفه. يوضح: "كل الأحلام بتروح، وحتى الناس يلي منحبهم يمشو، ولكنك لا تستطيع أن تعود أدراجك لا بل يجب أن تجري نحو الهدف". ومن باب الطرافة، يخبرنا أن والديه اليوم فخوران به لكنهما كانا ينظران إليه وكأنهما يقولان: "مسكين ابننا، هل يجب أن نجلب له الدكتور؟".والتمثيل للتأثير بالناس
رحلة سعد في عالم التمثيل لم تكن لتكون سهلة لولا فضل بعض الأشخاص عليه. وحين سألناه من ساعده؟ أجاب "ربّنا"، ليُتابع: "أنا مؤمن بحاجة، ممكن تقدم جهد وتجري وتجري في المطلق ولكن، حتى لو تجتهد لازم حد يساعدك وأصحاب الفضل عليّ هما المخرجان مجدي أحمد علي وخالد يوسف لأنهما آمنا بي ومنحاني فرصة التمثيل". وبالفعل، أول أدوار البطولة التي لعبها عمرو سعد كانت عام 2006، في فيلم "خيانة مشروعة"، للمخرج خالد يوسف، ليُتابع مشواره بين أفلام السينما والمسلسلات التلفزيونية. ويؤكد أنه يفضّل السينما لأن تأثيرها يتواصل لسنوات طويلة، قائلاً: "اليوم أشاهد أفلاماً من الخمسينات والستينيات، وهذا أمر عادي. الأفلام تكشف لك مصر وكيف كان الناس يعيشون ومعاناتهم وملابسهم، كما أنك تتأثر بالأبطال أكثر. وبالتالي، أي فيلم شاركت به إذا كان له عمر، فسيبقى طويلاً". الاستمرارية والتأثير بالجمهور، أمران يشدد سعد كثيراً عليهما، وينعكسان في اختياره للأدوار والأفلام، التي يشارك بها، لأنهما همه الشاغل: "عمري ما اهتميت بقديش حعمل فلوس". ويخبرنا أن أول جملة قالها بعد فيلم "حين ميسرة" عام 2007، كانت "كم متر سأظل مع الناس في خيالهم وقلوبهم بعد انتهاء عرض الفيلم؟ 10 أمتار وينسونني أو 10 كيلومترات أو آلاف الكيلومترات".عمرو سعد وريث أحمد زكي؟
وهنا يقول: "دي أخطر حاجة حصلت معي، هي مخيفة ومسؤولية كبيرة ولم تكن في مكانها". ويتابع: "أحمد زكي أو عادل إمام أو نور الشريف أو محمود عبد العزيز، لديهم تجربة مكتملة من 30 عاماً من العمل والعطاء، فكيف لك أن تقارن شخصاً مثلي ما زال في بداياته بهم. كنت أتمنى لو يسبوني بحالي". وفي الواقع، يضيف سعد أنه لا يحب أن يكون وريث أي شخص مهما كان عظيماً، قائلاً: "أتمنى أن أبقى عمرو سعد وأن أؤثر بالناس، ولو قليلاً. فعمري لن أقول لشخص يبدأ مشواره في الغناء إنه وريث فيروز أو أم كلثوم، لأنه لا يجب وضع سقف لأحد، لا سيما أنه قد يكون أفضل أو لا. وهناك فرق بين أن تتأثر بأحد وتكون معجباً به، وأن تتم مقارنتك به. أؤمن أن هناك شارع عادل إمام، ولا أحد سيتفوق عليه فيه، ولا في شارع فيروز ولا أم كلثوم. وأتمنى أن يكون لي شارع خاص بي حتى لو كان قصيراً".الأفلام الأحب إلى قلبه
في جعبة عمرو عشرات الأفلام والمسلسلات، التي كان بطلها على غرار "دكان شحاتة" (2009)، إلى جانب المغنية اللبنانية هيفاء وهبي، التي شدد على أنها مجتهدة في العمل والتمثيل، حتى لو كانت أول تجربة لها. ومسلسل "يونس ولد فضة" (2016)، الذي عُرض خلال رمضان ولاقى إعجاباً كبيراً، وتميّز بتمثيل ابنه فيه على الرغم من معارضته بادئ الأمر. إلا أن "حين ميسرة" (2007) و"مولانا" (2016)، هما الأحب إلى قلبه. ويشرح أن الفيلم الأول "أحدث موضة في السينما المصرية وغيّرها. يعود الفضل للموضوع، لأطفال الشوارع والطبقة المهمشة اجتماعياً، والمخرج، وأنا كنت مجرد أداة. أحدث الفيلم صدمة وأدى إلى ولادة جيل جديد في السينما، وحمل الموزعين على التفكير بشكل مختلف". أما فيلم "مولانا" الجديد، فاستفاض سعد بالحديث عنه وعن تمسكه به وحماسته الكبيرة للمشاركة فيه، لا سيما أنه يتناول حوار الأديان والخطاب السياسي. مواضيع أثّرت بسعد منذ وقت طويل، هو الذي قرأ الكثير عنها. والفيلم الذي تطلب منه ستة أشهر من التحضير اعتبره مهماً: "ليس للمسلمين والمسيحيين العرب ولا للشيعة والسنة، بل مهم لكل شخص على الأرض". وتساءل لماذا آلت بنا الأمور إلى هذا الحد من التشدد والعنصرية والتطرف؟ ويضيف: "الدين ليس حاجة مجردة، بل هو علاقتك بين الرسالة وفهمك واحساسك". ويتابع: "كلما تقع الحوادث، نسمع ان المسلم والمسيحي يد واحدة. هذا أمر عنصري. وكأنك تقول إنسان أخضر وإنسان أحمر هما معاً. هذا مرفوض لأنه لا يوجد إلا إنسان واحد". الحماسة التي انتابت سعد خلال الحديث عن "مولانا"، تؤكد أمراً واحداً، هو شغفه بالأدوار التي يلعبها، واهتمامه في اختيارها. يقول: "لو كنت في سويسرا أو السويد، لا أتمنى أن أكون ممثلاً، ماذا سأقول للناس؟ هنا في منطقتنا، المواضيع لا متناهية. أضيّع وقتي من كثرة التردد في الاختيار، وكأنني أدخل كهفاً، ولا أعرف ماذا أختار، هل أتكلم عن حوار الأديان أو المستشفيات أو الأوضاع الاجتماعية؟". بدأ عمرو حالياً قراءة سيناريو أفلام جديدة، ويعترف أنه يتمنى أن يتمكن، بعد فترة قصيرة، أن يُعلن اعتزاله التمثيل، والعمل في الظل، لأن "الأضواء تسرق منك الكثير"، على حد قوله: "لاسيما الحرية وتعاملك كأنك شخص غير عادي". ويقول: "لكن هذا الأمر صعب لأن الشغف أقوى دائماً ولا يفهمه إلا الممثلون... وكأنك تسأل مدمناً عن سبب إدمانه". ولكن عندما سألناه عن نصيحة للممثلين الجدد، قال ضاحكاً: "ما تمثلش لأن التمثيل صعب ومرهق، حتى لو أن الناس غالباً ما يفكرون أن الممثل يعيش على كنبة بيضاء، ويضع يديه في ماء باردة، ولا يفكرون أّننا نتعب ونشقى وأنك تفقد حريتك لأنك تفكر دائماً بالسينما والأدوار". إلا أنه يضيف: "في المقابل، تحصل على محبة الجمهور وشوية فلوس". لكن، يعرف عمرو سعد أن كل شخص يملك شغف التمثيل لن يأخذ بنصيحته!رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.