علّمني عملي الصحافي أن أحاول قدر المستطاع مراعاة الموضوعية لدى الكتابة، إلا إذا كان الأمر يتعلق بمقالة أبدي رأياً فيها حول موضوع معين. لكنني أظن أنه من المهم مشاركة قصتي هذه مع الجميع.
توفيت شقيقتي بعد صراعٍ دام لسنواتٍ مع مرض فقدان الشهية Anorexia. ريما، فتاةٌ جميلةٌ وقوية في الـ22 من عمرها، لديها أحلامها وطموحاتها كأي شخصٍ منا. ليست أنانية وتهتم بأمر الآخرين. ريما، روحٌ طاهرة تستطيع أن تملأ المكان فرحاً بابتسامتها. أتحدث عنها بصيغة الحاضر، لأنني أرفض أن أتكلم عنها بصيغة الماضي، فهي دائماً إلى جانبي، وأنا دائماً إلى جانبها. هي ليست شقيقتي فحسب، بل أعز صديقة لدي، هي أيضاً أمي وموضع سرّي.
خضعت ريما للعلاج في مركز لإعادة التأهيل يعنى بالحالات المشابهة لحالتها، ومع مرور الوقت، بدأت تتحسن. ولكن في حالة الإدمان أو الاضطراب يمكن للمرء أن ينتكس مجدداً بسهولة، وهذا ما حدث لها. قصدنا العديد من الأطباء والأخصائيين النفسيين والمعالجين المختصين. حاولنا مساعدتها بجميع الطرق، وهي حاولت أيضاً، ولكن الاضطراب في الأكل الذي تعاني منه تغلّب عليها. لم يكن أحد من أصدقائها ولا أنا مدركين حقيقة مرضها، فقد كانت محطّ أنظار وانتقادات الجميع على الرغم من أنهم لم يعلموا مدى الألم والمحنة التي تمرّ بهما. لقد كانت مأساةً مفجعةً بالنسبة إليّ، حتى أنني لا أستطيع تخيل مدى صعوبة المحنة التي مرّت بها. الأمر يفطر قلبي.
ريما تخسر حياتها
عانت شقيقتي من ذات الرئة، التي يمكن الشفاء منها بسهولة، ولكن بسبب ضعف جهاز المناعة لديها وقلّة التغذية وبدنها الضعيف، لم تستطع تحمل المرض. أمضت ريما أسبوعين في وحدة العناية الفائقة، ولم يكن باستطاعتنا أن نراها لأن أي احتكاك بالآخرين يؤدي إلى تدهور حالتها. أدخلها الأطباء في حالة غيبوبة، أمّا أنا وعائلتي فلم يكن بوسعنا إلّا الوقوف أمام وحدة العناية الفائقة والصلاة لها. شعرت حينها بأنني عاجزة ويائسة. أعرف ريما جيداً، وأعرف أنها كانت تستسلم وأعرف أنها كانت تحتضر، وكل ما كان بوسعي فعله هو الوقوف هناك ورؤيتها ترحل. إنها أصعب تجربة مررت بها، لذلك لا أتمناها لألد أعدائي. شعرت بالارتباك عندما تكلمت مع بعض الأشخاص عن حالة شقيقتي، فقد كانوا جاهلين تماماً أن هذا النوع من الاضطرابات موجود، ويمكن أن يهلك حياة أحدهم. فقدان الشهية مرض خطير وهو اضطراب الأكل الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى الموت. لذلك، كل ما أردت فعله هو نشر التوعية، لأنها مشكلةٌ يمر بها العديد من الناس في منطقتنا، وفي بلدنا، وخصوصاً مواليد ما بعد العام 2000، زمن التواصل الاجتماعي المصحوب بالضغوط من الآخرين بسبب الجسد النحيل. تنتج اضطرابات الأكل عن العديد من الأسباب، منها الوراثية، ومنها المتعلقة بالمحيط الثقافي والصحة النفسية. ففي مجتمعنا، خصوصاً في الخليج العربي، لا يعلم الكثيرون ما هي المشاكل التي يعانيها المصاب باضطراب في الأكل. قلما يفكر المصابون باضطراب في الأكل بالأمر على أنه متعلق بالطعام، أو المحافظة على جسد صحي ونحيل، بل يتعاملون مع عواطفهم عن طريق الإفراط في الأكل والتقيؤ. تساعد هذه الممارسات على التخفيف من القلق والتوتر، ولكن على المدى البعيد قد تؤدي إلى ارتفاع نسبة التوتر، بالإضافة إلى مضاعفات أخرى، يمكن أن تكون قاتلة وغالباً تكون النساء والفتيات الأكثر عرضةً للمعاناة من تلك الاضطرابات.ما هي اضطرابات الأكل؟
هي اضطرابات نفسية متمثلة في عادات أكل غير طبيعية، كفقدان الشهية، وهي ليست اضطرابات جسدية فحسب بل هي نوع من أنواع الأمراض العقلية أيضاً.ما هو فقدان الشهية العصابي؟
هو اضطراب أكلٍ نفسي قد يؤدي إلى الموت، وأبرز أعراضه انخفاضٌ حاد في وزن الجسد، والخوف من كسب بعض الوزن، وانطباعٌ خاطئ عن الذات وأسبابها التجويع الإرادي للنفس وقلّة الشهية. عام 2015، أظهرت الإحصاءات أن 1% إلى 4.2% من النساء عانت من فقدان الشهية في مرحلةٍ من مراحل حياتها. كما تبين أن فقدان الشهية يؤدي إلى الموت بنسبة أكبر من أي مرضٍ عقلي آخر، ويقدر عدد الذين يموتون جرّاء مضاعفات فقدان الشهية بـ4%.ما هو النهام العصبي؟
النهام العصبي هو اضطرابٌ عاطفي يتميز بتكوين صورةٍ خاطئة عن الجسد وحاجةٍ هوسية لخسارة الوزن، وهذا ما يؤدي إلى الصيام والتقيؤ. ويقدر عدد النساء اللواتي عانين من النهام العصبي في مرحلةٍ ما من حياتهن، بـ4%، و3.9% منهن يفارقن الحياة. كما أظهرت الإحصاءات أن 6% من الذين يخضعون لعلاجٍ للنهام العصبي يتعافون بشكلٍ تام، في حين أن 5.2% يموتون جرّاء مضاعفات صحية، ونحو 43% من الذين يعانون من "اضطراب نهم الطعام" Binge eating disorder يخضعون للعلاج. اضطرابات الأكل مصدر معاناة لأكثر من 10 ملايين أمرأة، ومليون رجل حول العالم. 4 من كل 10 لديهم تجربة شخصية مع اضطراب في الأكل، أو على الأقل يعرفون شخصاً يعاني منه.نشرت التدوينة بنسختها الإنغليزية على موقع Independent الإماراتي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 ساعاتعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.