حشرية، تعارف، جنس، شغف، صداقة، خيانة، حرية، خوف، كبت، إدمان، جرأة... وأكثر. كلها مشاعر وأحاسيس تتخبط في نفوس مستخدمي أشهر تطبيق للتعارف المثلي في العالم، غرايندر Grindr، بنسخته اللبنانية.
باتت في خبر كان تلك الأيام المرة التي كان يعيشها مثليو لبنان الذين يمنعون أنفسهم من الخروج إلى أماكن تعارف وسهر يجتمع فيها المثليون، خشيةً من أن يتعرف إليهم أحد. إذ انتقلت أماكن التعارف المثلية إلى العالم الافتراضي، وأصبح المثلي يتعرف إلى المثليين القريبين منه جغرافياً وهو في غرفة نومه. هل وفّر غرايندر فعلاً مساحة من الحرية للمثليين، أم أنه مجرد صورة عن كبت يتآكل مجتمع بمختلف انتماءاته الجنسية؟
كيف يعمل غرايندر
غرايندر كما يعرّف عنه مؤسسوه هو تطبيق تعارف مخصص للمثليين ومزدوجي التوجه الجنسي، والرجال الفضوليين للدردشة والتعرف إلى رجال آخرين. يعرض على شاشتك الصغيرة رجالاً ذوي ميول مثلية موجودين على مسافة جغرافية قريبة منك، أينما كنت في العالم، ويختارهم لك حسب المواصفات التي تطلبها في حسابك الخاص. 100 رجل من حولك بإمكان التطبيق أن يتعرف إليهم مجاناً. وإذا استخدمت النسخة المطورة غير المجانية Grindr XTRA، يرفع التطبيق حينها عدد الرجال الموجودين على بضعة كيلومترات منك إلى 300 رجل، بانتظار أن تنتقي البروفايل الذي يجذبك أكثر، وتتحدث مع صاحبه. كل ما يفعله غرايندر هو إعطاؤك الجرأة للتقرب من رجلٍ آخر، من دون أن تخشى ألا يكون يتشارك معك الميول نفسها، لأن ما يحدث في العالم الافتراضي يبقى في العالم الافتراضي.أين يقف العرب من غرايندر
أكثر من 10 ملايين شخص من حول العالم يملكون التطبيق على هواتفهم الذكية، بحسب آخر الأرقام المتوفرة من أواخر العام 2014. وأكثر من 5 ملايين منهم يستخدمونه شهرياً. لا أرقام تحدد نسبة المستخدمين العرب، ولكن يمكن القول بأن التطبيق يملك شعبية لدى المستخدمين العرب، إذا أخذنا مثلاً الألعاب الأولمبية الأخيرة في ريو والتي أصدر غرايندر أرقاماً تتعلق بها. فمن بين 38000 مستخدم لغرايندر في ريو، يأتون من 109 دول، ومن بين 14 مليون رسالة موجهة لرجال آخرين، نالت قطر الميدالية الفضية عن فئة "أكثر الرسائل اليومية المرسلة من مستخدم واحد”، بـ273 رسالة (مباشرة بعد كوراساو بـ350 رسالة). كما نالت البحرين الميدالية البرونزية بـ270 رسالة. علماً أن الرجال الأكثر استخداماً للتطبيق في تلك الفترة هم من البرازيل والولايات المتحدة وبريطانيا. تلك “الميداليات” التي حققها العرب، تدل على الرغبة الشديدة لدى أفراد من بعض الجنسيات، أكثر من غيرها، في التعرف إلى رجال آخرين. والأسباب بطبيعة الحال قد تعود إلى صعوبة استخدام التطبيق في البلد الأم، أو عدم استخدامه كلياً، نظراً للعقوبة المشددة التي قد تطال المثلي في معظم البلاد العربية. أو قد يكون أساسها، كبتاً جنسياً يعيشه هؤلاء المستخدمون، نظراً لعدم احترام حقوقهم في بلدانهم. للتعرف أكثر على طبيعة المستخدين العرب لغرايندر، وعلى كيفية تفاعلهم مع الجمهور العربي المشترك في التطبيق، جلنا على بروفايلات مستخدمي التطبيق في لبنان، البلد الذي يتيح مساحة أوسع من التواصل الافتراضي للمثليين، من دون خوف الملاحقة. لا سيما مع حجب التطبيق في بلدان عربية أخرى ومؤخرا تجريم استعمال الVPN كوسيلة للدخول على تطبيقات المواعدة في بعض الدول العربية. قابلنا ماركو، مستخدم إيطالي الجنسية يعيش في بيروت منذ أعوامٍ عدة، ليعطينا وجهة نظر خارجية وموضوعية عن الساحة اللبنانية. ووليد، مستخدم لبناني للتطبيق.ماركو: غريندر هو تطبيق جنسي 100%
س: كيف تتفاعل مع الرجال القريبين منك من خلال غرايندر؟ ج: أدخل ما أسميه سوق الرجال الافتراضي، وأنتظر أن يحدثني أحد إذا لفت انتباهه. نتحدث حتى نشعر أننا نريد أن نلتقي، أو لا. إذا تطابقت مواصفاتي مع مواصفات الرجل الذي أتحدث معه على غرايندر، أدعوه إلى منزلي، وهناك نتعرف جسدياً. وإذا نالت التجربة إعجابي، أطلب منه البقاء لاحتساء المشروب والتعرف أكثر بطريقة مختلفة. س: لم لا تخرج للتعرف شخصياً إلى رجال بدل التعرف الافتراضي؟ ج: نحن في عصر السرعة، وقد تعودنا السرعة في كل شيء. خلال 10 دقائق أتعرف على أحد من خلال غرايندر وأدعوه إلى منزلي، 10 دقائق أخرى نتعرف إلى بعض بالحوار، 10 دقائق أو أكثر في السرير. العملية كلها لا تتجاوز الساعة الواحدة. بينما إذا أردت الخروج في سهرة للتعرف على أحد، فقد أمضي الليل من دون أن يقترب مني أحد، أو أن أقترب منه بنفسي. ولكن إذا فكرت بالأسباب التي تدفع اللبنانيين لاستخدام غرايندر، فسيكون طبعاً الجواب أنهم يشعرون بأمان أكبر. فهذا عالمهم الافتراضي، لا أحد يعرف به، ولا أحد يتعرف إليهم، لأنهم لا يضعون صور بروفايل لوجوههم، بل صوراً لأجسامهم فقط. بإمكاننا القول إن لكل 20 مستخدماً على غرايندر من لبنان، شخصاً واحداً يستخدم صورة لوجهه في البروفايل، مثلي. وأنا أتفهم ذلك، رغم أنه غريب بعض الشيء. لكن المجتمع لا يرحم المثليين هنا. س: هل تبقون على اتصال بعد اللقاء الأول؟ ج: حسب اللقاء، ولكن في معظم الأحيان لا نرى بعضنا ثانية. الأمر معقد في لبنان، ومستخدمو التطبيق يعيشون ذلك التعقيد من خلاله. فإذا طلبت من أحد أن يمضي الليلة عندي، فقد يرفض في أغلب الأحيان، لأن "الماما" ستتصل به في وقتٍ ما وتسأله سبب تأخره عن المنزل. س: صف لنا مستخدمي غرايندر البيروتيين ج: شباب لا يتجاوز عمرهم العشرين، ربما لأن المثليين الراشدين يتركون البلاد لحياةٍ أفضل وأكثر حرية. أعرف الكثيرين في أوائل العشرين يحلمون بمغادرة البلاد في أسرع فرصة. المستخدمون من كافة المناطق اللبنانية، من جنوبها وبقاعها وشمالها، لحسن حظهم في النهاية لأنه من الصعب جداً أن تعيش في منطقة تقاليدها محافظة. في غرايندر شخصيات معروفة من عالم الفن والموضة والمجتمع، وبعضهم يعرض صورته على غرايندر، من دون خشية شيء. س: وعن تجربتك الشخصية مع غرايندر بيروت ج: كنت متحمساً جداً يوم قمت بتحميل التطبيق على هاتفي في بيروت، ولكن مع مرور السنوات، مللت بعض الشيء. فتفاعل الجمهور اللبناني مع غرايندر يتشابه نوعاً ما. المشاكل نفسها والعقد نفسها والأسئلة نفسها. حين يعرفون أنني إيطالي، يرتاحون فوراً ويرسلون صورة وجههم:- هل تعيش وحدك؟ (ليتأكدوا من أنه يوجد مكان لتمضية الوقت).
- أين تعيش؟ (لا يقود الجميع سيارته إلى أقصى الشمال مثلاً).
- عم تبحث؟ (إذا كنت تبحث عن المتعة أو اللعب في معظم الأحيان يتجاوبون معك، وإذا كنت تريد الصداقة أو المواعدة يختفون من شاشتك).
- هل أنت موجب (Top) أم سالب (Bottom) ، هنا تكون إجابتي أنني مبادل، وأعيش التجربة بحسب الشخص واللحظة والشعور. لكنهم لا يفهمون ذلك، إما أن تكون أحدهما أو لا شيء.
وليد: نحن نحدد ما هو غرايندر وليس العكس
س: كيف تعيش غرايندر؟ ج: إنه مجرد تطبيق لتعارف المثليين، أي أنني أعيش غرايندر وفق ما أريد. إذا أردت اللعب، أجد من ألعب معه، وإذا أردت الخروج في موعد مع أحد أيضاً أجده. حمّلت التطبيق لدى الإعلان عنه عالمياً، أي منذ نحو 7 أعوام، وكنت أستخدمه ككمالية افتراضية لحياتي الواقعية. فحين أخرج إلى نادٍ ليلي مخصص للمثليين في بيروت، أحاول أن أتعرف على أحد يعجبني، وإذا لم يتم الأمر، أدخل سيارتي وأفتح التطبيق كغيري ممن كانوا في النادي، ونحاول التقرب، ربما لأن العالم الافتراضي أسهل وأكثر حرية. س: هل المخاطرة كبيرة في تلك المغامرات؟ ج: كما كنا نعيشها نعم، لأننا نعيش في مجتمع غير منفتح على تلك الأمور. فإذا كنت تعيش ميولك سراً عن محيطك وعائلتك، تنتهي في مبنى مهجور في حيٍ ما، لأنك تود أن تلتقي بأحد، ولا مكان آخر قد يستقبلكما. أو تنتهي بإدخال الشخص الذي يعجبك إلى منزلك في الليل وأهلك نيام. فحين تعيش في كبت، تتصرف بطريقة مكبوتة أيضاً، كما كنت أفعل قبل أن أصارح أهلي بميولي. اليوم أتصرف بهدوء أكبر، أضع صورتي على بروفايل غرايندر، أعرف كيف أختار شركائي، أخرج في موعدٍ طبيعي من دون أن أعيش في خطرٍ أعمى. س: صف لنا الشخصيات المختلفة على التطبيق ج: - الشخصية "اللزقة"، أي الشخص الذي لا يتوقف عن مكالمتك طوال النهار، حتى لو لم ترد عليه. - الشخصية "البارانويا"، وهو الذي إذا أرسل لك "هاي" ولم تجبه بعد مرور دقيقة، يرشقك بالإهانات ويتهمك بأنك أحمق ولست جديراً به. - شخصية الـ"هاي حبيبي" من الكلمة الأولى. - الشخصية "السادو-مازوشية" الموجودة بكثرة في غرايندر لبنان، والتي تريدك أن تعذبها وتعنفها في السرير. - شخصية "القواد" الذي يريدك الآن وفي الحال مهما كان الثمن، يقترح أن يدفع لك مقابل خدمة جنسية معينة بضع مئات من الدولارات. يكونون إجمالاً بالغين في العمر، ولم يعيشوا حريتهم يوماً، فيدفعون لقاء ما يريدونه. - شخصية "المثقف"، أي الشخص الذي يحدد في بروفايله الخاص أنه يبحث عن رجال مثقفين يحبون القراءة ومتعددي اللغات. في غرايندر أيضاً نصنف بعضنا بعضاً وفق مستوى الثقافة والاجتماع. س:هل عشت تجربة غرايندر خارج لبنان؟ ج: أفتح غرايندر حين أكون مسافراً. ما لاحظته في أوروبا أن مستخدمي غرايندر أشخاص واضحون، وبسطاء في تفكيرهم، ويعرفون ما يريدونه. ربما يبحثون أيضاً عن الجنس ولكن بنسبة أقل، وبوتيرة أخف، وبطريقة أكثر إنسانية. رغم ذلك لا يمكنني أن أحكم على المجتمع الغرايندري اللبناني، فربما أنا محظوظ لأنني ولدت في عائلة تتفهم خياري لميولي الجنسي، لذلك أعيش بحرية فكرية وجسدية أكبر، وبإنسانية أكثر. س: من هو الغرايندري اللبناني؟ ج: هو إنسان يفجر كبته وانفصام هويته بين ما هو في العمق وما يظهره للخارج، بطريقة هستيرية أحياناً. هو شخصية افتراضية تستكشف ميولها الجنسية سراً مع شخصيات افتراضية أخرى تعيش السر نفسه. هو مراهق أو شاب أو بالغ يريد أن يتذوق طعم الحرية وجاء غرايندر ليلبي له ذلك الطلب، فأتت الحرية مكبوتة أيضاً تتصارع مع قيم المجتمع، لأنها مجرد حرية وهمية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي