مع انطلاق الألعاب الأولمبية، أخذ النقاش حول زيّ المشاركات العربيّات حيّزاً أكبر من الحديث عن إنجازاتهنّ الرياضيّة. ففي السعوديّة، شُنّت حملة على اللاعبات المشاركات في الوفد الرسميّ، لأنهنّ "هرولن أمام الرجال". وعلى تويتر، انشغل بعض المعلّقين بمايوه يسرى مارديني، في وقت كان العالم يثني على شجاعة السباحة السورية التي أنقذت قاربها من الغرق، خلال رحلة اللجوء عبر المتوسط. وفي مصر، يستعر النقاش حاليّاً حول زيّ اللاعبة دعاء الغباشي وحجابها، بعد انتشار صور مشاركتها في مسابقة الكرة الشاطئية.
ولكن ما هو زيّ المرأة المحجبة المثالي لممارسة الرياضة؟ ما هي معاييره التي تضمن لصاحبته أنها لا تهدد التزامها الديني، وفي نفس الوقت لا تضحي بمستواها أو جودة أدائها الرياضي؟ وقبل هذا وذاك، هل "يصحّ" أصلاً للمرأة المحجبة ممارسة الرياضة، أو المشاركة في الأولمبياد، أمام الجمهور والكاميرات؟
صورة الحجاب مقابل البيكيني تشغل المصريين: هل أخطأت اللاعبة المصريّة دعاء الغباشي باختيار الزي المناسب؟
رأى معلقون أن دعاء الغباشي تسيء لصورة المرأة المحجبة، في حين اتهمها آخرون بالرجعية والتزمّت
مأزق مزدوج
تحت عنوان "الكرة الشاطئية تجمع بين البيكيني والحجاب"، نشرت عدة وكالات أنباء صورة من مباراة بين فريقي مصر وألمانيا خلال الألعاب الأولمبية، على شاطئ كوبا كابانا في البرازيل. تظهر اللاعبة الألمانيّة في الصورة بالبيكيني، بينما ترتدي اللاعبة المصرية دعاء الغباشي الحجاب، وقميصاً قطنياً أخضر، فوق مايوه أسود ضيق، يغطي كامل الجسم. بعد لحظات قليلة من بداية المباراة، انتشرت صورة الغباشي على السوشل ميديا، بعكس زميلتها في الفريق ندى معوّض التي ارتدت الزيّ نفسه، ولكن من دون حجاب. ويبدو أنّ حجاب الغباشي وضع مشاركتها في الأولمبياد أمام مأزق مزدوج. فمن ناحية، أشارت تعليقات إلى أنّ ما ترتديه لا يليق بالمرأة المسلمة المحجبة، حتى ولو كان ضروريّاً لتحقيق أي انجاز رياضيّ. ورأى معلّقون أنّ مشاركة الغباشي في الألعاب، لا يجب أن يكون على حساب التزامها الديني، فإما أن تخلع الحجاب وترتدي ما تشاء، أو تلتزم بمظهر المرأة المحجبة. كذلك تضمنت التعليقات إشارة إلى هامشية ما تفعله دعاء، وعدم ضروريته بالنسبة للـ"مرأة المسلمة". على الجانب الآخر، سخر بعض المعلّقين من زيّ دعاء الأسود. ورأوا أنّ الغباشي تحاول الحفاظ على القبول والرضى من مجتمعها المصري، من خلال اختيارها لزيّ لا يتناسب مع متطلبات الرياضة. ورأوا أنّه كان عليها التحرّر من القيود المحافظة، والمشاركة بزيّ لائق مشابه لزيّ لاعبات الفرق الأخرى. واعتبر أنصار هذا الرأي أنّ الغباشي "نموذج مشوّه"، فلا هي شاركت بزيّ مناسب لتحقيق أعلى كفاءة ممكنة، ولا هي حافظت على حجابها والتزامها الديني.الحجاب والحرية الشخصية
فتَح السجال حول زي دعاء الغباشي الباب على مناقشة أوسع لمسألة الحرية الشخصية في ارتداء الحجاب. وسأل بعض المعلقين إن كانت المرأة المسلمة تتمتع فعلاً بالـ"حرية الكافية" لاتخاذ قرار ارتداء الحجاب أو خلعه، من دون أن يتضمن ذلك تهديدات ومجازفات نفسية ومجتمعية. ففي مصر، كما في كلّ المجتمعات العربيّة، لا ترتبط مسألة الحجاب بالحرية الفردية، بقدر ما تعبّر عن توتر اجتماعي وديني يحوم حول الحرمانية، وضغوط الأهل، وتسلط الذكور، والنظرة المثالية للمرأة. وتعليقاً على الضجة المثارة حول حجابها، قالت الغباشي لصحيفة "تلغراف" أنها لم تفكر كثيراً بمسألة زيّها، وأن حجابها لم يمنعها من ممارسة الرياضة التي تحب، مشيرة إلى ارتدائها الحجاب منذ 10 سنوات. وأضافت أنّها فخورة بمشاركتها في الأولمبياد، ورفعها علم مصر في هذا المحفل بجوار العديد من الدول.الزيّ المثالي
يذكّر الجدل الدائر حول دعاء الغباشي بجدل مماثل أثير حول البطلة المصريّة نور الشربيني التي فازت ببطولة العالم للسيدات بالاسكواش، في أبريل الماضي. حينها، انتشرت صور الشربيني بتنورة الاسكواش القصيرة، فانطلقت على مواقع التواصل حملة غاضبة من زيّها. وفتح النقاش واسعاً حول "الزيّ المثاليّ" الذي ينبغي أن تلتزم به المرأة العربية والمسلمة أثناء ممارسة الرياضة، وما إذا كان الزيّ المحتشم يعيق الرياضيات عن تحقيق إنجاز رياضي، أو يقلل من كفاءة اللاعبات، وصولاً إلى تعليقات تؤكّد أنّ الشربيني "ربحت البطولة وخسرت دينها". ومع كلّ نقاش مماثل حول ملابس اللاعبات المصريّات، يتمّ تهميش انجازهنّ الأصلي، ويجري التركيز على الحجاب والتنورة. هكذا ينسى الجميع أنّهنّ مشاركات في بطولة عالمية أو في حدث رياضي ضخم وكبير مثل الأولمبياد، ويتمركز النقاش حول زيّ اللاعبة، وموقعه من المعايير الدينية المثالية، أو ثوريته في وجه النظرة الذكورية أو المحافظة أو المتطرفة دينياً. يتحوّل الإنجاز الرياضي هنا إلى عدسة مكبرة، فتوضع صاحبته تحت الضوء، ويدور النقاش حول كلّ شيء باستثناء أدائها الرياضي ومدى احترافيّتها. على الأرجح، لم تكن دعاء الغباشي تتوقع أن تثار كلّ تلك الضجة حول زيها. ربما انتظرت المديح والثناء على شجاعتها كامرأة في مجتمع محافظ، قد لا يحبذ كثيراً احتراف النساء العلني للرياضة. ربما انتظرت تقديراً كامرأة محجبة قررت ممارسة رياضتها المفضلة، والاحتراف فيها من دون الخجل بمعتقدها الديني. وراء كل هذا الجدل، تبقى الإشارة إلى النتيجة الأصلية للمباراة، إذ خسر الثنائي المصري أمام نظيره الألماني، على أن يخوض في الجولات القادمة مبارتين أمام فريقي إيطاليا وكندا.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه