لن أجرؤ على تلخيص مشهد الغرافيتي وفن الشارع في المغرب. قد أستطيع التفكير في ما يترك علامة واضحة على المدينة المغربية. هذه العلامة ليست متجانسة. لكن القصة تستحق أن تروى.
القصة هي التي تبقى بعد مغادرة المكان. الأشياء التي نراها ونفكر فيها مع مرور الوقت. في هذه المدونة، لمحة غير عادلة عن رحلاتي في المغرب، وتحديداً أثناء إقامتي أخيراً في تطوان.
فن الشارع والغرافيتي في المغرب، يشبه إلى حد كبير المشاهد الثقافية هناك، إنه غني بالألوان، وبالأنماط، وبلغات عدة وجماليات مختلفة. جداريات منفصلة ومنتشرة في مساحات معينة، أو مخفية وموجهة إلى جمهور محدد، أو مختبئة وراء مبنى أو في زنقة ضيقة، إن لم تكن مرسومة على مساحات تجارية، التي تكون عادة بتكليف من السلطات أو الجهات الرسمية المرتبطة بالأحداث الثقافية.
مهرجان الغناوة يرسم على جدران الصويرة باستمرار، ومهرجانات فن الشارع تجمع فنانين من أنحاء العالم في أصيلة والدار البيضاء والرباط، وبينالي مراكش أيضاً يساهم في إضافة عنصر "فن الشارع" إلى المعرض، على الرغم من أن بعض هذه المبادرات قد تكون سريعة الزوال إذا لم توثق أو تؤرشف. كذلك تجد تعبيرات عن الحب وعبارات بذيئة باللغة الإنجليزية وتحتوي على أخطاء إملائية، والأمثال الشائعة والنصائح الدينية، وتتكرر ثلاث كلمات باستمرار "الله، الملك، الوطن".
وينبغي عدم خلط اللوائح السياسية مع ثقافة الغرافيتي، فإذا رأيت جدولاً مكوناً من رسومات: زهرة، ميزان، مصباح، أو حمامة مثلاً، فهذه أحزاب وطنية ومحلية تستخدم جدران الشارع للإعلان عن الانتخاب. ربما هناك حركات غرافيتية معينة، كالعبارات السياسية داخل الجامعات. جامعة فاس تحديداً استثنائية، تراوح الشعارات بين الماركسية والمتعلقة بحدث ما.
أما الحركة الواضحة التي وضعت علامتها على جميع الأراضي (الجدران)، من التجارية والجامعية والسكنية، بالإضافة إلى الحب وإرشادات حول عدم رمي القمامة، هي غرافيتي كرة القدم.
وعلى الرغم من أهمية وانتشار المنافسات الأوروبية، تبدو علامة الألتراس في المغرب جديرة بالاهتمام. والألتراس هم مشجعو كرة القدم ويشتهرون بدعمهم وولائهم "المتطرف" الشديد، وفي الغالب من أتباع فرق كرة القدم، وعادة في أمريكا الجنوبية وأوروبا وحديثاً دول شمال أفريقيا. لا تستطيع أن تمشي في شوارع مدن مغربية من دون أن تتعرف على أسماء الفرق وأنصارها الألتراس. WAC، نادي الوداد الرياضي في الدار البيضاء، KACM الكوكب المراكشي في مراكش، MAS المغربي الرياضي الفاسي في فاس. هذه العلامات المتكررة واضحة على الجدران وتيفوهاتهم ترسم أيضاً. وليس من المستبعد أن التعصب لديهم، يقود إلى العنف. ففي مباراة في الدار البيضاء بين نادي الرجاء الرياضي ونادي شباب الريف الحسيمي، أدت أعمال الشغب إلى مقتل 3 أشخاص وإصابة 54.
مجموعات الألتراس لا تقبل إعانة مادية من أي مصدر ويتم التمويل الذاتي من خلال العضوية في ألتراس وبيع المنتجات (تي شيرت، قبعات، الخ). وأصبحت ثقافة الألتراس نقطة اتصال الحركة ضد الاستغلال التجاري للرياضة وكرة القدم. ووفقاً للاسوشيتد برس فإن شبكة ألتراس المصرية كانت واحدة من أكثر الحركات تنظيماً في مصر بعد الإخوان المسلمين.
أثناء إقامتي في "فنون الزيتون الأخضر" في تطوان أخيراً، وثقت كتابات الألتراس، وتحدثت مع متطوعين ومتطوعات محليين عن ثقافة الألتراس في المغرب وفي تطوان تحديداً. ذهبت في رحلة استكشافية مع المتطوعتين أم كلثوم وليلى ثم تحدثنا مع المتطوعين أيوب وابراهيم. الحوار التالي مترجم من الإنجليزية.
أيوب: "لوس ماتادوريس كانوا أول فريق ألتراس في تطوان. عام 2005. بعدين صارت مشاكل بينهم".
ابراهيم: "مشاكل بين المديرين".
أيوب: "مين يدير مين، لكل ألتراس مدير ويسمونه ميوس".
ابراهيم: "بالإسبانية لوس ماتادوريس تعني القتلة وسيمبري بالوما تعني دائماً حمامة بيضاء".
أيوب: "في كثير عام 2006 كانوا يطلعوا ويعملوا مثلاً سيمبري بالوما. ولوس ماتادوريس في 2005. كل اللي يرسموا الجداريات ويكتبوا على الجدران كأنهم يقولوا هذه حارتي... أنا أملك هذا المكان. سيمبري بالوما عندهم أماكنهم ولوس ماتادوريس برضه عندهم أماكنهم خاصة. إذا تروحي جامع مزواق في تطوان بتشوفي لوي ماتادوريس فقط. وإذا نزلتي تحت، في حارتنا أنا وأم كلثوم، بتشوفي سيمبري بالوما. ودائماً يتخاصمون ويكتبون على جدران الآخر".
ابراهيم: "ومنطقة الباص الجديد اللي هي المساحة بين لوس ماتادوريس وسيمبري بالوما هو المكان الوحيد الي ممكن يتقابلوا فيه. هتشوفي كتابات تابعة لهم الاثنين. أصدقائي في هذا الحي…منفصلين. نصهم مع سيمبري بالوما والنص الثاني مع لوس ماتادوريس وأحياناً يتشاجرون"."الله، الملك، الوطن" كلمات تتكرر على جدران المغرب... ما الذي تقوله هذه الجدران؟
توثق رنا جربوع ثقافة الغرافيتي في بلدان العالم العربي. ما الذي تقوله عن المغرب؟عدنا للحديث عن الرسومات والأيقونات التي يرسمها الألتراس، من أنونيموس إلى رموز رقمية وعن شعاراتهم المختلفة. أيوب وكأنه في حاجة لتوضيح موقفه: "أتمنى أنه ما نتشاجر… كلنا مغربيين". ابراهيم: "نحنا كلنا نشجع مدينتنا طبعاً بس أنا كمان أشجع الرجاء من الدار البيضاء". أيوب: "أنا بس أحب تطوان، لا رجاء ولا شيء ثاني". أنا: "طيب في غرافيتي سياسي؟". ابراهيم: "لا لا!". أيوب: "أنت مجنونة؟". أيوب: "لا لا لا… لا ما في غرافيتي سياسي. تكلمي عن كرة القدم قد ما تبغي، بس ما تتكلمي عن السياسة في المغرب". ابراهيم: "نعم تتكلمي عن أي شيء ولكن السياسة… إلا الملك الحالي، يسوي شغل كويس. هو ملك كويس. فتح البلد". تبدو مألوفة هذه العبارة. في عدة بلدان عربية، حيث يعتبر الحاكم ثورة لسابقه. أوضحوا أنه خلافاً للملك السابق، أعطى الملك محمد السادس اهتماماً للمنطقة الشمالية، فأمضى عدة أشهر في زيارته الأخيرة إلى تطوان. أيوب: "وكنا سعداء.. كنا محميين. كان في كثير شرطة... حسينا بالأمان". تحدثوا عن كيف كانت تطوان مهملة في الماضي القريب، وأنه تم الاهتمام بها خلال الـ10 أو الـ15 عاماً الماضية. وتحدثوا عن ملكهم بفخر. ولكن كلما تطور الحديث ليطرح مواضيع سياسية غيروا الموضوع. ابراهيم: "تعرفين… مراكش مدينة جميلة". أيوب: "نعم نقدر نتكلم عن مراكش". ابراهيم: "مراكش مدينة جميلة. ما نقدر نتكلم عن السياسة". على الرغم من الرقابة الشديدة، فجدران المغرب ملونة ومعبرة. من الصعب عدم تسييس هذه العملية. مهما كنسنا السياسة إلى تحت البساط، فسوف تطفو على السطح في شكل "ثقافي". فعلاً مراكش وجدارياتها جميلة. تحدثت مع أمينة مشروع فن الشارع في بينالي مراكش. قالت لي إنها "ملزمة" بضم فنان مغربي (كالامور) بين 10 فنانين غالبيتهم من أوروبا. وماذا عن الألتراس وجدارياتهم؟ في حين تكونت المؤسسة الرياضية (والمجتمع الأبوي) في التطبيع الجنسي، من المثير للاهتمام أن نرى كيف تُشن المقاومة ضدها على الرغم من التناقض. كان التناقض دائماً عنصراً في وصفة التغيير. على جدار ما في الصويرة ترى العبارة: "حب فريقك قبل محبة مجموعتك". تتكرر العبارة "حافظ على نظافة الكوكبي المراكشي" (keep KACM clean) على جدران مراكش. وهناك صفحة على الفيسبوك باسم "ألتراس ضد العنصرية"، وصورة منشورة في الصفحة تظهر امرأة ناشطة تقف أمام 300 من النازيين يسيرون في مدينة بورلانغ (السويد) وهي رافعة قبضتها في الهواء. وما علاقة ذلك بالغرافيتي والألتراس؟ ثقافة الألتراس هي خليط بين ثقافة جماهيرية وثقافة الجماهير. تتغير وتغير، ربما.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 3 أيامأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 3 أيامحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 6 أيامtester.whitebeard@gmail.com