تتعدد أساليب التعامل مع الصورة الفوتوغرافية التي يتم توظيفها سياسياً بحسب الهدف المرجو تحقيقه. ورغم أن أشهر هذه الأساليب على الإطلاق هو استخدام فوتوشوب الذي يسمح بالتحكم في محتوى الصورة، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت استخدام أساليب أخرى أقل تعقيداً وقابلة للتوظيف السياسي، أهمها تقنية "القنص الفوتوغرافي".
يقصد بالقنص الفوتوغرافي التقاط الصورة في لحظة دقيقة يكون فيها الشخص موضوع التصوير بصدد القيام بحركة معينة أو تبدو على وجهه ملامح معينة لا تدوم في واقع الأمر أكثر من ثانية واحدة على أقصى تقدير. عادة ما تكون الصورة التي يتم التقاطها لا معنى لها في السياق الذي حدثت فيه، ولكنها سرعان ما تكتسب أهمية كبرى وتنتشر بسرعة فائقة على شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لأن محتواها قابل للتوظيف السياسي. يكثر استخدام هذا النوع من الصور الفوتوغرافية مع شخصيات سياسية يسعى خصومهم إلى إظهارهم في مواقف غريبة بطريقة تشحن الرأي العام ضدّهم.
من الأمثلة على هذا النوع من الصور تلك التي تم التقاطها للوئيس المصري الحالي، وزير الدفاع سابقاً، عبد الفتاح السيسي، أثناء لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين Vladimir Putin في موسكو شهر فبراير الماضي. يظهر السيسي في الصورة في موقف شخص مذلول، وشبه منحن أمام الزعيم الروسي. ورغم أن الصورة لا تخلّد أي حدث ولا قيمة لها في سياق لقاء عادي دار بين الرجلين، إلا أن اقتناصها في اللحظة المناسبة سمح لخصوم السيسي بتوظيفها سياسياً لكسر صورة نمطية أخرى عنه كرجل عسكري يتمتع بشخصية قوية كانت قادرة على إحداث تغيير كبير في مصر.
لتحقيق مزيد من التوظيف، عمدت بعض المواقع إلى نشر الصورة مع صور أخرى للرئيس المصري المعزول محمد مرسي أثناء لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويظهر في الصورة الثانية مرسي مصافحاً بوتين وهو ينظر مباشرة في عينيه، فتؤدي المقارنة الحتمية بين محتوى الصورتين إلى نتيجة واحدة، وهي ثقة مرسي بنفسه في حضرة الزعيم الروسي التي يقابلها ضعف شخصية السيسي، وبالتالي كسر التصور النمطي السائد عن قوة الرجل وشجاعته.
في المقابل، لم يسلم الرئيس المصري المعزول محمد مرسي من نفس الأسلوب الفوتوغرافي لما كان في سُدّة الحكم. فالكلّ يذكر لقاءه رئيسة وزراء أستراليا في سبتمبر 2012، وتلك الحركة الشهيرة التي قام بها عندما لامس جزءاً حساساً من جسمه في بداية اللقاء. هذه اللقطة لم تتجاوز ثانية واحدة من حيث مدتها، ولكن تم توظيفها بشكل واسع من قبل خصوم مرسي، فظهر الرجل في صورة السياسي الذي يجهل بروتوكولات اللقاءات الدبلوماسية، أو ربما يعاني كبتاً، فيصعب عليه التحكم في غرائزه بحضور سيّدة جميلة.
في تونس، اقترن أسلوب القنص الفوتوغرافي بالرئيس منصف المرزوقي منذ توليه مقاليد السلطة في ديسمبر 2011. ركّزت معظم الصور التي تم التقاطها له باستخدام هذه التقنية على بعض الحركات التي يقوم بها أثناء لقاءاته السياسية والتي تمثلت أساساً في النظر إلى أعلى أو الخلف في الوقت الذي يُنتظر منه أن يُركز نظره على الشخصية السياسية التي هو بصدد لقائها أو على الجمهور الذي هو بصدد مخاطبته. من بين اللقاءات الهامة التي تم فيها اقتناص صور للمرزوقي وهو ينظر إلى أعلى، لقاؤه مع المستشارة الألمانية أنجلا ميركل Angela Merkel والرئيس الفرنسي فرونسوا هولاند Francois Hollande.
من بين الأحداث الهامة التي تم فيها التقاط صور غريبة أخرى للمرزوقي، الاحتفال الذي نظمه قصر قرطاج بمناسبة ختم الدستور التونسي الجديد. ويظهر المرزوقي في إحدى هذه الصور وهو ينظر إلى الخلف أثناء إلقائه كلمة غير مكترث بالجمهور الذي كان يقابله، وفي الأخرى وهو يقوم بحركة غريبة أظهرته واقفاً على رجلين متقابلتين وكأنه يؤدي رقصة معينة.أدّى التركيز المتكرر على هذا النوع من الصور، وخاصة التي يظهر فيها المرزوقي وهو ينظر إلى أعلى، إلى انتشارها بشكل سريع على شبكات التواصل الاجتماعي، وصار الرجل موضوع تندّر لدى العموم، وخاصة خصومه السياسيين. لقد أصبح الجميع يتحدث عن المرزوقي وعلاقته بـ "الأرواح الشريرة" التي ترافقه حيثما ذهب، والتي لا يراها أحد سواه. الحقيقة إن الأمر لا يتجاوز في ظاهره إطار النكتة السياسية، ولكن المتمعن في أسباب التركيز المتكرر على هكذا نوع من الصور، وأهميتها في نشر صورة نمطية عن الرئيس التونسي، ربما يرى أنها تشكك في مداركه العقلية، وسيلاحظ بلا شكّ أن ذلك كله يندرج في إطار التوظيف السياسي الذي يرمي إلى توسيع القناعة بعدم أحقية الرجل بالمنصب الذي يشغله.
بالنظر إلى النتائج السياسية الكبيرة التي يمكن أن يحققها القنص الفوتوغرافي، يعتبر هذا الأسلوب واحداً من أهم الطرق الحديثة التي تعتمدها المعارضات السياسية لرسم صور قادرة على زعزعة ثقة العامة في أية شخصية سياسية. وما زاد من انتشار هذا الأسلوب هو بساطته التقنية، فهو لا يحتاج إلى التمكن من أية برمجيات تكنولوجية، بل فقط إلى قدرة شخصية على اقتناص اللحظة المناسبة أثناء التصوير، ثم الإسراع بنشرها على شبكات التواصل التي تتكفل بالباقي.
نشر هذا المقال على الموقع في تاريخ 12.03.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين