"هل أنا الشخص الوحيد الذي يشعر بالذنب أثناء مشاهدة هذا الفيديو، إنه يشبه الأفلام التي تعرض مشاهد قتل واقعيّة" – أحد مستخدمي يوتيوب. "المخلوق يرغب في الموت على طريقته الخاصة" سيغموند فرويد
الجزء الأول
أثناء تصفحي فيديوهات بشكل عشوائي على يوتيوب، وجدت نفسي أشاهد فيديو عنوانه "غسّالة تدمّر نفسها"، جعلني الفيديو أفكّر بالموت. الغسّالة نواة، تجويف يلفّ ويدور ويحمل بداخله جريان الماء والصابون والطاقة الكامنة، هذا التجويف له دور إضافي، بكونه الحامل الأساسي لموت الغسّالة، سوف أخبركم عن هذه الخاصيّة المميزة التي لا تخبركم بها إعلانات مساحيق الغسيل، إنه سؤال أعلمه أنا ومليون مشاهد آخر على يوتيوب، فالدوران هذا هو إيروس/إله الرغبة، يحمل بداخله ثاناتوس/إله الموت. نعم، الإغريق علموا عن الغسّالات الحديثة ما لا نعلمه نحن، تخيل معي غسّالة تلفّ الى الأبد، حتماً ستتحوّل إلى شيء آخر!
الفيديو يعرض أشخاصاً يلقون بطوب وأحجار وأشياء مختلفة الأشكال والأحجام داخل الغسّالة الأوتوماتيك، والآلة تهتمّ بالباقي: تسرّع من دورانها مع ارتطام الأثقال داخلها، تلفّ بعنف أكبر تدريجياً، تنتفض ويختلّ توازنها لتقع على جنبها، كأنها سمكة تلفظ أنفاسها الأخيرة على سطح قارب صياد، وبعد بضعة ارتجاجات تتوقّف من التعب وتموت. "يا ليت الغّسالة لا تلف، حتى لا تموت،" يا ليت الموت ليس نواة الحياة"، "أدور وموتي يدور معي"
- كيف تقتل آلة غسيل بأبطأ شكل ممكن؟
- تضع فيها كلّ ملابس الحارة
أو تستعملها بشكل طبيعي.
- كيف تقتل إنسانًا بأبطأ شكل ممكن؟
- تدعه يعيش حياته بشكل طبيعي
فناء منزل أخضر، تتوسّطه آلة غسيل، تدور حتى الموت، تدور أسرع من كوكب الأرض بقليل، عندما تقترب من الموت، تصبح آلة خارقة، تقفز من مكانها، تفتح بابها الأمامي من دون تدخّل بشري، وتصرخ كحيوان ينازع، تفكّك قطعها الميكانيكيّة وتخلعها، تثقب جدرانها وتحاول الطيران، التحوّل قد تمّ، ستتعطّل قريباً، ولكن الشخص الذي يصوّر الفيديو يعلن: "محرّك الغسّالة ما زال يعمل"، القصة لم تنته بعد، 3,589,915 شخص شاهدوا الفيديو على يوتيوب، أصبح الموت فرجة.
تعليقات مستخدمي يوتيوب على المقطع:
"شكل الغسّالة يوحي أنها نافذة إلى الجحيم"
"هذا ما يحصل عندما تستمني بشكل مفرط"
"الغسّالة تشبه شخصاً أصابه مسٌّ من الجن"
دوران الغسّالة هذا هو إيروس/إله الرغبة، يحمل بداخله ثاناتوس/إله الموت. نعم، الإغريق علموا عن الغسّالات الحديثة ما لا نعلمه نحن، تخيل معي غسّالة تلفّ الى الأبد، حتماً ستتحوّل إلى شيء آخر!
ماتموس، ثنائي موسيقي ينتج موسيقى إلكترونيّة، أصدر ألبوماً عنوانه "عناية فائقة 2"، الألبوم عبارة عن خليط من الأصوات التي سجّلها الثنائي أثناء قيامهما بغسيل ملابسهما، مشروع يستكشف ببراعة الأصوات المتكرّرة لتلاطم الغسيل مع الماء والصابون.
هنالك العشرات من فيديوهات هواة تدمير الغسّالات على يوتيوب، في أحدها نرى امرأة جالسة فوق الغسّالة، ويرمي حبيبها طوباً وأحجاراً داخل الغسّالة وهي ترتجّ وتلفّ بأقصى سرعة.
الغسّالة أقدم طبلة في الوجود، في الأغنية الثامنة من ألبوم ماتموس نسمع صوت أمواج مقبلة، ومن ثم أصوات طبول، الأغنية يغلب عليها الشؤم، وكأن أصوات الغسّالة التي تشبه الطبول، تنذر بشيء ما، أو تحضّر طقوساً قديمة.
الجزء الثاني
ماتموس، ثنائي موسيقي ينتج موسيقى إلكترونيّة، أصدر ألبوماً عنوانه "عناية فائقة 2"، الألبوم عبارة عن خليط من الأصوات التي سجّلها الثنائي أثناء قيامهما بغسيل ملابسهما، مشروع يستكشف ببراعة الأصوات المتكرّرة لتلاطم الغسيل مع الماء والصابون، وأصوات الطبول التي تصدرها الغسالة، والموسيقى الإلكترونية الحادّة عندما تنتهي الغسلة. حياة الغسّالة ملأى بالأصوات المتكرّرة النمطيّة التي لا نلاحظها، هذا الألبوم يجعلنا نستمع لموسيقى حولنا أهملناها.
الأغاني المصوّرة التي أصدرها الثنائي للألبوم، تبرز فيها العلاقة الحميمة بين الغسّالة والشخص الذي يستعملها، علاقة أقرب للفيتشيّة، في المقطع الثالث من هذه الأغاني، نجد فتاة ملقية رأسها على الغسّالة، وتلفها بذراعيها وهي مغمضة عينيها، في مقطع آخر نرى ساقيها متدليتين من فوق الغسالة.
هنالك العشرات من فيديوهات هواة تدمير الغسّالات على يوتيوب، في أحدها نرى امرأة جالسة فوق الغسّالة، ويرمي حبيبها طوباً وأحجاراً داخل الغسّالة وهي ترتجّ وتلفّ بأقصى سرعة.
الغسّالة أقدم طبلة في الوجود، في الأغنية الثامنة من ألبوم ماتموس نسمع صوت أمواج مقبلة، ومن ثم أصوات طبول، الأغنية يغلب عليها الشؤم، وكأن أصوات الغسّالة التي تشبه الطبول، تنذر بشيء ما، أو تحضّر طقوساً قديمة. آخر المقطع نسمع أصوات إلكترونيّة خافتة، والطبول تتوقّف، الغسّالة تموت، ولكن القصّة لم تنته بعد، الأغنية التاسعة ملأى بالطاقة والاستمراريّة "محرّك الغسالة ما زال يعمل".
برأيي فلترسل ناسا غسّالة لتدور في الفضاء، ونضع داخلها ألبوم ماتموس "عناية فائقة 2"، من يجدها سيعرف قصّة البشريّة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...