"يوم الجمعة خرجوا الريام" مطلع قصيدة شعبية غناها العديد من شيوخ هذا اللون، كُتبت في القرن التاسع عشر، موضوعها غرامي، تصف جمال النساء وهن خارجات لموعدهن الأسبوعي إلى الحمامات وشبههن بـ"الريام" بمعنى غزال الريم، هذه العبارة تناسب أيضًا خروجهن اليوم 8 آذار/ مارس في كامل تألقهن للمطالبة بعدول عبد العزيز بوتفليقة عن ترشحه لولاية خامسة، في حراك ثالث بعد الذي كان في جمعتي 22 فبراير و1 آذار/ مارس الماضيين. استيقظتُ على صوت الهيلوكبتر، كأزيز ذبابة أزعجت مرقدي، ألقيت نظرة من شرفتي بأعالي تيلملي، نساءٌ موشحات بالرايات الوطنية، يستعجلن الوصول إلى ساحة موريس أودان الذي يتوسط شارع ديدوش مراد بالجزائر العاصمة. تصفحت الفايسبوك على عجل، وتناقلت أخبار مفادها توقف حركة النقل بما في ذلك المترو والقطار، الذي قد يهدد نجاح المسيرة المنتظرة، وفور نزولي إلى شارع ديدوش، تبددت حيرتي وأنا أشاهد التدفق الجماهيري غير المسبوق، وقد طغى عليها حضور نواعم الجزائر بشكل جليّ. غير أن السؤال الذي بقي عالقًا في ذهني هل خروج المرأة إلى الشارع سيكون في مستوى الحراك الشعبي؟ الأسبوع الماضي عرف الشارع الجزائري نزول المناضلة الأيقونة جميلة بوحيرد لتقف إلى جانب صوت الشعب، هذه المناضلة التي اختارت الظل، منذ الاستقلال في 1962، رغم محاولات الرئيس بوتفليقة لاستمالتها لصفه، كأنها كانت تنتظر هذه الوثبة الشعبية لتسير معها، ورغم أنها لم تدل بأي تصريح إعلامي، غير أنها أكسبت مسيرة 1 آذار/ مارس رمزية النضال من أجل التغيير بصمتها الشامخ. التوقيت معروف، أما المكان فحيث شئن، بعد صلاة الجمعة زادت جموع الناس، بالنسبة لي اخترت ساحة البريد المركزي كوجهة أولى، حيث شُلت حركة المرور عن آخرها، وأضحت فضاءً للاحتفال بل كان عرسًا مدهشًا، وهناك كانت الفرصة سانحة للقاء الصديقة زهور التي حدثتني عن أهمية حراك المرأة الذي لا يمكن فصله عن حراك المجتمع، وهو أمر لا يختلف فيه اثنان، فحراك 22 فبراير شمل كل الجزائريين، ومازال متواصلًا بأشكال مختلفة، أثمر حراكًا آخر للمحامين والطلبة والأساتذة الجامعيين، فئات كبيرة من المجتمع عبّرت عن التحامها به، وصادف أن تكون ثالث تظاهرة يوم الثامن مارس، طبعًا الجزائريات لم ينتظرن هذا اليوم لينخرطن في هذه اللحظة التاريخية التي يعيشها البلد، لكن هذه الرمزية أعطت لمسة وربما نكهة مميزة لتظاهرة اليوم. يبقى أهم ما يمكن الحديث عنه هو أن الجزائريات أسقطن الأرقام والنظريات غير المؤسسة التي كانت تتحدث عن عدم انخراطهن في الشأن العام، هذه المشاركة فرصة لمقارنة الوجود والدور النوعي الذي تلعبه المرأة الذي يجعل المقارنة بالتمثيل العددي السياسي (البرلماني بشكل خاص) الذي كان محط تبجح السلطة لسنوات على مستوى المضمون والعدد، لهذا فان فتح الأبواب سيبرز القدرات الجزائرية الحقيقية التي تشكل قوة المجتمع بعيدًا عن ثقافة "الكوتا" (نظام المحاصة النسائية) غير العادلة.
الأسبوع الماضي عرف الشارع الجزائري نزول المناضلة الأيقونة جميلة بوحيرد لتقف إلى جانب صوت الشعب، هذه المناضلة التي اختارت الظل، منذ الاستقلال في 1962، رغم محاولات الرئيس بوتفليقة لاستمالتها لصفه، كأنها كانت تنتظر هذه الوثبة الشعبية لتسير معها.
فئات كبيرة من المجتمع عبّرت عن التحامها به، وصادف أن تكون ثالث تظاهرة يوم الثامن مارس، طبعًا الجزائريات لم ينتظرن هذا اليوم لينخرطن في هذه اللحظة التاريخية التي يعيشها البلد، لكن هذه الرمزية أعطت لمسة وربما نكهة مميزة لتظاهرة اليوم.
خروجها اليوم هو لإثبات الوجود، وإسقاط فكرة تميع حراكها الذي ظهر قبل أيام على صفحات الفايسبوك في شاكلة الشعارات الغبية المقترح حملها يوم المسيرة، ومحاولة بعض الجهات لجعل المظاهرات فلكلورية باقتراح ارتداء أزياء تقليدية كالحايك للنزول به للشارع وهو أمر لا يمت بموضوع الخروج إلى الشارع بأي صلة.استعان النظام بهذا الشأن بوجوه لا تمثل حقيقة حضور المرأة، الأمر الذي جعلها تجنح نحو العزوف من الحياة، وخروجها اليوم هو لإثبات الوجود، وإسقاط فكرة تميع حراكها الذي ظهر قبل أيام على صفحات الفايسبوك في شاكلة الشعارات الغبية المقترح حملها يوم المسيرة، ومحاولة بعض الجهات لجعل المظاهرات فلكلورية باقتراح ارتداء أزياء تقليدية كالحايك للنزول به للشارع وهو أمر لا يمت بموضوع الخروج إلى الشارعبأي صلة، أو الخروج بوردة بيضاء، وهو ما لا يندرج ضمن صميم المطالب، والميدان أثبت أن المرأة الجزائرية واعية، فحملن شعارات جادة ومتمسكة بالماضي الثوري للبلاد كالسيدة التي حملت لوحة مكتوب عليها "يا حسيبة انظري إلى جزائرك"، وتقصد الشهيدة حسيبة بن بو علي التي لها أن تفخر بنضج شعبها ونسائها، علاوة عن مطالب بتغيير النظام ورفض الولاية الخامسة لبوتفليقة. وأنا أعود إلى النفق الجامعي المؤدي إلى ساحة موريس أودان، ليست المسافة بعيدة بين ساحة البريد والوجهة الثانية، لكن الحشد السائر أطال في مدة السير، وعند مدخل النفق لم أشعر كيف انصهرت في جموع الناس، نساءً ورجالًا وأطفال، بصوت واحد يدوي كالرعد "جزائر حرة ديمقراطية"، وما شدني ذلك التكافل بين الناس دون أن يعرف الواحد الآخر، يشعر المرء حقًا بالفخر والسعادة، ومبشر بغد أفضل. مسيرة الثامن مارس حراك آخر وُلد من رحم حراك 22 فيفري، مستلهم من الشعب وينطق باسمه، رافضًا أن يركب موجه أي جهة حزبية أو تنظيمية بعينها، فعلتها حرائر الجزائر مثلما فعل رجالها في الفترات الحالكة التي عصفت بالوطن، كان فوق كل المستويات، وبل ساهم مساهمة كبيرة في تقويته، رغم تهديدات الدولة بما آلت إليه بعض البلاد العربية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...