شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
علاقات تحت السرير

علاقات تحت السرير

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 8 مارس 201910:36 ص
زائر غرفتي الصغير! في لقائنا الأول لم أرحّب بوجودك، أخفتَني وشعرتُ أنّك ضيف ثقيل. تساءلت مَن هذا الدّخيل المزعج الذي قرّر مشاركتي لحظاتي قبل النّوم ومنح نفسه أذنَ الاستماع إلى حوارات المساء مع وسادتي؟ بعد إقامتك شبه الدائمة تحت سريري لعدّة أيام، تلاشى إحساسك بالغربة و ألِفتَ المكان، فها أنا أعود من سهرتي لأجدك تتجوّل براحةٍ وثقة في غرفتي، متنقلاً غير آبهٍ بعودتي، من خزانة ملابسي حتى مقرّ إقامتك شبه الدائمة. هل تراك ألِفت كلَّ تفاصيل حياتي؟ مواعيدي كلّها؛ متى أخرج؛ متى أعود؛ ألوان أوشحتي. بتَّ تعرف عطري في الصباح و عطري في المساء. أحببتُ وجودك وآنسته، فكلّ مساء أسمع حركتَك و أبتسم. تُراك تقرأ مذكّراتي؟ أم تسترق السمعَ إلى مكالماتي الهاتفية؟ أظن أنك أنت أيضاً أحببتَ زاويتك، وأحببتَ رائحة المكان. أتفهّمك تماماً، فأنا مثلك أتعلّق بالأماكن، وتصبح لي زوايا مفضّلة في قلوب، وحيوات من أحبهم، زوايا أهرع إليها لأختبئَ كلّما ضاقت بي الدنيا. هل تذوّقت الجبنَ الذي وضعته لك إلى جانب المصيدة؟ تذوَّقْه ولا تخفْ. غداً سأترك لك قطعة حلوى أيضاً. متأكدة أنك ستحبّها. أأبوح لك بسرٍّ صغير؟ علاقتي بك مشابهة لعلاقات حبٍّ مررتُ بها؛ مؤقتة وخفية عن الأنظار.
أعلمْ أنني وغرفتي وأفكاري وقصصي السخيفة لسنا وجهتَك الأخيرة. نحن لسنا في بالك اصلاً . وأنك عابر سبيل تبحث عن مكانٍ مؤقّتٍ يحضنك حتى ينتهي فصل الشتاء. ذكِّرْني، لطفاً، بهذه الحقيقة كلّ يوم. وإن حدث وتعلّقتُ بوجودك في حياتي، فسأطردك فوراً. إذاً، لا تغضبْ منّي، بل تفهَّمْ خوفي من لحظات الوداع.
أيها الصغير، ابقَ في ضيافتي قدر ما شئت. اعلمْ أنّ الجوّ في الخارج باردٌ جدًّا، وأنك تلتمس دفءَ المساء تحت سريري، و لكن أثناء إقامتك في غرفتي حاولْ ألّا تقرض كتبي، أوراقي، أو صوري القديمة، ففي داخلها كلُّ تفاصيل حياتي؛ صور طفولتي،كتب مدرستي، رسائل حبّي الأول، رسوم طفلي الملوّنة، أحلامي وانكساراتي. صغيري، إن كنت لن تقدّم شيئاً مقابل إقامتك في غرفتي، فعلى الأقل لا تعثُ فساداً؛ فأنت لا تعلم كم من أُناس أدخلتُهم غرفَ قلبي كلّها، أحببتهم، حضنتهم وكنت سنداً لهم في أيامهم الصعبة؛ استمعتُ إلى أحزانِهم وداويت قلوبهم المكسورة، وعندما أتى صيفهم، رحلوا تاركين نفايات إقامتهم، دون أن يقولوا إلى اللقاء او حتى شكراً. أعلمْ أنني وغرفتي وأفكاري وقصصي السخيفة لسنا وجهتَك الأخيرة. نحن لسنا في بالك اصلاً . وأنك عابر سبيل تبحث عن مكانٍ مؤقّتٍ يحضنك حتى ينتهي فصل الشتاء. ذكِّرْني، لطفاً، بهذه الحقيقة كلّ يوم. وإن حدث وتعلّقتُ بوجودك في حياتي، فسأطردك فوراً. إذاً، لا تغضبْ منّي، بل تفهَّمْ خوفي من لحظات الوداع. أخاف أن يرحل من أحبّهم. فأنا أحببتُ كثيراً وودّعتُ كثيراً. إن رحلتُ، اسألْ عني من حين إلى آخر: كيفك؟ منيحة؟ بعدك بتحبي الشوكولا؟ بعدك بتضلِّك تضحكي لو شو ما كان في؟ اسألْ عني، كرمى للأيام التى احتللتَ فيها غرفتي وأفكاري، وأخذت من دفء قلبي. واذكرني دائماً، فأن يبقى جزءٌ صغيرٌ مني حيّاً داخل من أحببتُهم هو كلُّ ما أتمنى. صديقي، خذْ من دفء غرفتي ما شئت ولا تقل وداعاً ولا تسألْ ولا تذكر، فمن سكنوا غرفتي ليسوا بأفضل منك؛ أولهم سكن غرفتي أربع سنوات، وذات يوم أتى ليخبرني انه سيرحل ليتزوج من اختارتْها له والدته، أما المخلوق الثاني فقد اكتشف في يومٍ ما أنه قادمٌ من الريف وليس من المدينة، وأنه لا يستطيع الالتزام بقلب واحد ومنزل واحد. أما الثالث فقال لي مند اليوم الأول إنني لستُ أكثر من صديقة، لكنه عاملني كحبيبةٍ، فكانت خطيئتي أنني وقعتُ في غرامِه، وعندما اعترفتُ له بحبّي ذات مساء، رحل دون أثر في الصباح. يا زائري الصغير، أن ترحل دون وداعٍ هو لأمر طبيعيّ و فطريّ، ولكن، ما هو غيرُ طبيعيٍّ، هو ميلي الدائم لأن أتورّط بعلاقاتِ حبٍّ مع فأر.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image